قالوا عنها:
«قد تجاوزتْ»،
وما رآها أحدٌ إلّا كقطعةٍ من نورٍ عابرةٍ في ليلٍ طويل،
لم يدركوا الجدارَ الصلبَ الذي ينسُجُ بين كلِّ ابتسامةٍ ودمعة،
ذلك الحدَّ الرفيع الممزوجَ بصمتٍ مُرّ،
حيث تتقاسمُ صلابتُها مع انكسارٍ مكتوم.
كانت تمضي بهدوءٍ قاتل،
في مشيتها كلماتٌ لا تُقال،
وفي صمتها موسيقى الحزن الأعمق،
لكن في داخلها أنهارٌ من دموعٍ لم تُروَ،
زهرةٌ تفتّحت في قلبِ عاصفةٍ شتوية،
تعلم أن الذبولَ قادمٌ لا محالة،
لكنّها ما زالت تفوح بعطرِ الحنين المُستباح.
العِوض لم يكن لها ظلاً،
ولا حضناً يُمسكها،
ولا اعتذاراً يغسلُ ظلمةَ الغياب،
بل كان في صبرِها المُرهق،
وفي اختيارِها أن تمضي رغم الألم،
في كلّ مرةٍ تُخفي سؤالاً مُلحّاً،
وتبتلعُ حسّاً نابضاً،
وترسمُ ابتسامةً تمتصّ قلقَ الحاضرين.
نجَت،
ولكن النجاة ليست دوماً النورَ المُشرق،
فهي أحياناً ظلٌّ طويلٌ يُلازمُ الروح،
أن تعيش وأنت تسيرُ على شظايا ذاتك،
تبتسم وفيك غصّةُ ذكرى محبوسة،
وتُحبّ وأنت ترى انعكاسَك في مرايا مكسورة لا تعكسُ سوى الألم.
كانت تمشي بطريقتها الهادئة،
لكن كلّ خطوةٍ كانت كسيفٍ يُجلدُها،
وكلّ لحظةِ صمتٍ كانت كالجمرِ يلتهمُ لهيبَها،
بصوتٍ خفيضٍ لا يسمعه إلا من ذاق مرارةَ الوجع،
فأشدُّ الألم ما لا يُعلن،
ما يُطوى بين الضلوعِ كسرٌ لا يُرى.
وفي أعماقِ تلك الروحِ الممزّقة،
تسكنُ ملكةٌ لا تعرفُ الانحناء،
تُزهِرُ رغم كلّ العواصف،
وترتدي تاجَ الكبرياء على جبين الألم،
تمضي في مملكتها بصمتٍ وجلال،
تُعيد كتابةَ أسطورتها بكلماتٍ من ذهب،
تعلَم أن العظمة ليست في صخبِ العالم،
بل في هدوءِ العزيمة التي لا تُقهر.
وفي قلبِها تسكنُ مملكةٌ لا تزول،
حيث العزُّ تاجٌ، والكرامةُ سيف،
تحكمُ صمتَها بيدٍ من نور،
وترقصُ فوق جراحِها كملكةٍ لا تعرفُ الانكسار.
هي الملكةُ التي تصنعُ من الألمِ مملكة،
ومن الصبرِ تاجاً يُشرقُ في الليالي الحالكات،
ترفرفُ فوق كلِّ العواصفِ بروحٍ لا تلين،
وتكتبُ الأسطورةَ بدموعِ الصمت، وتوقّعها بنبضِ البقاء.