كاتب الأسبوع

✍️ كاتب الأسبوع

الكاتب المبدع أشرف الكرم 📖 حيثيات اختيار كاتب الأسبوع
🔄 يُحدّث كل جمعة وفق تقييم الأداء العام للمدونات

📚 خدمة النشر الورقي من مركز التدوين والتوثيق
حوّل أعمالك الرقمية إلى كتاب ورقي يحمل اسمك ورقم إيداع رسمي ✨
اكتشف التفاصيل الكاملة

آخر الموثقات

  • أمل صبور الأكثر وعيًا وقوة وذكاء
  • زهرتك تهوى.
  • رأيتُ حُلماً أخشى أن يتحقّق
  • شام لاجئة استوطنت قلبي - الفصل العشرون
  • الكبير
  1. المنصة
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة أسيمة اسامة
  5. الغرفة رقم 7 - رواية بقلم أسيمة ابراهيم
⭐ 5 / 5
عدد المصوّتين: 4

 صباح خريفي

استيقظ قاطنو فندق (ايتوال) على جلبة مرتفعة في الممشى الطويل الممتد بين الغرف ...

كانت خليطاً من همس متأسف خائف، وجمل عصبية، عالية النبرة، لكنها تستر رهبة خفية.

أصرت السيدة هيام على تجاهل الموضوع برمته، فقد عاشت حياتها بمعزل عن الاخرين مؤمنة بمقولتها الذهبية التي ترددها دائما بينها وبين نفسها:

"كل ما كان خارج هذا الباب وهذه النافذة لا يعنيني"

 فالتدخل في شؤون قاطني الفندق يؤرقها كثيراً.

لكن هذا الصباح كان يحمل رائحة الموت بين نسماته، وبلا وعي نهضت عن كرسيها الهزاز، لتفتح الباب وتستطلع الأمر، لكنها عادت وتوقفت عليها أن تكون أكثر استرخاء وأقل قلقا، توجهت نحو المرآة، غرزت أصابعها في شعرها لتهذبه، كان شكله مريعا، لونه الرمادي صار باهتا، فقد لمعته، وبدت جذوره البيضاء وكأنها في معركة ضارية، بعضها بدا وكأنه يستجدي الصباغ والآخر وكأنه رايات بيضاء مرفوعة أعلنت استسلامها.

 أمسكت زجاجة عطرها ورشت على عنقها، وأخذت نفسا عميقا مغمضة عيناها نصف إغماضة، وابتسامة شبه مرسومة على شفتاها، فعطرها هو الوحيد الذي يكفل لها تجاوز أي حدة أو ضغط يلوح لها في الأفق، زفرت الهواء بهدوء قبل أن تعود إلى الكرسي الهزاز.

لكن الأصوات المرتفعة منعتها من استحضار حالة الاسترخاء التي كانت تبهر نفسها دائما بجلبها في أحلك الظروف.

تركت كرسيها وهبت واقفة وقبل أن تخطو وقفت في مكانها وعيناها على الكرسي يصدر صوتا رتيبا إثر اهتزازه البطيء،

رسمت على وجهها ابتسامة صغيرة مصطنعة، وتوجهت نحو الباب، وبيد مرتعشة فتحته، ومن خلال شق صغير أدركت أن هناك مصيبة حلت في الفندق،

وجوه كثيرة تراها مجتمعة في الممشى لأول مرة، أول ما وقعت عينها عليه، ضابط بزيه الرسمي يطلب من الجميع الهدوء، والابتعاد عن المكان، الوجوم باد على الجميع، غير أنها ميزت من بينهم، وعلى بعد ثلاثة أمتار عنها وجه جارها في الغرفة المجاورة السيد أمين، كان شاحباً مذعوراً، يبدو عليه الخوف والذهول، لم تره في حياتها على هذه الصورة الرهيبة، تذكرت حلما راودها، تساءلت هل الحلم هو من أيقظها أم هذا الضجيج الرهيب، كانت صورة زوجها المذعور في الحلم كأنها صورة أمين الآن، تسارعت دقات قلبها، يدها تجمدت على المقبض البرونزي للباب، أخذت شفتاها ترتجفان، وعيناها تحدقان به نظرة المستغرب المتسائل، وما أن رآها، حتى سارع مقترباً منها، وهمس لها بصوت مرتجف مقطوع الأنفاس، ودون أن ينظر في عينيها:

- لقد وجدوا جثة ملقاة على أرض الغرفة رقم سبعة غارقة بالدماء !

كان وقع الخبر على السيدة صادماً، جحظت عيناها، ونفر ذلك العرق الأزرق لأول مرة من خلال تجاعيد جبينها، صرخت بشكل هستيري:

-الغرفة رقم سبعة !

ماذا؟

 ماذا تقول؟

كيف حدث هذا؟

 من يتجرأ أن يدخلها قل لي من أرجوك؟

وفيما غطى صوت الضجيج على صوتها، حاولت أن تتقدم خطوة خارج الباب، إلا أن أمين منعها بلطف طالبا منها أن تهدأ وتعود للداخل ريثما ينجلي الأمر ويفهم القصة.

تظاهر أمين أمام السيدة بالقوة، ورباطة الجأش، لكن قدميه فضحتاه وهو يجرهما بصعوبة عندما استدار مبتعداً، فما حدث هذا الصباح كان مهولاً، مفزعاً.

عادت السيدة الستينية إلى كرسيها الهزاز بعد أن أغلقت باب غرفتها بإحكام لتستجمع قواها، وهي تهذي:

- هل هذا صحيح، لا أبدا.. لا يمكن أن يحصل هذا..

فتحت النافذة وأخذت تحدق نحو البحيرة القريبة، وبدأت تجمع شتات أفكارها و تطلق لذاكرتها العتيقة العنان.

من يوم زواجها من صاحب الفندق، منذ أكثر من ثلاثين عاماً وهذه الغرفة مغلقة، حتى زوجها كان يتجنب الحديث عنها، أخبرها مرة بأنه منذ شرائه الفندق عام١٩٤٥، لم تطأ قدماه تلك الغرفة لأن المالك الأصلي حذره منها بإن أرواحاً شريرة تسكنها.

و بسبب ذلك استطاع أن يحصل عليه بثمن بخس.

يومها أمسك بمفتاحها و قذف به البحيرة وغاص في قاعها إلى الأبد.

.....................................

العم فريد

طرق باب الغرفة بهدوئه المعتاد طالباً من السيدة هيام النزول إلى بهو الفندق مؤكداً عليها بأنها أوامر المحقق، حيث طلب منه أن يكون جميع النزلاء في البهو الكبير في تمام الساعة التاسعة.

العم فريد رجل وقور محبوب من قبل كل النزلاء؛ هو كهل طويل القامة عريض المنكبين، أسمر البشرة، عيناه كحيلاتان، لم يفقده التقدم بالعمر شيئاً من وسامته، ذو ثقافة عالية؛ الكل يعرف ولعه بالحضارة الفرعونية ووشم "الجعران" على ظاهر يده خير دليل، حتى عندما كان فتى صغيرا كان ثمة شي غريب فيه، فقد كان يكره المدرسة غير أن حصص التاريخ كانت تستهويه، يعشق حد الثمالة التاريخ القديم، وكل ما فيه من حضارات، كل اسم يسمعه يحاول رده إلى التاريخ وربطه بحضارة ما، وتفسير لمعناه كما يهوى.

 لحسن حظ العم فريد، ولأنه العامل الوحيد في الفندق، فإن عدد النزلاء لم يكن كبيراً.

في نهاية الخريف يبدأ البرد هجماته، والحرارة غالباً ما تصل إلى عدة درجات تحت الصفر فتتجمد أطراف البحيرة التي يطل الفندق عليها تبقى كذلك إلى نهاية الشتاء، والجبال المحيطة تكسوها الثلوج باكراً.

هذا هو السبب الذي يجعل من الفندق ملاذاً فقط لعابر سبيل، انقطعت به السبل لمواصلة طريقه من "خربة التنور" الى "زحلة "..

أنهى العم فريد دعوته للنزلاء، ليذهب إلى المطبخ، مستغلاً ما بقي من الوقت ويتناول وجبته الصباحية التي اعتادها، بدا وكأنه يقول لنفسه لا غنى عن الفطور في هذا النهار الطويل، تناول المكسرات خاصته وضعها في جيبه وشرب فنجان الحليب مسرعاً إلى البهو الواسع للفندق الصغير.

...............................

هرج ومرج

اجتمع النزلاء في البهو الكبير، لتعلو أصوات وتنخفض أخرى.

الجميع يخمن ويتساءل، إلا السيد حسان، بدا صامتاً يتأمل إحدى اللوحات الفنية المعلقة على الجدار .

كان السيد حسان مقيماً دائماً في الفندق منذ عشرين عاماً، بعد أن فقد زوجته وأولاده في انهيار ثلجي قرب الجبال المطلة على الفندق في طريق (ظهر البيدر) صدمة العمر بالنسبة له أن يفقد عائلته هكذا بين يوم وليلة، وخاصة أنه حمّل نفسه وزر ذلك فهو المهووس برحلات الشتاء، ينتظر موسم الثلوج ليخيّم مع عائلته أسبوعاً أو أكثر في واد أو سفح جبل لايهم، مايهمه أن يكون في أحضان الثلوج برفقة أسرته الصغيرة.

يرتبون أمتعتهم، و حاجياتهم في سيارته "لامبورجيني أورس" وينطلقون .

كانت سعادتهم لا توصف، إلى أن وقع الحادث و فرقهم القدر، لكنه بعد شهور من الحادث تصالح مع نفسه، و آثر البقاء قريبا من المكان الذي عاش فيه أحلى أيام حياته ..

أما ماري طباخة الفندق، والتي يلقبها الجميع بالثرثارة،

فقد انشغلتْ بنقل وجهة نظرها للحاضرين حول ما حدث، بعدما توقفت عن النحيب و تماسكت قليلاً.

كانت تهمس لهم بنبرة خائفة: ما ذكرته لها جدتُها عن الأشباح التي يأخذها السبات في الصيف، وتستيقظ من برد الشتاء، لتبحث عن فرائسها من البشر و الحيوانات، فتمتص دماءها بحثاً عن الدفء.

واستشهدتْ بقصة سمعَتها منذ سنوات الطفولة، تدعم تصورها، عن حصان فُقِد من الاسطبل الملحق بالفندق في ليلة ثلجية باردة، وكيف أيقنوا بأن الأرواح اختطفته عندما وجدوا جزءاً من ذيله عالقاً في شق في أرضية الإسطبل.

