سفر الإنسان إلى ذاته... أطول رحلة إلى أقرب مكان.
رحلةٌ لا تُقاس بالكيلومترات، بل بالوعي الذي تكتسبه، بالأحمال التي تتخفف عنها، وبالندوب التي تتحول إلى حكمة.
هو الطريق الأكثر وعورة، والأشد تعقيدًا، لكنه الوحيد القادر على أن يعيدك إلى نفسك كما لم تكن من قبل.
لا تحتاج فيه إلى تذكرة سفر، ولا إلى حقيبة ممتلئة، بل إلى قلبٍ شجاع، وعقلٍ متفتح، وروحٍ تجرؤ على المواجهة.
أن تسافر إلى ذاتك يعني أن تواجه ظلك، أن تعبر حقول الذكريات دون أن تتعثر، أن تنظر في مرآة روحك دون أن تخشى ما تراه.
هو السفر الذي يأخذ منك كل شيء، ثم يعيدك إليك: نقيًا، صادقًا، خفيفًا من كل الزوائد التي لم تكن أنت.
في هذه الرحلة، ستخوض معارك مع أفكارك، ستتراجع أحيانًا، تنهار أحيانًا أخرى، لكنك في النهاية ستصل...
ستصل إلى ذلك السلام العميق، الذي لا تمنحه الأماكن، بل تمنحه المصالحة مع نفسك.
ستسمع صوت قلبك بوضوحٍ للمرة الأولى، وستدرك أن الإجابات التي كنت تفتش عنها في الخارج، كانت طوال الوقت تسكنك.
وكلما تعمّقت أكثر، ستكتشف أنك لم تكن بحاجة إلى الهروب، بل إلى الوقوف بثبات أمام ذاتك، إلى النظر في أعماقك دون خوف،
إلى احتضان ضعفك بنفس القدر الذي تحتفي فيه بقوتك.
وستفهم أن كل التجارب، بكل آلامها وأفراحها، بكل خيباتها ولحظاتها النادرة، كانت تدفعك نحو نقطة الإدراك،
نحو ذاك النور الذي لم تكن تعرف أنك تبحث عنه، حتى وجدته فيك.
وفي لحظةٍ ما، وسط كل الفوضى التي اعتدتَ عليها، ستجد نفسك صامتًا... ليس صمتَ الهروب، بل صمتَ الامتلاء.
لن تعود بحاجةٍ لإثبات شيء لأحد، ولا لمطاردة شيء خارجك، لأنك أخيرًا وجدت ما كنت تبحث عنه طوال الوقت: أنت.
وساعتها، ستبتسم...
ابتسامة العارف، الذي لم يعد يخشى الطريق، لأنه أدرك أخيرًا:
أنه هو الطريق ذاته.