إساءة الفهم تُوجع، تترك أثرًا لا يُرى، لكنها توجع كطعنة خفية في القلب. كم مرة وجدنا أنفسنا نحاكم على أقوال لم نقصدها، أو أفعال فسّرت خارج سياقها؟ وكم مرة صمتنا لأن الشرح لا يُجدي مع من لا يريد أن يفهم؟
لكننا، رغم ذلك، لسنا ما يُقال عنا. نحن ما نعرفه عن أنفسنا، ما نُضمره من نوايا، وما نحمله في قلوبنا من صفاء.
ليس من الحكمة أن نحيا أسرى لأحكام الآخرين. فالأحكام لا تملك قوة إلا إن منحناها نحن مفاتيحنا. وحين نُدرك ذلك، نتحرر.
تحرر من أن تُثبت شيئًا لمن لا يرى، ومن أن تُنقي صورتك في عيونٍ لا تنوي أصلاً أن تُبصر. كن صادقًا مع نفسك، واضحًا أمام ربك، واهدأ.
فالزمن كفيل بكشف ما خُفي، وإظهار من صدق ومن افترى.
لا تطالب بأن تُفهم دائمًا، بل كن أنت الفهم والرحمة لمن أساء، ولمن عجز عن الوصول إليك.
فالمحبة حين تمتزج بالعشم، تُصبح مرآة تُكبّر التفاصيل، وتجعل القلب أكثر عُرضة للخذلان حين لا تتطابق التوقعات مع الواقع.
وليس كل من أساء فهمنا قد أراد أذيتنا، أحيانًا ما تكون المحبة نفسها سببًا في التشويش، وفي توقّع ما لا نقدر عليه.
لكن… يبقى السؤال:
هل المحبة تُبرّر الظن؟
هل العشم يمنحنا الحق في الحكم قبل الفهم، وفي التفسير قبل السؤال؟
إن القلب الذي يحب بصدق، يسأل، ويستفسر، ولا يقطع حبل الودّ لمجرد ظنّ.
لذلك لا أنكر أن سوء الفهم قد يكون ناتجًا عن محبة، لكنّي أؤمن أن المحبة الناضجة تسعنا كما نحن، لا كما نتخيّل أو نرجو أن نكون.
فالنية الطيبة لا تعفي من الأثر، والخذلان حين يأتي ممن نحب، يؤلم أضعافًا.
ولعل أجمل ما نفعله لأجل قلوبنا… أن نحب بلطف، ونظنّ بحسن، ونترك للأيام فرصةً لتُظهر ما خفي، بهدوء ورحمة.