ظلت تثرثر بعصبية، و رعب، كأن ذكرى الحصان المفقود ماثلة أمام عينيها في تلك اللحظة، حتى طلب منها الجميع أن تصمت.

كان الموجودون في القاعة مشغولين كلياً عن الطفلة يارا، حفيدة العم فريد، التي جلست في ركن تقضم أظافرها، والهلع أضفى على وجهها الأبيض مسحة من شحوب، وبريق عينيها الخضراوين، أطفأته دمعة عالقة.

لم يهتم بها أحد إلا السيد حكمت الذي اقترب منها ومسح بيده على خدها بود، مزيحاً ضفيرتها الشقراء عن كتفها هامساً لها:

- لا تخافي صغيرتي سينتهي كل شيء قريباً.

أمسك يدها الباردة، و أبعدها عن فمها، وقبلها بكل حنان، فنظرت إليه الصغيرة بخوف طالبة منه بعينيها الحائرتين أن لا يبتعد عنها.

وقف المحقق أمام النافذة المفتوحة المطلة على البحيرة، وهواء تشرين الثاني(نوفمبر) يلفح وجهه مثلث الشكل متفرساً بعينيه البنيتين الواسعتين وجوه الحاضرين، وأنفه الطويل قد احمر من شدة البرد، وبحركة سريعة مفاجئة أغلق النافذة وسحب الستارة ليعم البهو بعض الظلام على رحابته، و فتح أزرار سترته السميكة التي يرتديها وخلعها رامياً إياها على كرسي قريب وصاح:

- الكل بات يعلم بأننا وجدنا جثة في" الغرفة رقم سبعة"

ولكن لا أحد يعلم لمن تعود هذه الجثة

عم البهو صمت ممزوج بالخوف والترقب بعد سماع كلماته ليقطعه صوت السيدة هيام :

_ سيدي كيف دخل الشاب الغرفة؟

 وكيف قُتل داخلها؟!

 الغرفة مقفلة و الصدأ يعلو قفلها كما أن العناكب تغطي بابها!

..............................

جثة مقطوعة الأصبع

ابتسم المحقق ابتسامة خفيفة، شابتها حيرة مصطنعة ثم عاد إلى هيئته الصارمة، وتعمد رفع صوته:

- سنعرف كل شيء عندما نعرف هوية الضحية، لكن السؤال المُلِح الآن: لمَ قطع القاتل اصبع الضحية قبل أن يجهز عليه؟!

ذهل الجميع، وبدأ الكل يتمتم أصبع مقطوع ..أصبع مقطوع ..وأعينهم تسمّرت على نقالة خشبية أخذت مكانها في وسط البهو حيث كانت جثة الشاب مسجاة عليها، تضفي على المكان رهبة وبرودا لم تفلح نار الموقد المشتعلة بطرده، البهو مازال كما هو على الطراز العثماني القديم ، طاولة الطعام الكبيرة التي تتسع لأربعة وعشرين شخصاً، تعلو كراسيها المناديل البيضاء المزركشة، أما أطباق الخزف الكوتاهية، والملاعق و الصواني الكريستوفل باهظة الثمن، وكؤوس الاوبلين النادرة، كلها مصفوفة بخزانة زجاجية مقفلة، هي إرث السيدة هيام الثمين من زوجها الراحل، عاود المحقق الكلام بنبرة أهدأ هذه المرة، وهو ينقل نظره من خلف نظارته السميكة بين الجميع :

- الآن أريد منكم أن تتعرفوا على صاحب الجثة، ولنبدأ بالعم فريد.

رفع المحقق الغطاء عن الجثة طالباً من العم فريد التعرف على صاحبها ..

تقدم العم فريد بخطى مسرعة، ولمسة حزن، وألم تغطي وجهه، نظر إليها نظرة خاطفة وأشاح بنظره عنها، ثم قال بضعف:

- لم أره من قبل.

انسحب ببطء إلى مكانه، نادى المحقق السيدة هيام، استجمعت قواها لتنهض من على الأريكة فأسرع إليها المحقق ممسكاً بيدها ليعينها على الوقوف، فقد كان وقع الحادث عليها رهيبا، أنهك جسدها المثقل بالأمراض، شكرته وأثنت عليه لتسرع بخطواتها بعض الشيء نحو الجثة، ولسان حالها يقول ترى من هو؟

تفرست في وجه الشاب،

كان في مقتبل العمر، يبدو وكأنه نائم، شعره أسود ذو لمعة بهية،أنفه صغير مرفوع إلى الأعلى، يرتدي ثيابا باهظة الثمن، لم يغيّب الموت مسحة الجمال عن وجهه ...

- يبدو عليه وكأنه ابن عائلة عريقة؟!

تساءلت السيدة، ثم أردفت:

- إنه لأمر محزن رؤية مثل هذا الشيء...

نافية معرفتها به، لكن المحقق تجاهل تساؤلها، لينادي على السيد أمين، الذي مازال منذ لحظة اكتشاف الجريمة غير متوازناً، أوصاله مازالت ترتعد، جر قدميه نحو الجثة ليتعثر بقدم السيد حسان المسترخي على كرسيه، شارد الذهن، شهق أمين عندما رأى وجه الضحية متأسفاً على شبابه، والألم يعتصر فؤاده نافياً أن يكون قد رآه من قبل، وعاد لمكانه، وهو يلعن ويشتم الذي فعلها بكلمات غير مفهومة.

تقدم حسان بعده، فرفع الغطاء عن الجثة ببرود ولكن عند رؤية وجه الضحية بدا، وكأنه فوجيء قليلا قائلاً:

- كأنه يشبه السيدة التي في اللوحة!

وقعت كلماته كالصاعقة على المحقق! ليدير عينيه الواسعتين نحو اللوحة الكبيرة المعلقة على الجدار المقابل، نعم شبه كبير بينه، وبين تلك الفاتنة المرسومة في اللوحة، ولكنه أسرها في نفسه، و أظهر تجاهله المعلومة، و رمى حسان بنظرة حادة، طالبا منه الانصراف، بعد أن أعرب حسان عن عدم معرفته بصاحب الجثة، ليتجه نحو الصغيرة يارا، حملها بين ذراعيه، وضمها إلى صدره ذاهبا نحو الجثة قائلا لها :

- يارا الجميلة، أريد منك أن تنظري إلى وجه الشاب، وتقولي لي إن كنت قد رأيته من قبل ..

لم تتجرأ الصغيرة على النظر، بل علا صوتُها بالبكاء والصراخ، وبدأت تضرب بكلتا يديها وجه المحقق وتحرك رجليها في الهواء بحركة هستيرية، تريد منه أن يتركها، كأن شيطاناً مسها.

أسرع الجد فريد إلى حفيدته، انتزعها من بين يدي المحقق، وهو يلومه على تعريض طفلة بريئة لهذا الموقف المخيف، و انسحب بها إلى غرفتها ليهدئ من روعها.

.....................................

الخيط الأول

أخفى المحقق عن الحضور وجه الشبه الكبير بين القتيل و سيدة اللوحة، ليبدأ تحقيقا انفراديا مع كل نزلاء الفندق .

بدأ بأكبرهم سناً ؛ العم فريد وقد تملكه الخوف على حفيدته، أرهقه المحقق بأسئلته عن كل صغيرة وكبيرة تخص الفندق ونزلاءه، وبعد أن أدلى بمعلوماته بكل رحابة صدر وتعاون، مؤكدا للمحقق أنه ومنذ زمن بعيد موضع ثقة السيدة هيام، حملته جميع أعباء الفندق لكن حان وقت المغادرة والعودة إلى قريته النبطية فالفندق لم يعد مكاناً مريحاً للصغيرة طالباً الإذن بالسفر.

رفض المحقق طلبه بحزم مطالباً إياه بالبقاء حتى الانتهاء من فك ملابسات الجريمة ..

استدعى المحقق السيدة هيام، وحين سألها عن اللوحة قالت: إنها موجودة منذ زمن بعيد معلقة على جدار البهو كسائر اللوحات، و قد علمت من زوجها أن صاحبة الصورة هي الابنة الوحيدة لمالك الفندق قبل أن يشتريه زوج السيدة هيام، يقال أنها كانت سيدة جميلة

تهوى ركوب الخيل، و تقيم في جناح خاص مع عائلتها

وقد توفيت إثر حادث أليم ، الغرفة رقم سبعة هي جناحها الخاص المقفل منذ ذلك اليوم.

شكرها المحقق على تعاونها طالباً منها المحافظة على رباطة جأشها، وأن تهتم بصحتها أكثر، فقد بدا الإعياء واضحاً على ملامحها..

دخل السيد حسان إلى غرفة المحقق متذمراً ليخبره بأنه بات يتشاءم من هذا المكان، و صورة زوجته وأولاده لم تبرح ذهنه منذ لحظة اكتشاف الجريمة ..

أظهر المحقق تعاطفه معه، وطلب منه أن يهدأ ويجلس ليدلي بمعلوماته عما يخص تلك الغرفة الغريبة،تململ حسان في مكانه قبل أن يقول:

- سيدي المحقق نعم هناك أشياء غريبة ألاحظها في أكثر ليالي الشتاء الباردة: كأضواء الشموع التي يلوح خيالها من شقوق الباب، و ذاك النحيب الذي يسمعه كل من يمر من الممشى، وأصوات أزرار البيانو التي تعزف دائما تلك المعزوفة الحزينة لدقائق، وما أن يبزغ الفجر حتى يعود كل شيء إلى طبيعته ..

تابع السيد حسان مضيفا :

- الجميع هنا ياسيدي قد اعتادوا هذا الوضع ،لكن لا أحد يجرؤ على فتح (الغرفة رقم ٧) أو حتى الاقتراب منها.

أنهى حديثه ليأمره المحقق بالانصراف، وعدم مغادرة الفندق قبل استكمال التحقيق ..

استمع إلى شهادات بقية المقيمين في الفندق لكن لم يتحدث أحدهم بجديد إلا الطباخة ماري، التي أضافت:

أنها شاهدت أضواء الشموع في الغرفة لكنها لم تسمع صوت النحيب أو أزرار البيانو، حاولت أن تشرح له نظريتها حول مسؤولية الأرواح الشريرة عن الحادث لكنه قاطعها طالبا كوبا من الشاي الساخن..

.............................

مسرح الجريمة

في صباح اليوم التالي، دخل المحقق( الغرفة رقم ٧)مع مساعده للمرة الثانية من بعد اكتشاف الجريمة، وإخراج الجثة منها، جال بنظره في أرجائها، كانت غرفة في غاية الفخامة؛ سرير مزدوج بأربعة أعمدة، مظلة أرجوانية فوقه من الحرير اللامع بنقوش زهرة اللوتس، تكسوه ملاءات بيضاء ناصعة نظيفة من قماش التويد الناعم، ووسائد متعددة مختلفة الأشكال والأحجام، لايبدو أثر الزمان عليها، شمعدانات نحاسية متربعة على طاولات رخامية وشمع ذائب على جوانبها أضفت على المكان سحراً ونبلاً من نوع خاص ...

صندوق سمع (فون - غراف) في زاوية الغرفة بجانبه رف تعلوه مجموعة كبيرة من الاسطوانات الموسيقية اقترب منها، وقلبها بين يديه، مبدياً إعجابه الشديد بها فأغلب الإسطوانات سيمفونيات لبيتهوفن تتصدرها " ضوء القمر " الكلاسيكية، ورائعة تشايكوفسكي "بحيرة البجع" أعادها لمكانها وبنفس الترتيب منتقلا إلى الجهة المقابلةحيث توجد مكتبة صغيرة تزينها مجموعة روايات لأشهر أدباء العالم، وكتب عن الحضارات القديمة، البيانو "الغراند" المريب يقبع في منتصف الغرفة، فخامته وغموضه أثارا في نفس المحقق الكثير من الأسئلة ..

ثريا" ماري تيرز " الضخمة تتدلى من السقف يعكس كريستالها أشعة الشمس الخفيفة التي نفذت من خلال الستائر المخرمة التي تحمل نقش زهرة اللوتس نفسه تنسدل من أعلى نوافذ الغرفة وتصل أطرافها على أرضية الغرفة اللامعة ببلاطها ذي المربعات الكبيرة المتداخلة بمثلثات رخامية بلون الورد ...

لكن النوافذ حالها كحال الباب أيضاً، موصدة منذ زمن بعيد لم تفتح بدت له موغلة في الغموض وتحمل أسراراً مثيرة ...

فتح المحقق الخزانة الفخمة ذات الطراز التركي القديم ليجد ثياب سيدة مرتبة بشكل أنيق ،حتى أنه وجد قطعاً من الصابون موضوعة بين الملابس لتحافظ على رائحتها الجميلة.

كل شيء في الغرفة غريب مثير للأسئلة :

 <<بالتأكيد أن سيدة الغرفة كانت سيدة تتمتع بمستوى عال من الذوق والأناقة بالإضافة إلى ثقافة واسعة، إجمالا يعني أنها لم تكن سيدة عادية.. لكن الغرفة مهجورة منذ عقود، ترى هل الأرواح التي تسكنها يهمها النظافة والترتيب!؟>>

وبينما كان المحقق يحدث نفسه انحنى أرضاً والتقط شيئاً من السجادة التبريزية الفخمة، لم يستطع مساعده أن يتبين ماهو، فقد دسه في جيبه مسرعاً.

اقترب من الموقد الكبير في الغرفة ، نظر داخل المدخنة. كانت ضيقة جداً لايستطيع أي كان الدخول إلى الغرفة عن طريقها أو حتى الخروج منها ..

وفسحة صغيرة عند الباب مكشوفة الأرضية حيث وجد الضحية مرمياً غارقاً بدمائه..

ازدادت حيرة المحقق من أين دخل الشاب؟! ...ووجم لحظات ساهماً...

قطع مساعده الصمت معلناً أن الطبيب الشرعي أحضر تقرير الوفاة ..

....................................

التقرير الطبي

أخذ المحقق التقرير الطبي، وفتحه، وبدأ يقرؤه بصوت منخفض:

- الجثة تعود لشاب في بداية العقد الثالث ..

- الوفاة ناجمة عن نزف شرياني، أدى إلى توقف القلب و التنفس، بعد هبوط حاد بالضغط الشرياني، نتيجة لنزف كمية كبيرة من الدم، و لفترة طويلة بسبب بتر

إصبع البنصر من جذره..

- توقيت الوفاة: الثامنة والنصف ليلا" من تاريخ ١١ / ١١ /١٩٧٤ م .

- الدماء الموجودة على أرضية الغرفة تعود للضحية ..

- وجود آثار لعقاقير منومة بنسبة عالية في دم الضحية ..

- عدم وجود أثار عنف، أو تعذيب على جسد الضحية ..

- عدم وجود بصمات في الغرفة، أو على جسد الضحية سوى . . . .

لم يكمل المحقق قراءة التقرير، طواه و وضعه في جيبه، وطلب من مساعده أن يرافقه في جولة حول الفندق . . . خرجا معاً ثم ذهب كلٌ في اتجاه ،تفحصا كل شبر، وكل زواية حول الفندق ..تفحصا الزاوية التي تشغلها الغرفة الغامضة ..لاشيء مريب إطلاقا، دخلا الإسطبل المهجور خلف الفندق، لاشيء يدعو للشك، تحدثا طويلاً بهمس خافت، ثم عادا أدراجهما إلى الداخل ..

كانت السيدة ماري تضع طعام الغذاء على طاولة السفرة المتربعة في آخر البهو، والعم فريد يساعدها في نقل الأطباق ..أسرع المحقق نحو كرسيه على الطاولة مستعجلاً الجميع بالحضور قائلاً:

- رائحة الطعام لاتقاوم ..

بدأ يلتهم طبقه بنهم شديد، أطبق الصمت على الجلسة، و الجالسون يرمقونه بنظرات التعجب، فهو على غير عادته، منذ قدومه يكون آخر من يجلس على المائدة، وأول المغادرين، إلى أن قطع المحقق هذا السكون قائلاً بحماس:

- إن طعم الأرز بالمكسرات، مع طعم حساء الدجاج، ورائحة الخبز الطازج، قد رفعت هرمون السعادة لدي ..

أرفق كلامه بضحكة عالية قطعها ليثني على السيدة ماري بأنها طباخة ماهرة. احمر وجه ماري سروراً وابتسمت إبتسامة عريضة قائلة:

- منذ زمن بعيد لم أسمع إطراء من أحد..

وبدأت تحدثه عن مهارتها في تحضير اللحم، والسمك على الطريقة الفيتنامية، وطريقة تحضير خبز الباغيت الفرنسي، فبادرها قائلاً : إن المكسرات الموضوعة على الأرز فاخرة جداً، متسائلاً من أين تحصل عليها، أجابته بأن العم فريد هو من يتعهد بشراء لوازم الفندق شهرياً يذهب بسيارته إلى المدينة، ويأتي بكل اللوازم ..تركت طعامها، وأسرعت متجهة إلى المطبخ لتأتيه بصحن من المكسرات قائلة:

- إن أحببت سيدي قشرها، وأضف المزيد إلى الأرز ..

أخذ الصحن منها قائلا:

- بكل سرور ..

أخذ حبة بندق قشرها ورمى بقشورها على الأرض والتهمها بتلذذ شديد، ليأخذ قليلاً منها ويضعه في جيب سترته، قبل أن يغادر المائدة قائلاً:

- لم أتذوق ألذ منها، عندما أعود إلى المنزل سأطلب من زوجتي أن تعتمد طريقتك بإعداد الأرز، و الخبز سيدة ماري..

الجميع مازال مستغرباً تصرفات المحقق، غير المسبوقة: هو رجل له هيبته لم يفتح أحاديث جانبية مع أحد منهم، كان دائم الحرص على أن ينظر في عيونهم أثناء الحديث، لكن هذه المرة عيناه أكلتا طبق الأرز قبل فمه، أكمل الجميع طعامهم والحيرة والشكوك تنغص عليهم لذة الطعام ..

.............................

أمين

مضى يومان طويلان على وقوع الجريمة.

لم يتوصل المحقق إلى جديد ..

بدأت الحياة الطبيعية تعود إلى الفندق تدريجياً..عاد العم فريد للاهتمام بنظافة الغرف، والبهو، وكل ما يخص الفندق، فريد لديه هوس بمسح الغبار، وترتيب الغرف والبهو، غير أنه مهمل بتنظيف الأرضيات، السيدة هيام فقدت الأمل بإصلاح طبعه على مر هذه السنوات الطويلة ..هيام تمضي أغلب وقتها في غرفتها، تحاول أن تنتهي من إعداد كنزتها الصوفية، تشغل نفسها بهذا العمل لتقتل ملل، و رتابة الشتاء البارد، و خلال فصلي الربيع والصيف تسلي نفسها بمشاركة العم فريد في ترتيب الحديقة، وزراعة زهور اللوتس الجديدة، التي كان فريد يعشقها حد الثمالة، يراقب نموها، وبراعمها بشوق وشغف، كطفله الصغير ينمو أمام عينيه، وعند انتهاء الموسم، يحتفظ بدرناتها في انتظار العام القادم ليزرعها من جديد..

بدأ جميع من في الفندق يستفيق من صدمة الجريمة ويعود تدريجياً إلى ماكان عليه من قبل. في كل ليلة يجتمع النزلاء في البهو يتحدثون عن فرضية المحقق شبه متفقين: أن أرواحاً شريرة هي من افتعلت الجريمة ولكنهم عندما يتساءلون :

"والشاب من أين دخل؟!"

يطبق الصمت، والذهول على الجميع ..

إلا السيد أمين فقد كان حذراً جداً ، لايتكلم، يستمع فقط منذ لحظة اكتشافه للجريمة وهو ملتزم الصمت ،لايتكلم إلا إذا سئل عن شيء، منظر الدم السائل من تحت باب الغرفة اللعينة إلى الخارج لايفارق مخيلته، عيناه تحدقان في كل شيء، أذناه باتتا تلتقطان حتى الهمس الخفيف، هجر غرفته لينام على كنبة في البهو ليلاً، يفيق مفزوعا من كوابيس لم تعد تفارقه، يتقلب على الأريكة منتظراً بزوغ الفجر، وانبلاج الضوء، ليكون أول من يتناول فطوره، ويبدأ بتقليب المجلات والصحف ، ثم يرتدي معطفه الجوخ الطويل، ويلبس قفازيه السميكين حاملاً روايته التي لم يكمل قراءتها، ثم يخرج إلى حديقة الفندق، ويجلس على كرسي بالقرب من البحيرة المتجمدة بالرغم من البرد القارس.. يجول بنظره هنا وهناك كأنه يبحث عن شيء ما ..

............................

نهاية التحقيق.

