عَتَمَاتُكَ المُبْصِرَةُ، لَيْسَتْ لَعْنَةً، بَل هِيَ العَيْنُ الثَّالِثَةُ الَّتِي لَا تَغُفُّ.
فِي الظُّلْمَةِ، حِينَ يَنْسَحِبُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَى خَفَاءِ مَقَاصِدِهِ، تُكْشَفُ الحَقَائِقُ كَمَا لَمْ تُكْشَفْ فِي أَوَانِ البَهْرِ.
لَا صَوْتَ يُشَوِّشُ، وَلَا ضَوْءٌ يُغْرِي، وَلَا زَخَارِفُ تُزَيِّنُ وَجْهَ الخَدِيعَة.
هُنَاكَ فَقَط.. أَنْتَ، وَحَدْسُكَ، وَنَفَسُ اللهِ الَّذِي نَفَخَهُ فِيك.
كَيْفَ لِلْقَلْبِ أَنْ يَضِلَّ، وَقَدْ بَاتَ يَرَى بِعَيْنٍ لَا تُشْبِهُ العُيُونَ؟
وَكَيْفَ تَغْفَلُ، وَقَدْ خَبِرْتَ طَعْمَ النُّورِ الزَّائِفِ، وَالضَّحِكَاتِ الَّتِي تَحْمِلُ فِي جَوْفِهَا شُرُوخَ الصَّمْت؟
العَتَمَةُ لَيْسَتْ سِوَى تَجَلٍّ إِلَهِيٍّ، يُمْسِكُ بِقَلْبِكَ عَنْ السُّقُوطِ فِي بَهْرَجِ الوَهْم.
فَكَمْ مِنْ وَجْهٍ أَضَاءَ حَوْلَكَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَخْفِي لَيْلًا طَوِيلًا لَا يُرَى؟
وَكَمْ مِنْ جَمَالٍ سَرَقَكَ، حَتَّى إِذَا مَا أَحْبَبْتَهُ.. نَكَثَ وَعْدَ الإِنْسَانِيَّةِ فِيهِ؟
تَعَلَّمْتَ أَنْ تَسْكُنَ العَتَمَةَ، لَا لِأَنَّكَ تَخْشَى الضَّوْءَ، بَل لِأَنَّكَ تَفَرَّسْتَ الضُّوءَ حَتَّى عَرَفْتَ فِيمَنْ يَسْكُنُ خَلْفَهُ.
فَلَا تَخَفْ، وَأَنْتَ تَخْطُو وَحْدَكَ، فَاللهُ يُنِيرُ لِمَنْ صَدَقَ، وَلَا يُسْلِمُهُ لِعَيْنٍ تُبْصِرُ الجَسَدَ وَتَغْفَلُ عَنِ الرُّوح.
وَلَا تَنْدَمْ عَلَى مَنْ لَمْ يُحْسِنْ الجُلُوسَ فِي مَقَامِ نُورِكَ، فَالعَتَمَاتُ المُبْصِرَةُ، لا تَجُودُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ.