أُرهف قلبي لارتجاف الصوت، كأنّه وترٌ رقيقٌ يعزف على أوتار الفجر، لحروفٍ تتعثر كعصافير ضائعة تحاول استعادة مسارها بين غابة من الصمت. ألتقطُ في عينيّ نبضات الحزن المختبئة، تلك التي تئنُّ خلف قناع الوجوه الباردة، كقطرات مطر تتساقط على نافذة روح مكسورة. أسمعُ الصمت حين يهمس من الأعماق، كأنه صدى حلمٍ ضائع في متاهات الزمان، وأفهم الحيرة وهي ترقص على أطراف الظلال، فأربّت على وجعها كنسمة هادئة تمرّ فوق ورقة شجرٍ مُذعورة، وأنسج من صمتها لُبداً يدفئُ عظام الوحدة.
أُميّز الشروخ في الضحكات، كأنّها كسورٌ في زجاج نافذة تعكس وجه الدنيا، يضيء وجهها بوميض شاحب، لكنها لا تُنير الغرف الخفية للروح. أفرّق بين ضحكةٍ تتلوها دموع خفية كندى الصباح، وضحكةٍ تُلبس وجهها قناع "أنا بخير" كعاصفةٍ تختبئ خلف أفق مغيم. أعلم كيف تخوننا أصواتنا حين نحبسها خلف أبواب الأمل الموصدة، وكيف يختنق الفرح في حنجرةٍ جُرحت من انتظارٍ بلا نهاية، ليصبح صمتًا ثقيلاً كالصخور على صدورنا.
أبتسم، لا لأنني خالية من الجراح، بل لأنّي أتقن الرقص مع صمتٍ نبيلٍ، ذلك الصمت الذي يحفظنا من انكشافٍ يجعلنا رهائن ضعفنا، أُجيد الانحناء أمام هشاشة الآخر، كغيمةٍ تطوف في سماء صيفٍ حار، ترشُّ برفق قطرات العطف على أرضٍ تشتهي الرحمة، ثم تختفي خلف الأفق دون وداع.
في أعماقي بحرٌ هادئ، لا تعلو أمواجه، لكنه يحمل سفنًا محطمة، يمتصّ أحزانًا كليلٍ يحتضن صمت النجوم، ويخفي في قاعه رسائل مكتوبة بحبر الألم، لم يقرأها أحد.
أُجيد الإصغاء لما لا يُقال...
وأُجيد الانكسار بصمت، كغصنٍ تعلم من الريح أن ينحني دون أن يصرخ، يحني رأسه تحيةً للصبر والحياة.