في صباح اليوم الرابع لوقوع الجريمة، اجتمع المحقق بنزلاء الفندق بعد تناولهم وجبة الإفطار، كان متجهم الوجه، يطلق من شفتيه صفيراً متقطعاً، يجول بنظره بين الحضور، ممازاد في توترهم وترقبهم، بدا بعدها شارد الذهن، وكأن أمراً خطيرا يشغل تفكيره ... لم يطل الأمر كثيراً حتى فاجأهم بنيّته إغلاق التحقيق و تسجيل القضية ضد مجهول !!

صعق الحضور من الخبر، تساءل السيد حسان :

- والقاتل ياسيدي؟

أجابه المحقق :

- لايوجد قاتل ..

الأرجح، أن الأرواح الشريرة هي من فعلت ذلك: غرفة موصدة الأبواب والنوافذ بإحكام، لاسلطان لأحد عليها إلا تلك الأرواح !! ..

ظهرت علامات الاقتناع على السيدة ماري والسيدة هيام والسيد حكمت، أما العم فريد فقد أخرج من جيبه بعض المكسرات، وبدأ يلتهمها، وينثر القشور على الأرض كعادته التي يمقتها الجميع ، مبدياً ارتياحه للموضوع ، كما طالب المحقق بإعادة إقفال الغرفة حتى لاتنطلق منها الأرواح إلى بقية أرجاء الفندق، كان وقع كلامه مريحاً على الجميع، إلا السيد أمين الذي احتد معترضا قائلاً:

- سيدي ...

وبنبرة تنطوي على قناعة تامة أسكته المحقق، ولم يسمح له بإتمام كلامه ،أما السيد حسان، فظل شارد الذهن كعادته ..

و أسرعت ماري إلى المطبخ، لتحضر المزيد من البخور وتحرقه، وهي تتمتم، لعل تعويذتها تفلح في إعادة تلك الأرواح إلى "الغرفة 7 "هادئة مطمئنة ..

طلب المحقق من الجميع عدم المغادرة، إلى حين وصول طلبه بإقفال التحقيق إلى المديرية العامة في بيروت، وقبوله و توقيعه ..توجه بالسؤال إلى العم فريد، عن الصغيرة يارا، كونه لم يرها منذ ذاك اليوم، حين انتابتها نوبة بكاء، بعدما طلب منها الاقتراب من الجثة، للتعرف على صاحبها ..

طمأنه العم فريد بأنها بخير، لكنها متعبة قليلاً، لذلك لا تخرج من الغرفة ..

توجه المحقق إلى الرف الاخضر، في زاوية الغرفة حيث يوجد الهاتف، أدار القرص، وبدأ يتحدث مع رئيسه، شارحاً له الموقف بحذافيره..

أنهى مكالمته، مخبراً مساعده بأن الأوامر، هي عدم مغادرتهم الفندق، حتى ينظر في القضية، ويتم إقفالها بشكل رسمي ..

انزعج أمين من المحقق وتسرعه، لذلك أصر على أن يكشف ملابسات الجريمة بنفسه، توجه إلى الحديقة وبدأ يلف حول الفندق كالمجنون، ولايدري لما حدسه دائماً يقول له: إن حكمت هو الفاعل ..

حكمت رجل غريب الأطوار غامض، لئيم، في عينيه كره للجميع، إلا الصغيرة يارا، هي الوحيدة التي يكلمها ويلاطفها، يقضي أغلب وقته خارج الفندق، لا أحد يعرف عنه شيئاً، و كثيراً ماكان يعود إلى الفندق مخموراً، يوصله أشخاص غرباء إلى الباب، ويتكفل البعض بحمله إلى غرفته، أو يصعد الدرج مترنحاً، وهو يرعد ويزبد بجُمل الانتقام، ثم يستيقظ ظهرا، ويهبط إلى البهو، ليصلي الجميع بنظرات الكراهية، التي تتطاير كالشرر من عينيه الحمراوين المنتفختين

............................

ليلة باردة

أسرّ أمين في قرارة نفسه أن يراقب حكمت، بالتأكيد سيخرج اليوم من الفندق، بعد أن سمح لهم المحقق بالتجول في "زحلة" ..

خرج أمين عصراً ...باتجاه "خربة النحاسين" ليستأجر عربة من أجل مراقبة حكمت، وتتبع خطواته في المدينة، استقل العربة المستأجرة، وعاد إلى مفترق الطرق الثلاثي بين زحلة وخربة التنور وخربة النحاسين، أخفى عربته جيداً خلف تلّة صغيرة، بانتظار ظهور السيد حكمت، وحدسه يحدثه بأن غريمه سيأتي، وسيذهب خلفه، و يعود بدليل قوي يضعه بين يديّ ذلك المحقق الأحمق...

لم يطل انتظاره طويلاً، ليرى من بعيد قدوم السيارة "الفورد" التي اعتاد حكمت أن يستقلها، تهيأ للانطلاق خلفه، و الحماس يكتنفه بالرغم من برودة الجو الشديدة، وما أن أخذت سيارة حكمت طريقها باتجاه "زحلة"، حتى سار خلفها وعيناه لاتفارقانها لحظة من خلف الزجاج المتعرق.. منذ سنين طويلة لم يقد سيارته بنفسه، عاد به الموقف إلى ذكرياته الأليمة عندما خسر كل شيء، نتيجة مؤامرة دنيئة من أقرب الناس إليه، لتزيد تلك الذكريات إصراره على كشف ملابسات الجريمة الغامضة، كان ذلك بمثابة هدية يهديها لنفسه المترعة بالخسارات والخذلان، نجاح لم يستطع رجل بمنصب فذ كالمحقق أن يحرزه ..قطعت أفكاره سيارة "الفورد" حين توقفت أمام مقهى "الوادي"، هبط منها حكمت برفقة السائق، أسرع أمين لركن سيارته، عدل الوشاح على رقبته مخفياً به النصف السفلي من وجهه، وعيناه مركزتان على حكمت ماشياً خلفه، مقتفيا أثره ، كي لايغيب عنه، دخل حكمت المقهى، وأمين يراقبه من الزجاج الخارجي المطل على الشارع، أصيب أمين بالذهول، عندما رآه يتوجه إلى طاولة تجلس إليها سيدة ستينية، تبدو وكأنها السيدة هيام..

- يا إلهي ماذا يحدث هنا ؟؟ قال محدثاً نفسه.

اقترب أكثر ...أمعن النظر من خلال الزجاج ..نعم إنها هي، كان التوتر والاضطراب باديين. على وجهها، وما أن جلسا، حتى بدأت بينهما مشادة كلامية، حاول حكمت تهدئتها لكنها أخرجت أوراقاً من حقيبتها وطلبت منه أن يوقّع عليها، رفض حكمت وبشدة، وهمّ بترك الطاولة، والخروج من المقهى، لكن عادت السيدة لتخفف من لهجتها الحادة، معيدة الأوراق إلى حقيبتها، ثم سحبت منها ظرفاً وأعطته إياه..

احتسيا الشاي بهدوء ثم انصرفت السيدة .

احتار أمين هل يذهب خلفها، أم يبقى لمراقبة حكمت وفي النهاية آثر البقاء ..

كانت الساعة قد قاربت السابعة مساء، حين اتجه حكمت إلى عربته، غادر والسائق إلى أن توقفا أمام ملهى "بلوندز"، كان هناك عدة أشخاص بانتظاره أمام الباب ..

بعد دقيقة غاب الجميع في ممر إلى الداخل، لحق بهم أمين.

ركن إلى طاولة جانبية بعيدة عن العيون ليراقب ..

جلس الجميع على الطاولة، والنادل يضع عليها مالذ وطاب، وبدأ الصخب ،ماهي إلا ساعة حتى انتقل الجميع الى طاولة أخرى ليلعبوا القمار، أخرج من جيبه ذاك الظرف، ووضعه على الطاولة.

لم يمر وقت طويل حتى خسر حكمت رهانه، وبدأ يكيل الشتائم، وهو يترنح ليسنده أصدقاؤه ويذهبوا

به إلى العربة، أسرع أمين خلفهم واتجه الجميع إلى الفندق، لم يشعر أمين بطول الطريق، أفكاره المتزاحمة فصلته عن الواقع حينها، صعد حكمت إلى غرفته، وهو كالعادة يسب ويشتم، حتى دخل غرفته، ليعم الممشى الهدوء من جديد ..

أغلق أمين باب غرفته، خلع معطفه وقفازاته، وتمدد وهو في حيرة من أمره يسأل نفسه:

- ترى ماالعلاقة التي تربط السيدة هيام بالسيد حكمت، من الواضح للجميع بأنهما لايتحدثان إلى بعضهما في الفندق إلا نادراً !؟..

.....................................

السيدة هيام

قرر أمين ألا يخبر المحقق بما رآه، قبل أن يجمع المزيد من الأدلة، لذلك عزم على الدخول إلى غرفة السيدة هيام صباحاً ،لمعرفة ماهيّة الأوراق التي كانت في حقيبتها، كان متأكداً أنه سيجد في هذه الأوراق، مايربط بين هيام وحكمت، وبأحسن الأحوال سيجد فيها، ما يدين حكمت بجريمة القتل ..نزل باكراً إلى بهو الفندق وجلس متظاهراً بالإعياء، وبألم في بطنه يمنعه من تناول الإفطار ..أسرعت ماري لتزوده بكوب شاي ساخن، قال لها: إنه سيحتسيه في غرفته، لمح السيدة هيام تسير في الممشى، متوجهة إلى البهو لتناول الفطور، اغتنم فرصة خروجها، وانسل إلى غرفتها مسرعاً ، وقف لحظة ليلتقط أنفاسه، فهو لم يدخل من قبل غرفة أحد دون استئذان، وضع كوب الشاي على الطاولة وأمسك بحقيبة السيدة التي كانت مرمية على كرسي جانبي، وأخرج الأوراق منها ...كانت المفاجأة مذهلة !!

- سندات أمانة بمبالغ كبيرة!

