حبيبي تمثالُ رمادٍ يُعيدُ الصباحُ نفخَ روحهِ كلّ يومٍ، ليذوبَ مع أوّلِ نظرةِ شمسٍ إليه. ويبكي المساءُ كطفلٍ ضاعَ منهُ طريقُ الرجوعِ إلى عينيهِ.
كان على الأبجديّةِ أن تتدخّل قبل أن أفقدَ دمي، وكان على الصمتِ أن يشهدَ، وعلى الفقدِ أن يكتفي بما أخذ.
لكنني – كعادتي – تأخّرتُ عن نجاتي.
"هل رأى الحبُّ قتيلًا يُقبّلُ قاتله؟"
قلبي الذي تشظّى في لحظةِ وداعٍ واحدة، ظلّ ينزفُ أعوامًا ليُقنعني أنه ما زالَ يصلحُ للحياة.
كيفَ أمشي بهِ وأنا أتعثرُ في نبضِهِ؟
كيفَ أُكمِلُ بنصفِ نبضةٍ، ونصفِ أُمنيةٍ، ونصفِ وجهٍ تركتُهُ في الضوءِ معكَ؟
خمسة... أربعة... ثلاثة...
ثم ينسحبُ ظلكَ كأنّهُ سرابٌ منسوبٌ للمعجزات.
تتركني في المنتصفِ، وأُقسمُ أنني سمعتُ قلبي يقعُ على الأرضِ ويتحطّم، ثم صمتَ كأنهُ اكتفى.
قلبُكَ الذي وزّعتَهُ بيني وبينَ نسيانك، نصفُهُ في صدري يتوسّلُ عودتَك، والنصفُ الآخرُ في جيبِ معطفِكَ القديم.
أحيانًا أسمعُ نبضَهُ من بعيدٍ، فأضعُ يدي على صدري خجلًا، كأنني أتجسّسُ على ما لم يَعُد لي.
كيفَ تمشي في طريقٍ لا أعرفُ نهايتَه؟
وكيفَ أمشي أنا في طريقٍ خلتْ من ضحكتِكَ، من طريقتِكَ في القول: “اهدئي، الدنيا بخير”؟
منذُ رحيلِكَ والعالمُ يتهجّى أسماءنا كأنهُ لا يعرفُها.
"قالوا لي: مَن أحبَّ مثلكَ، احترق."
فأجبتُ: وهل يُشفى مَن أحبَّ على هيئةِ صلاة؟
قلتُ يومًا: ستسأمهُ الشمس، وسأجيءُ ليلًا كمن يبحثُ عن جثمانِ حلمه.
سأجمعُكَ من الرمادِ، أُعيدُ تكوينَ ملامحِكَ، أزرعُ فيكَ ضحكةً لم تمسّها الخيبات، وعينينِ لم تريا الغياب.
وحينَ تكتملُ في يديّ ملامحُكَ، سأترككَ تذوبُ مرّةً أخرى... لكن بسلام.