أنا؟
لا أدري إن كنتُ أنا كاملة…
أم بقايا امرأة يُكملها صوت لا أتحكم فيه.
يأتي دون استئذان،
يغلق الأبواب عليّ،
ثم يفتح نافذة في صدري،
ويبدأ في الحديث…
"قومي… اكتبي"
فأردّ خائفة:
"لكني لا أملك ما أقول"
فيهمس كأنني أكذب:
"بل تملكين أكثر مما تحتملينه…
أنا الذي أذكّرك."
فأسأله:
"من أنت؟ ولماذا تُشبهني أكثر مما يليق؟"
فيضحك…
ضحكة ليست ساخرة ولا مشفقة،
بل كأنها تعرفني أكثر مما أعرف.
"أنا غصّة المعنى،
وظل السؤال،
والمقطع الذي لم تجرئي على كتابته،
أنا الوجه الذي خلعتيه قبل أن يراكِ الناس."
أصرخ داخلي:
"ولكنك تؤذيني!
كلما جئت، خرجتُ عن ذاتي،
كأنك تُعرّيني وتتركني في منتصف القصيدة دون ختام."
فيرد بثقلٍ يشبه قَسمي القديم:
"وأنتِ…
لماذا تخافين من التعري؟
من الجنون؟
من أن تكتبي شيئًا لا يفهمه أحد؟
ألم تعودي تلك الصغيرة التي تخفي الدفاتر تحت الوسادة؟
ألم تكبري بعد؟"
أسكت…
لأنني أعلم أنه محق،
أنا كبرت…
لكن ما زالت بي طفلة تهرب كلما كتبتْ شيئًا صادقًا جدًا.
"هو" لا يُساومني على الحقيقة،
هو يسحبها مني كما تُسحب الروح.
لا يجاملني…
يُجبرني أن أقول:
نعم، خفتُ من نفسي،
نعم، تمنيتُ الجنون لأن الواقع يؤلمني،
نعم، كتبتُ كثيرًا ولم أقرأني بعد.
أحيانًا أشعر به غضبان،
متقلّب، كأن روحه محمّلة بالأعاصير،
وأحيانًا،
يأتيني برفق غريب…
يلمس روحي كأنها شيء هشّ،
ويقول لي بصوته الذي لا يُشبه البشر:
"اكتبي،
حتى لو نزفتِ…
فالوجع طريق العودة إليك."
أنا لا أعلم إن كنتُ أنا من تكتبه،
أم هو من يكتبني.
لكنني، منذ عرفته،
لم أعد كما كنت.
صرتُ أكثر صدقًا…
أكثر وحدة…
أكثر شِعرًا.
وصرتُ أُحبّه…
أحبّ ذاك الجزء الغامض منّي،
الذي يظهر في الليالي الثقيلة
ويأخذ بيدي إلى حيث لا يُسمّى
إلى الحافة…
حيث أكتب، وأبكي، وأشفى.