أوووه كان حكمت محقّاً حين رفض توقيعها..( حدّث نفسه)

ولكنْ لمَ تعطيه هذه المبالغ؟ وماعلاقتهما بمقتل الشاب؟

فتح درج الطاولة، فوجد مجموعة من الصور القديمة، قلّبها بين يديه، حرّكت الصور ذاكرته، وعادت به إلى ذلك اليوم الذي قرر فيه أن يستقر في هذا الفندق، إثر تعرضه لخسارة أمواله وشركاته وعقاراته في "ريودي جانيرو "نتيجة تآمر شريكه عليه، يومها قرر الاعتزال، والعودة إلى لبنان، بلده الأصلي، وآثر الاستسلام لواقعه الجديد، اختار فندق" ايتوال"البعيد واستقر فيه، وجد في هدوئه وموقعه راحة لنفسه المتعبة، وروحه التي أرهقتها خيانات العالم، عاد ليتأمل الصور بين يديه، هذه السيدة هيام، وهذا زوجها بالتأكيد، وهذا الشاب الصغير حكمت، أخو زوجها، كان شاباً متهوراً، تحكم به طيش الشباب، لكنه كان يحمل بداخله قلباً حنوناً طيباً..

فجأة بدأت معالم وجه أمين تتغير هز كتفيه بحيرة مقطباً جبينه قائلاً:

- يا الله !! كم يشبه السيد حكمت !! الخال على خده الأيسر نفسه، أيعقل أن يكون هو ؟! لكن لم هذا التكتم ؟!..

خرج أمين من الغرفة، مسرعاً

متجهاً إلى غرفته، حمد الله بأن مهمته تكلّلت بالنجاح ولم يره أحد، لكنّ آلاف الأسئلة كانت تدور في ذهنه، عاد من غرفة السيدة هيام، ليدور في حلقة مفرغة، وجذوة توقه لإيجاد دليل في الغرفةانطفأت، لتشتعل جذوة للفتنة في مكان آخر ..

..............................

ذعر

عادت هيام إلى غرفتها، وما أن جلست على كرسيها الهزاز، حتى لمحت كوب الشاي على الطاولة، نظرت إليه بدهشة بالتأكيد هو لايخصها، نهضت مسرعة باتجاهه، لمسته بيدها مايزال دافئا ..تغير لونها، حدثت نفسها:

_ترى من دخل الغرفة؟

أسرعت إلى حقيبتها، أخرجت محتوياتها، تفقدت أوراقها، كل شيء كما تركته، توجهت إلى الخزنة، عندما فتحتها تأكدت بأن أحداً لم يلمسها، مما زاد في حيرتها وخوفها..

- إذاً من دخل الغرفة ولماذا ؟؟(قالت بصوت مرتفع )

وبدأت الافكار تتزاحم في رأسها، بالتاكيد حكمت

لكن حكمت كان يجلس في البهو كعادته، وتركته وصعدت لغرفتها وحسان كان موجوداً وماري أيضا والمحقق ومساعده ..إذاً الذي دخل الغرفة هو أمين أو فريد ولكن لماذا أمين ؟أمين رجل طيب القلب رقيق المشاعر يتجنب المشاكل .. بالتأكيد من دخل هو فريد، لكن لماذا العم فريد رجل مخلص، منذ وفاة زوجها وهو يدير لها الفندق، ويهتم به بدون مقابل سوى بقائه والصغيرة فيه..

عادت لتحدث نفسها بهمس:

- هل يعقل بأن فريد علم بأمر عودة حكمت؟؟ وسينتقم منه؟؟

لكن حكمت عندما عاد أنا نفسي لم أعرفه، لولا أن عرفني بنفسه، حكمت تغير شكله كثيراً، أنهكه المرض و أفقده شعره حتى أن تلك البقع الداكنة على وجهه وجسمه قد غيرت مظهره، لم يعد ذاك الشاب الاشقر الوسيم الذي يعرفه فريد ..

ارتبكت السيدة واحتارت في أمرها ،هل تصارح حكمت بشكوكها أم تنتظر ..لكن خوفها من انتقام فريد جعلها تأخذ قرارها بالإسراع في إخبار حكمت...غادرت الغرفة مسرعة إلى البهو حيث يجلس حكمت غارقاً في تفكيره ، ولحسن حظها، كان الجميع قد غادر البهو، همست في أذنه بما حصل، دبّ الذعر في أوصاله عندما عرف بالخبر، أدرك أنه ميت لا محالة ،أو أنه الأمر سينتهي بأن يقتل فريداً دفاعا عن النفس

ومما زاد الموقف ارباكا دخول يارا الصغيرة إلى البهو تسأل عن جدها، سارع إليها حكمت، وما أن لمسها حتى انهار فلم يعد جسمه الضعيف قادراً على متابعة الوقوف، ولأول مرة أخذها بين ذراعيه، وجلس على أرض البهو، ضمّها بحنان إلى صدره وقبلها بجنون قبلات على رأسها ووجهها ويديها وقدميها ، وأجهش بالبكاء، خافت الصغيرة، وأرادت الابتعاد ولكنه تمسك بها بقوة، وصاح:

- لن أفرط فيك كما فرطت بأمك من قبل ..

دخل حسان على صوت الجلبة والبكاء ، وركضت ماري لتستطلع الامر، أما السيدة هيام فقد خارت قواها ورمت بنفسها على أقرب كرسي.

لم يكف حكمت عن الهذيان والصراخ كالمجنون حتى توافد الجميع الى البهو، ونظرات التساؤل تتناوب على وجوه الجميع ترى من هذا؟

ماالذي حدث، وما علاقته بالصغيرة هو غريب ،كان آخر الوافدين إلى الفندق منذ أقل من سنة، وفجأة دخل فريد مسرعاً قادماً من الخارج، راعه منظر حفيدته، وحكمت ممسك بها، ويبكي ويتلفظ بكلمات لم يفهمها، ولكن لم يلبث سوى ثوان قليلة ليصعق من هول المفاجأة، فصوت حكمت قدسمعه من قبل عاد به الصوت إلى سنوات بعيدة انقضت ،تفرس في وجهه، تطاير الشرر من عينيه، لينقض بكل ما أوتي من قوة و يلكمه بقوة على وجهه مزمجرا :

- كيف تجرأت على العودة؟؟

أسرع المحقق ومساعده إلى الإمساك به، وإبعاده عن حكمت، وإجلاسه على أريكة قريبة سادت أصوات متداخلة متسائلة ؛ جلس المحقق إلى جانب حكمت ، ثم بلهجة حادة، وجه حديثه للحاضرين:

- بصفة رسمية، أطلب من الجميع الهدوء .. أريد معرفة مالذي يجري هنا؟

ومن ثم رفع صوته موجهاً كلامه إلى حكمت:

- تكلم ياسيد حكمت.

تلعثم حكمت، وبدت عليه آثار الضعف، والمرض أكثر من ذي قبل، تنهد طويلا مستجمعاً قواه، وهو يمسح الدم عن شفته ليقول:

- القصة قديمة ياسيدي، منذ سنوات طويلة أخطأت يومها خطأ فادحاً ..

أحببت زوجة فريد رغم أنها كانت أكبر سناً مني.. كانت دائماً تشكو لي وتحدثني عن إهمال فريد و هجره لها، وعلاقته المشينة بإحداهن، ومدى عذابها وتوقها لمعرفتها، كانت تقرأ رسائله الغرامية التي أخفاها في صندوق نحاسي ..

ومن شدة حزني عليها، وتعاطفي معها، وقعت في حبها، وتوطدت العلاقة بيننا.

كانت عازمة على ترك زوجها بجميع الأحوال، وجاء ذاك اليوم الذي أخبرتني فيه بأنها حامل ..

صمت حكمت، ليعاود مسح الدم بمنديل ناوله إياه المحقق، طالباً منه أن يتم حديثه، استرسل حكمت بحرقة زائدة وحزن:

- يومها كنت وغداً معها، لم أقدّر الأمور جيداً، وأخذت قراري بالرحيل، لم أجرؤ على إخبار أحد سوى زوجة أخي، تركت لها رسالة، معترفا بفعلتي، ورحلت، بعد سنة علمت بوفاة أخي، تواصلت مع هيام، فأشارت علي بأن أبقى بعيداً ثم أخبرتني، بأن الأمور ساءت جداً بين فريد وزوجته، وأنها أنجبت بنتاً، لكنها توفيت بعد أسابيع من ولادتها للصغيرة إثر حمى أصابتها، وشكوكها القوية بأن فريداً على دراية بفعلة زوجته، حينها آثرت أن أبقى بعيداً، لم أشعر بأي شعور تجاه الطفلة التي هي حكماً ابنتي، فخوفي من فريد والفضيحة ألجمني وعشت سنيناً طويلة، و زوجة أخي تنفق عليّ من نصيبي الكبير من التركة ، حتى أخبرتني يوما بأن حصتي من ميراث أخي قد نفدت..

تنهد حكمت بحرقة وقال :

- لم أجد بداً من العودة، فأقمت في الفندق، كنزيل غريب،تكتمت هيام على سرّي، ولكنها بدأت تحاسبني وتضيق عليّ لأبتعد مجدداً، وأبحث عن عمل في بيروت.

لم تعد تقبل إقراضي أي مال، بلا سندات أمانة.

سيدي المحقق هذه قصتي وهذه الطفلة هي بحق حفيدتي ( ابنة ابنتي )رحمها الله .."

ذهل الجميع إلا أمين، سمع ماكان يريد سماعه، وما أن شعر ببعض الارتياح، حتى عاودته الحيرة من جديد متسائلاً بسره :

- ولكن ماعلاقة كل هذا بجريمة" الغرفة رقم ٧ "؟؟

....................

هدوء حذر

ساد البهو صمت مهيب، بعد اعترافات حكمت ..انسحب فريد بهدوء، بدون أن ينبس ببنت شفة، وملامح وجهه لم يستطع أحد تفسيرها.

قبل اعتراف حكمت، كان كالثور الهائج ماالذي تغير حتى آثر التروي، والانسحاب.

لماذا عدل عن موقفه بهذه البساطة؟ سؤال دار في أذهان الجميع لم يجد له أحد جواباً مناسبا ،حتى حكمت نفسه استغرب ذلك.

ترى هل انقضى الأمر وسيقف عند هذا الحد ؟!

ومما زاد الأمر غرابة ،أن الصغيرة يارا لم تركض خلف جدها، بل آثرت البقاء بجانب حكمت، تلتصق به بين الفينة والأخرى، مستغربا الجميع ذلك، فالجد فريد لم يكن يوماً قاسياً عليها، بل على العكس تماماً، كان يرعاها ويعوضها الحنان الذي افتقدته منذ كان عمرها بضعة شهور ..كان حادثاً أليماً تعرضت له الأسرة أثناء عودتهم من بيروت، نجت الصغيرة يارا منه بأعجوبة.. يومها، كاد العم فريد أن يفقد عقله لمصير الطفلة اليتيمة، وجد نفسه من جديد أباً وأماً لرضيعة كما كان لوالدتها.. فقده لزوجته بعد ولادتها بأقل من شهر واجهه بكل قوة وجبروت، احتضن يومها ابنته وتابع حياته في الفندق، لم يفكر بالزواج حينها

بسبب إحباطه من تجربته السابقة.

انسحب حسان أيضا إلى غرفته، واقترب أمين من السيدة هيام، عارضا المساعدة، مد يده و طلب منها أن تتكئ عليها.

أجابته بنظرة شكر، والتعب باد على وجهها:

- بكل سرور..

أوصلها أمين إلى غرفتها وهمّ بالانصراف، لكنها طلبت منه الجلوس ليتحدثا ..

جلس أمين على الأريكة فكّر قليلاً ثم قال :

- أشعر وكأني غريب في هذا الفندق، وأنا الذي قضيت جلّ عمري فيه ..كيف حدث كل هذا، دون علمي "

أجابته هيام، وهي تعدل جلستها على الأريكة:

- لم أكن أتوقع أن يأتي هذا اليوم، و تنكشف القصة بهذه البساطة.

لطالما حرصت على إخفائها.

استرسل أمين متسائلاً:

- مالذي يحدث هنا، أيعقل أن تنقلب الموازين بين ليلة وضحاها، كان الفندق مضرب المثل بالهدوء والأمان .

شرحت له هيام، كيف تحملت الأمرّين من طيش حكمت، في سبيل المحافظة على الفندق وسمعته، وأعربت عن عميق حزنها، و أسفها على عمره الذي دمره بنزواته و عدم اكتراثه،وعن ندمها الشديد للسكوت عن فعلته والتستر عليه ..

همَّ أمين بالمغادرة معرباً عن أسفه، وخوفه من القادم غير أن السيدة هيام طلبت منه المكوث، فهناك ما ستقوله ..

.....................................

الأرواح الشريرة

خرج أمين من غرفة السيدة هيام، حزيناً عليها، بعد أن كشفت له عن مخاوفها مماتحمله لها الأيام القادمة، وأبلغته عن عزمها على بيع الفندق، والانتقال إلى بيروت للسكن في منزل أهلها القديم، فهي لم تعد قادرة على إدارته وتحمّل أعبائه، خاصة بعد مقتل الشاب و انفضاح أمر حكمت ..

دخل أمين غرفته، ومشاعر الحزن تتملكه على هيام، و ضعفها وحزنها . . .

هذه المرة الأولى التي يرى فيها هذه السيدة القوية، بقمة الضعف والضياع.. شعر أمين بضيق كبير فالدائرة تضيق من حوله، أفكاره مشتته. عملياً، لم يتقدم في الحصول على أيّة معلومة ليمسك طرف الخيط، ليصل إلى القاتل الطليق، شكّه بحكمت ذهب أدراج الرياح، فحكمت أصبح خارج دائرة شبهاته، كما أن هذا المحقق الفاشل، لم ولن يقنعه بنظريةالأرواح الشريرة، بالتأكيد هناك يد خفية في الفندق، تتحكم بأفكار وعواطف الجميع، وتوجههم بحيلة ما نحو الأساطير والخزعبلات، تمدد على سريره وأغمض عينيه ،محاولاً الاسترخاء، لكن تفكيره بأن هناك قاتل، يقيم معه في نفس المكان، نغّص عليه استراحته، جعله يرتعد، وينتفض، مغادراً الغرفة، تقوده قدماه إلى البهو ..

حيث صادف فريد في الممشى ، والارتباك والخوف باديان على وجهه، يسأل عن الصغيرة يارا.

قال مرتجفاً:

- عدت إلى البهو، لأرافقها إلى غرفتها، ولم أجدها !!

دبّ الفزع من جديد، بين النزلاء، ترى أين اختفت الصغيرة، وممازاد الأمر سوءاً ، أن الليل سيخيم ببرده ووحشته بعد ساعات قليلة، فقد فريد تحكّمه بأعصابه وبدأ يكيل الاتهامات ويصيح :

- حكمت اختطف الصغيرة

نعم، أقسم لكم جميعاً، نعم، هو أخذ يارا وغادر..

سأقتله.

نعم، سأقتله..

حينها سارعت ماري إلى القول: إن حكمت خرج من الفندق منذ وقت طويل، مغادرا إلى المدينة وحده كعادته ، و الصغيرة دخلت المطبخ، وطلبت الحساء، ووعدتها ماري به، على أن تنتظرها في البهو، وبعد انتهائها من تسخينه أحضرته لها، لكنها لم تجدها، وكل ظنها بأنها عادت إلى غرفتها ..

دخل المحقق الصالة، وعلى وجهه علامات عدم الارتياح والتوتر، استفسر عن سبب الصخب والصراخ، شرح له فريد الأمر ومخاوفه على الصغيرة، هدّأ المحقق من روعه، وطلب من الجميع التزام الهدوء، وأنه سيبحث عن الصغيرة بنفسه، أصغى الجميع باحترام إلى أوامر المحقق، لكن مرة ثانية، سيطرت على أمين مخاوف بأن هناك من يتلاعب بهم، لكن ماعلاقة اختفاء طفلة صغيرة بكل مايحدث..

مضت ليلة كاملة على اختفاء يارا ، الكل بحث عنها، رغم أوامر المحقق بالتزام الهدوء، وترك مهمة البحث له ولمساعده ، حتى أن أمين وسّع دائرة بحثه خارج الفندق، تفقّد حواف البحيرة القريبة، شيء ما داخله جعله يفعل ذلك، عادت به الذاكرة إلى سنوات خلت، حين قصّ له أحدهم حكاية: عن سيدةٍ غرقت في البحيرة، عندما انزلقت، وانكسر الجليد تحت ثقل جسدها لتبتلعها البحيرة.

دام البحث عنها لساعات طويلة، ثم وجدوا جثتها في قعر البحيرة !!

عاد أمين متعباً إلى الفندق، ولاشيء يدل على غرق الفتاة.

، مضت ليلة طويلة ثقيلة على جميع النزلاء، فريد لم ينم ليلتها، مترقبا الصباح، وهو على يقين بأنه سيحمل له من السوء الشيئ الكثير..

صباحاً، طلب المحقق من الجميع انتظاره في البهو، إلى حين رجوعه من المدينة، سيعود حاملاً لهم أخباراً هامّة..

اجتمعوا، و الترقب والحذر يسودان الجلسة، صمتٌ قاتل أطبق على البهو، الجميع متوجس خائف، و يترقب الأسوأ، لا يقطع هيبة الصمت،إلا صوت دقات الساعة المعلقة على الحائط، لم يمض وقت طويل حتى تناهى إلى سمعهم صوت محرك عربة المحقق، يهدر مقترباً من الفندق، نظر حسان من النافذة، ليراه و قد أوقف العربة على بعد أمتار قليلة من الباب في نهاية الجسر المار فوق البحيرة، مغلقاً بها مدخل الجسر، وينزل منها !!

استغرب حسان تصرف المحقق، غير أنه لم يبال كثيرا.. فقط أكد لهم وصوله، لكن انتظارهم طال، والعربة لم تتحرك، والمحقق لم يظهر .

سارع حسان برفقة أمين ومساعد المحقق ليتبينوا الأمر ..وضع مريب، المحقق لا أثر له، كيف اختفى من أمام أعينهم فجأة؟ لا أحد يدري، لم يستطع المساعد تفسير الأمر، لكنه لم يجد بُدّاً من مطالبتهم بالعودة إلى الداخل، لم يستطيع أحد الجلوس، فالوضع بات لايحتمل، اختفاء يارا ومن ثم المحقق، بالتأكيد هي الأرواح تنتقم، هذا كان تفسير ماري الطبّاخة لتطور الأحداث، لذلك أسرعت إلى إحراق البخور، والخوف والرعب عقدا لسانها الذي لايسكت، والدموع تغطي وجهها، تدور في أرجاء البهو تارة تتمتم، وتارة أخرى ترجو هيام أن تسمح لها بمغادرة هذا المكان اللعين ..

بينما التزم الجميع الصمت، حتى العم فريد المسكين خارت قواه، ولم يعد يقوى على الوقوف الطويل .. لم يطل بهم الوقت، حتى قطع صمتهم صوت مرعب قادم من( الغرفة رقم ٧ )!!

إنه صوت البيانو، دهشة وذعر ألمّا بالجميع .. هستيريا عمّت المكان أجّجها صراخ ماري وهذيانها، ركض الجميع نحو باب الفندق للمغادرة والهرب، لكنهم فوجئوا بأنه مقفل، إلا العم فريد لم يغادر كرسيه، فكان الإعياء والتعب واضحين عليه، عيناه مشوشتان، يبدو وكأنه ينظر إلى فراغ لا متناه، فجأة توقف صوت البيانو وماهي إلا دقيقة أو أكثر، حتى ظهر المحقق ممسكاً بيد الصغيرة يارا، قادماً من آخر الردهة باتجاههم، انعقدت الألسنة، حدقت به العيون، نعم، إنه هو ،والصغيرة التي معه يارا، كيف اختفى على الجسر قبل وصوله إلى باب الفندق بأكثر من عشرين متراً وظهر بهذا الشكل المرعب داخل الفندق، ينزل الدرج إلى البهو برفقة الصغيرة؟ وكأنه جنّي، كان متخفياً وظهر !!

................................

بداية النهاية

طلب المحقق من الجميع الهدوء، وإعطائه الفرصة ليشرح لهم كل شيء، ويضع النقاط على الحروف على حد قوله ..

رمق فريد بنظرة حادّة قائلا :

- سيد فريد هل لديك ماتقوله أم أبدأ كلامي ؟

زاد تعب فريد وذهوله، حبات عرق سالت على وجنتيه، صوت تصاعد أنفاسه، سمعه الجميع، الكل مستغرب، لماذا خصّه المحقق بالسؤال دون غيره؟ استرسل المحقق متابعاً:

- سأقول لكم كيف دخل الشاب الغرفة !!

بهت الجميع ..

السيدة هيام كانت أول المتسائلين، لم تستطيع على غير عادتها أن لاتهتم ..

عدل المحقق من جلسته ناقلا نظره بين الجميع :

- القاتل كان يدخل الغرفة من مدخل سري، على الجسر يصل الغرفة عبر سرداب، يصله بالغرفة باب مخفي خلف المكتبة!!

الدهشة كانت سيدة الموقف، جحظت عينا أمين المدرك وجود من يتلاعب بهم باسم الأرواح الشريرة، لكن لم يدُر في ذهنه أبدا هذا السيناريو الغريب ..

أتمّ المحقق كلامه:

- يارا الصغيرة ،هي من قابلت الشاب عند قدومه إلى الفندق لأول مرة ..

ليأتي السيد فريد ويتحدث معه ..

قطع المحقق كلامه متجهاً نحو فريد وصاح:

- ستكمل لنا القصة !!

تلعثم فريد، المتصبب عرقاً لكن، لم يبق بدّ من الكلام فمن الواضح أن المحقق قد تمكن منه، والصغيرة قد قالت له ماعندها ...

بالتأكيد، فالمحقق أحكم الطوق حول رقبته، ولم يعد هناك سبيل للنجاة ..

استجمع فريد قواه وبصوت ضعيف قال:

- أقسم لم يكن في نيتي قتله ..

عجّل عليه المحقق قائلاً بنبرة حادة:

- أريد القصة من بدايتها ..

وتقدم نحوه، ليخرج من كيس يحمله بيده، صندوقاً نحاسياً، ذهبي اللون، فتحه وأخرج منه أوراقاً تبدو وكأنها رسائل ملفوفة بعناية بشريطة حمراء داكنة، شهق فريد، وهو يتناول الرسائل من يد المحقق، غار صوته عميقاً، استجمع مابقي عنده من قوة ليبدأ بسرد اعترافاته قائلاً:

- كانت السيدة ثريا سيدة هذا المكان، من يوم قدومي إلى هنا للعمل، وقع حبها في قلبي.. أخفيت مشاعري عنها وعن الجميع .

كيف، وهي امرأة متزوجة وأنا أيضاً..

مضت الأيام ثقلية حينها، إلى أن أتى الربيع، وبدأتُ بترتيب الحديقة، وإعدادها لزرع درنات اللوتس التي أحضرتها معي.. يومها للمرة الأولى أعربت عن سعادتها بالعمل معي ..بيديها الناعمتين تعد أصص النباتات تملؤها بالتراب والماء، بخبرة منقطعة النظير.. كانت صدفة جميلة أن جمعنا حبّنا للوتس، نراقب النباتات سوية، ننتظر ظهور البراعم بفارغ الصبر، كنا خلالها نتجاذب أطراف الحديث، حكت لي الكثير عن نفسها، مغرمة بالموسيقى وبالطبيعة وركوب الخيل .

كانت امرأة استثنائية بدون منازع، وبعد أيام وعند رؤيتنا لأول برعم، كانت فرحتها لاتوصف.

يومها، بدت كطفلة شقّية، فرحت بلعبة جديدة بعد طول حرمان ..فجأة، سألتني عن الوشم الذي على يدي ..

قلت لها:

- هو تميمتي التي تقيني من الشر ..

ضحكتْ يومها لتقول:

- الجعران لديه قوة عظيمة لحماية القلب كما أنه ...

سكتت ولم تكمل ..

نظرتْ في عيني نظرة لمست فيها رغبة مكبوتة داخلها، نظرة اختصرت كلاما لم أرتبه ولم يخطر في بالي يوماً أن أقوله لها ..نظرة أشعلت جذوة الحب الكامنة في قلبي.. وبينما أنا في ذهولي تركتني، وانصرفت على عجل وكأنها تريد الهروب ..

عدت لمتابعة عملي منتشيا.

نعم،يكفيني منها تلك النظرة ..بعد تلك الحادثة لم تخرج إلى الحديقة أبداً ..حتى داخل الفندق لم أكن أراها، كانت تقضي جلّ وقتها في غرفتها.

عندما كنت أسمع صوت البيانو قادماً من غرفتها، كان قلبي يرقص فرحا، و أطمئن أنها بخير ..

هكذا، إلى أن بدأت زهورنا بالتفتح، صادفتها يومها في البهو ونقلت لها الخبر ..أسرعت إلى الخارج باتجاه الأصص، ومرة ثانية تملكتها فرحة عارمة، حينها، وفجأة وبدون مقدمات، طبعت على يدها الدافئة قبلة اختلجت لها قسمات وجهها الجميل ..وبدأت قصة حبنا نتقابل في الخفاء ..لا أنسى يوم وضعت في أصبعي خاتماً ذهبياً ذو حجر زمردي اللون منحوت عليه تميمتي التي جمعتنا سوية، طلبت مني حينها ألا أخلعة وألا أفرط فيه فهو الحامي لحبنا ..

و ذات ليلة، تجرأت و تسللت إلى غرفتها، كان السيد يومها في بيروت لمدة ثلاثة أيام، ينهي بعض الأعمال..بينما أنا في غرفتها، طرقت الخادمة باب الغرفة لتخبرها بأنها أحضرت لها الصغير،استيقظ وحرارته مرتفعة، خفت حينها، لامجال للاختباء والصغير سيرقد معها في نفس المكان، بدا التوتر عليّ لكنها أسرعت لتهدئتي، واتجهت نحو المكتبة لتزيحها وتطلب مني المكوث وراءها ..كان هذا أول علمي بالسرداب ..لم يطل انتظاري حتى عادت، وفتحت الباب مرة اخرى.

كان الطفل مستغرقا في النوم، طلبت مني المغادرة والتكتم على سر الباب، فهو أحد أسرار ومتاهات الفندق التي أعلمها إياها والدها قبل وفاته، فهو لايصلح للاستعمال إلا في الشتاء أما صيفاً فتغمره مياه البحيرة عندما يرتفع منسوبها ..

انقضى الصيف بروعته وصفائه، وبدأ الخريف بالقدوم وبينما كنت أجمع درنات اللوتس من الحديقة لأخبئها للموسم التالي.. رأيتها قادمة نحوي كان وجهها شاحباً، عيناها منطفئتين، تجر قدميها جرّاً، تسمرتُ مكاني، بالتأكيد هناك أمر ما، وما أن وصلت حتى بادرتني:

- فريد أريد أن أرحل عن هنا..

أجبتها دون تفكير:

- نعم، يجب ان نرحل لمكان بعيد ..

قاطعتني باكية:

- لا ..

قررت السفر إلى باريس أنا وأسرتي، وترك الفندق لمتعهد ..

فريد أنا لست لك ..

وقع كلامها كالصاعقة، مالذي حدث بين ليلة وأخرى ..

أدارت ظهرها، وعادت أدراجها إلى الداخل ..

عدلت عن اللحاق بها..

بالتأكيد هناك سوء أصابها سأتحدث إليها لاحقاً، وأزيله وتعود المياه إلى مجاريها ..

ليلتها، كان السيد مشغولاً بحسابات الفندق، عادته نهاية كل شهر ..

ستاخذ منه الوقت الكثير إلى مابعد منتصف الليل ..

تسللت خارج الفندق، ومن خلال الجسر توجهت إلى غرفتها ، عندما أزحت الباب، ودخلت ابتسمت بحزن قائلة:

- كنت أنتظرك ..

فريد عليك أن تنساني، أنا أتعذب ..

كنت أسمعها ولا أعي ماتقول إلى أن طلبت مني أن أعيد لها الخاتم والرسائل ..

لم أنبس ببنت شفة أمام إصرارها على مغادرتي، و إعادة الرسائل إليها.

غبت عنها أقل من نصف ساعة، أعطيتها الرسائل حملتها بيدها، قبلتها، ولفتها بشريطة حمراء ووضعتها بصندوق نحاسي أخفته تحت السرير ..

كنت أراقبها وسؤال لايبارح نفسي:

ترى ما الذي حدث ماالذي غيرها ؟!

اتجهتْ نحوي وطلبت الخاتم ..خلعته من يدي، وناولته إياها ..شعرت حينها، كأن روحي خرجت من أصبعي ولكني كنت أجاريها، وأنا متاكد بأن كل هذه الغمة ستنجلي ريثما تهدأ و تحكي لي مالذي غيرها ..

جلستْ أمام البيانو وعزفت معزوفتها الأثيرة، وضوء الشموع يتراقص، لم أكن أدري بأنها كانت ليلة الوداع ..خرجتُ من غرفتها، منكسرا أتلمس موضع الخاتم خائر القوى فاقد العزيمة .. هي تعرف مدى حبي لها لم تكن تعرف بأن الحياة هي، وبدونها موت سقيم .. ليلتها لم أنم ..

في الصباح وبعد الفطور ناداني السيد، وقال: إن هناك ظروف استجدت، و إنه سيترك الفندق هو وأسرته طالبا مني أن أهتم بشؤون الفندق ريثما يوفق في إيجاد متعهد جيد يديره ..

وقع الخبر كالصاعقة، حاولت أن أفهم منه السبب لكنه اكتفى بتهدئتي بقوله:

- مرحلة مؤقتة ..قد تطول سنة ونعود.

تركني منصرفاً إلى الخادمة طالبا منها الذهاب إلى السيدة لتوضيب الحقائب ..

حينها أدركت حقيقة الموقف ..

خرجت إلى الحديقة، جن جنوني، حطمت أصص اللوتس الفارغة، نثرت البصيلات على الأرض، دستُها بقدمي وأنا أصيح لماذا ..لماذا ؟؟

لكن، لم يكن هناك جواب يريح قلبي المرهق ..بكيت بحرقة، حينها، لم يشعر بي أحد ..

بعد الظهر لمحتها ..نعم، كانت هي اتجهت نحو البحيرة ترتدي معطف فراء .. وترتدي قبعة صوفية، تدلت من تحتها خصلة من شعرها الأشقرالذهبي، يا إلهي!

أيعقل بأنها ستغادر الآن؟

أسرعت نحوها ..

رجفَ صوت فريد وبحرقة تابع:

- ما أن وصلتُ إليها، حتى صاحت:

- فريد، ارجع قلت لك: كل شيء انتهى ..

عادت للوراء تعثرتْ بحجر، وانزلقتْ لتقع على جليد البحيرة ..تسمرتُ مكاني..أغمضت عيني عنها، اختلط في أذني صوت استغاثتها مع صوت الجليد المتكسر لكن حينها لم أعد أعي سوى كلماتها " كل شيء انتهى"

نعم، تركت كل شيء ينتهي .. لكن لا كما تريد هي..

آثرت أن يفرقنا الموت على أن يفرقنا أيّ شيء آخر ..

غابت ملكتي تحت الجليد ..

انتابت فريد موجة بكاء ..

لم ينبس أحد بكلمة ..فالموقف لايحسد عليه ..هناك من يرمقه بنظرات الشفقة، ومنهم من يرميه بنظرات خوف وجزع، ولسان حالهم، يقول: أيعقل أن يكون هذا الماثل أمامنا هو نفسه العم فريد ..تقدم نحوه المحقق بكاس ماء ناوله، إياه وما أن شرب حتى طلب منه المتابعة..

تنهد مكملاً:

- عدت إلى غرفتي حينها،وكأن شيئا لم يكن ، وماهي ساعات، حتى أتت زوجتي تخبرني بأن السيد افتقد زوجته ولم يجدها.

تظاهرت بعدم الاهتمام، وبعد دقائق زاد القلق والتوتر في الفندق خرج الجميع للبحث عن السيدة ؛و الحقائب مرصوفة بجانب السيارة ..

أبلغ زوجها الشرطة حين فقد الامل بإيجادها ..وبعد بحث طويل لعدة ساعات، وجدوا جثتها غارقة في قعر البحيرة ..

انهمرت عيناه بالدموع، وأجهش بالبكاء

صمت فريد ليخيم الهدوء على البهو، فالكل منصت مستغرب، ليطلب منه المحقق المتابعة.. أكمل فريد قصته:

- ليلتها خرجت من الفندق، و توجهت إلى غرفتها عبر الدهليز، مستغلا انشغال الجميع بالتحضير لمراسم الدفن والعزاء ..

دخلت الغرفة، وأسرعت لقفل الباب المطل على الممشى ..أدرت المفتاح وتركته مكانه،

كنت أعي ما أفعل، فهذه الغرفة هي عزائي الوحيد أشعلت الشمع، و عزفت معزوفتها الأثيرة بكيتُها تلك الليلة حتى طلوع الضوء ..

صباحا،ً وأثناء وجودي في البهو تقدم نحوي السيد يسالني:

- هل لاحظت الليلة شيئاً مريباً في الفندق ؟؟

أجبته:

- مثل ماذا ياسيدي ؟

قال بحيرة ممزوجة بالخوف:

- بعد منتصف الليل، صعدت إلى غرفة ثريا، وجدتها مقفلة من الداخل ..الشموع مضاءة في الداخل وصوت نحيب داخلها وصوت البيانو أفزعني ..

تحينت الفرصة وقلت له:

- قد تكون أرواحا سكنت الغرفة بعد رحيل السيدة ..

كانت وقع كلماتي مرعبا على السيد نظرة خوف

شاهدتها في عينيه ومن ثم أومأ السيد برأسه موافقاً وانصرف ..

لم تكد تمضي أيام العزاء، حتى طلب مني السيد إيجاد مشتري للفندق ..

عشت السنين الماضية بهدوء مع روح حبيبتي في (الغرفة رقم ٧)، إلى أن أتى ذلك اليوم المشؤم ..يوم أتى حفيدها إلى هنا ..

.............................................

النهاية

تابع فريد بحرقة:

- كانت يارا تلعب بالخارج، على الرغم من برودة الطقس ..نظرتُ إليها من نافذة البهو، رأيتها تتحدث إلى شاب غريب، أسرعت نحوهما، وقبل أن يعرّفني بنفسه انقبض قلبي.

ملامحه أوقدت ذاكرتي وقلبي معاً ..يا لسخرية القدر ..

عرفت منه: أنه حفيد المالك القديم ..

وأنه قدِم من خربة النحاسين، مشياً بعد أن خطر بباله أن يأتي، و يطل على الفندق الذي حدثه عنه والده، على أن يقيم فيه يوماً أو أكثر لحين موعد عودته إلى باريس حيث يقيم وأهله ..

كانت رؤيتي لخاتمي الذهبي صادمة، تأكدت بأنه هو نفسه، وكيف أتوه عنه و " الجعران " هديتها لي ..

مس من الجنون أصابني، يجب أن أعيده كان يوما أسود حين فرطت فيه ..تزاحمت الأفكار في رأسي .. طلبت من يارا الانصراف، لا أدري ماذا أصابني حينها .. أقسم، لم أكن أريد قتله، كل ماكنت أريده، هواستعادة الخاتم لا غير..طلبت منه الجلوس على المقعد في الحديقة ..أخذتُ يارا إلى الداخل، وطلبت من ماري إعداد كوب من الشاي، أوهمتها بأن الشاي لي حتى لا أثير شكوكها بوجود زائر ما .. أسرعتُ بالتسلل إلى غرفة السيدة هيام، و أخذت بعض الأقراص المنوّمة من زجاجة تحتفظ بها بجانب السرير، عدت إلى ماري أخذت الشاي منها، وخلسة أضفتُ الحبوب إليه

قدمت الشاي الساخن للشاب، وبدأ يحتسيه، ويسألني عن غرفة جدته، هل صحيح أن روح جدته من يومها تسكن الغرفة ؟

وهل مازالت مقفلة ؟

ماهي دقائق، حتى بدأ النعاس يظهر عليه، و عيناه تغالبان النوم، أخذته باتجاه الجسر، حينها لمحت يارا تراقبني، صرخت بها وطلبت منها ملازمة غرفتها ..

توجهت به إلى" الغرفة رقم ٧"، وما أن وصل حتى غط في نوم عميق، وقع على الأرض، حاولت أن أخلع الخاتم من إصبعه، لكن فشلت كل محاولاتي.

جنون أصابني، حينها أخرجت موسى صغيرة، أحتفظ بها في جيبي، قطعت إصبعه، واستعدت خاتمي الذي خسرته يوما..تذكرت حينها يارا ترى هل انتبهت لشيئ؟؟

خرجت من الغرفة بحثت عنها لأجدها في غرفتها ترتجف خائفة، وماهي إلا ثوان حتى انفجرت الصغيرة بالبكاء ..اقتربت منها، و وضعت يدي على وجنتيها كانت حرارتها مرتفعة جداً، قضيت وقتاً طويلاً بجانبها وأنا أهدئ من روعها، وأضع لها الكمادات، ولا أدري كيف انقضت ساعتان أو اكثر من الوقت حتى نامت .. توجهت إلى الخارج مسرعاً.. كان الليل قد خيم، ذهبت باتجاه الجسر، وانطلقت للغرفة وما أن دخلت حتى راعني المنظر، وجدت الشاب على حاله ساكناً بدون حراك، والدماء تلطخ أرض الغرفة، حينها شعرت بهول ما اقترفت يداي !!

لم أجرؤ على فعل شيء ..عدت أدراجي إلى غرفتي أفكر ماذا يجب أن أفعل، لم أنتبه أن الدم كان قد جرى إلى خارج الغرفة .. بعد أن استعدت قوتي قررت أن أعود إليه وأرمي به تحت جليد البحيرة، لكن عودة حكمت وأصدقائه حينها، و وقوفهم المعتاد أمام باب الفندق أربكني، وجعلني أؤجل هذا لليلة القادمة ولكن في الصباح كان الجميع قد اكتشف ماحصل .

أنهى فريد حديثه، وألم ممزوج بحسرة باد على ملامحه مطرقا رأسه إلى الأرض وخافيا وجهه بكلتا يديه..

تنهد المحقق بارتياح منقّلاً نظره بين الجميع قائلاً:

- الآن أقفل التحقيق

وليعلم الجميع أن حدسي لايخيب !! فقشور المكسرات التي ينثرها فريد هنا وهناك، كانت الشاهد الأول عليه في "الغرفة رقم ٧"، وحرصه الدائم على مسح الغبار والتنظيف، ساعده على إخفاء بصماته، ما عدا تلك الموجودة على قطع الصابون في خزانة الملابس في الغرفة ذاتها.

                                                                 تمت

أحدث الموثقات تأليفا
أمل صبور الأكثر وعيًا وقوة وذكاء

رأيتُ حُلماً أخشى أن يتحقّق

الكبير

يداك الساخنتان…

حين تكون الكلمة إنسانًا… ويصبح المعنى حياة

احببت آله

حفلة على حافة الألم 

سماتنا الجميلة 

زهرتك تهوى.

 آثارُ الحَربِ
أكثر الموثقات قراءة
إحصائيات متنوعة مركز التدوين و التوثيق

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة غازي جابر
2↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
3↓الكاتبمدونة حسين درمشاكي
4↓الكاتبمدونة ايمن موسي
5↑1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
6↑1الكاتبمدونة اشرف الكرم
7↓-2الكاتبمدونة محمد شحاتة
8↓الكاتبمدونة هند حمدي
9↑4الكاتبمدونة نجلاء البحيري
10↓-1الكاتبمدونة حاتم سلامة
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑20الكاتبمدونة اسراء كمال180
2↑14الكاتبمدونة هبه الزيني145
3↑14الكاتبمدونة محمد بن زيد171
4↑11الكاتبمدونة عبد الحميد ابراهيم 109
5↑8الكاتبمدونة جهاد غازي137
6↑8الكاتبمدونة جاد كريم182
7↑8الكاتبمدونة جهاد عبد الحميد235
8↑6الكاتبمدونة ايمان صلاح55
9↑6الكاتبمدونة محمد التجاني134
10↑5الكاتبمدونة محمد خوجة39
11↑5الكاتبمدونة عبير عبد الرحيم (ماعت)59
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1129
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب711
4الكاتبمدونة ياسر سلمي681
5الكاتبمدونة اشرف الكرم631
6الكاتبمدونة مريم توركان573
7الكاتبمدونة آيه الغمري515
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني440
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين434
10الكاتبمدونة حاتم سلامة415

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب372187
2الكاتبمدونة نهلة حمودة230000
3الكاتبمدونة ياسر سلمي207810
4الكاتبمدونة زينب حمدي180746
5الكاتبمدونة اشرف الكرم151268
6الكاتبمدونة مني امين121620
7الكاتبمدونة سمير حماد 121211
8الكاتبمدونة حنان صلاح الدين113819
9الكاتبمدونة فيروز القطلبي112237
10الكاتبمدونة آيه الغمري108558

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة ليلى سرحان2025-12-12
2الكاتبمدونة اسماء خوجة2025-11-08
3الكاتبمدونة مريم الدالي2025-11-05
4الكاتبمدونة محمد خوجة2025-11-04
5الكاتبمدونة جيهان عوض 2025-11-04
6الكاتبمدونة محمد مصطفى2025-11-04
7الكاتبمدونة حسين العلي2025-11-03
8الكاتبمدونة داليا نور2025-11-03
9الكاتبمدونة اسراء كمال2025-11-03
10الكاتبمدونة علاء سرحان2025-11-02

المتواجدون حالياً

15577 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع