سكة السلامة ،،
هي مسرحية كوميدية ألفها سعد الدين وهبة وأخرجها للمسرح سعد أردش سنة 1964..
في هذا العام كانت مصر قلب الوطن العربي تنهض وتتطور وتخطو بقوة نحو الأمام بعد ثورتها المجيدة ..،، تحيط بها الأطماع وتحديات الإستعمار لإجهاض الثورة وإفشال تجربة عبد الناصر .. ،، مما دفع بالمفكرين والمبدعين إلى تقديم نماذج مختلفة عن تصورهم للوضع السياسي في مصر .. وكانت القصة أحد الإبداعات
ثم أعيدت بمنظور آخر محدث على يد الفنان المبدع العبقري محمد صبحي ( سكة السلامة 2000) ..،، في ظل عودة الإستعمار بروح جديدة وأسلوب جديد ليبسط نفوذه على منطقة الشرق الأوسط عقب توقيع مصر معاهدة السلام وما وصلنا إليه بعدها وما وصل إليه العالم العربي
الآن لم يعد يخفى على أحد أننا نخوض مرحلة تحول سياسي كبير في مصر والشرق الأوسط .. ،، تخبط واضح وتتفرق السكك وتتشعب ومع ذلك لازلنا نتسائل ذات السؤال الملح ( أين سكة السلامة ؟؟)
عندما قدمها للمسرح سعد أردش سنة 64 كانت شخصيات المسرحية تمثل ميثاق العمل الوطني الذي أسسه عبد الناصر والذي يشمل كل طبقات المجتمع المصري (الجندي - الفلاح - العامل - الرأسمالي - المثقف - القانوني - والفنان ) سأحاول هنا إسقاط سكة سلامة جديدة عللى الأوضاع في مصر عقب ثورة يناير
يمكننا أخذ نقطة البدايه ( الحافلة التي ضلت الطريق وغرزت في الرمال ) على إنها الثورة المصرية فهي أولاً وأخيراً حادث يقع لأهل البلد تبدأ منه القصة
- نموذج الفلاح في قصة سكة السلامة هو نوع من الفئة المتحولة والمتسلقة والوصولية التي قد تستغل جهل الناس للوصول إلى الكرسي والنفوذ وما يترتب على ذلك من سلطة وإشباع لشهوة الحكم ثم تسعى بالفساد في الأرض والواسطة والمحسوبية إلى زرع ذويها وأقاربها بالقفز فوق القانون .. كما كان من الفلاح عثمان الاقطاعي السابق الذي كان ينكر انتمائه للفلاحين ثم عكس الآية بعدما أصبح لهم 50% من كراسي البرلمان وبعدما دخله لم يهتم بجلساته لكنه استغل حصانته وصلاحياته لإدخال إبنه كلية الهندسة التي لا تحق له بتزوير شهادة تفوق رياضي كان يسعى للحصول عليها قبل انقلاب الحافلة ...
هل تذكرنا شخصيته بفئة مننا الآن ؟؟ :)
- نموذج المثقف الذي لا ينفع أهل بلده بثقافته وعلمه بل على العكس هو مستعد لتلبيس الأمور وتدليسها على العامة ليصل إلى مبتغاه .. كما في شخصية فكري الذي تسبب في ضياع الحافلة لأنه يريد الذهاب إلى طريق آخر يوفر به الجهد على نفسه .. هنا نجد المبدع محمد صبحي في نسخة المسرحية الجديده غير واجهة المثقف إلى القدس ليشير إلى إتجاه التطبيع الذي أصبحت بعض الشخصيات العامة تنادي به وأن هذا الاتجاه سيتسبب في ضياع الوطن بمن فيه
هل وجدنا بعد الثورة المصرية هذه الشخصيات المثقفه والإعلامية بيننا ؟؟ :)
- نموذج المحامي الذي من المفترض أنه يحفظ القانون ويعيد الحقوق ولكن على العكس نجده مستعد للدفاع عمن يدفع له أكثر بصرف النظر عن عدالة قضيته فالعدالة حرفة يرتزق منها وليست هدف ومبدأ يسعى إليه ... والاتزاق قد يكون بالمال أو بالمنصب والنفوذ
لا أدري لماذا قفز فجأة أبو اسماعيل إلى ذهني عند كتابة هذه السطور :)
- نموذج الرأسمالي الفاسد الذي يتورط في عمليات مشبوهة ضد إقتصاد الوطن تقوم في غالبها على الرشاوي والعمولات وإهدار المال العام في صفقات غير نظيفة ..
ما أكثرهم قبل وبعد الثورة !! هذه الفئة التي لم تخرج خاسرة من الاحداث فهي قادرة على العبور بمصالحها من بوابة المال والثروة والتلون لتتناسب مع أي وضع جديد !!
- نموذج رئيس مجلس الإدارة الذي طوره محمد صبحي ليشير به إلى سلبيات الخصخصة وهذا نضمه مع النموذج السابق من المنتفعين
- نموذج سائق الحافله وسائق عربة الفنطاس .. الطبقة المطحونة والكادحة التي تخفي بداخلها ديكتاتور صغير سرعان ما يظهر عندما تتاح له الفرصه كما استبد سائق الفنطاس الفقير بكل ركاب الحافله لينتخب منهم واحداً فينقذه وسعوا جميعا لرشوته ونفاقه ومداهنته
هل رأيتم المظاهرات الفئوية وكيف تطاول الموظف على رئيسه وانهارت ثقافة الكبير في مجتمعنا ؟؟
- نموذج الشاب التافه الذي ينكر أصله ويصاحب الأغنى في محاولة للظهور بغير حقيقته
ما أكثر الإمعات التي طالعتنا وجوههم تحت شعار (ثوريين ) وعند أول نقاش يظهر مدى ضحالة فكرة وقصر نظرهم
- نماذج لأمراض مجتمعية كالرجل والمرأة العاشقان الذان يهربان في رحلة بحث عن المتعه .. والسيدة التي تبحث عن شبابها الضائع في الكف والفنجان
- وأخيراً نموذج العاهرة سوسو وقرني القواد
من الغريب أنهم الناجين الوحيدين في القصة كناية عن أن العهر الجسدي بأن تتعرى وتضاجع .. خير من العهر بوطن والتلاعب بمقدراته حسب الأطماع والأهواء كما فعلت النماذج الأخرى
- يظهر نموذج الجندي متمثلا في البدوي الذي يحفر الجبانة لمن ضل بهم الطريق ..
كناية عن أن قدرنا كمصريين هو القتال ومتى تركنا السلاح وقبلنا الاستسلام كانت نهايتنا
الان بعد الثورة وبعدما قادتنا هذه النماذج إلى غرس الأتوبيس في الرمال .. لازالت هذه النماذج تحيا بيننا وتمارس عملها بهمه في تشتت الطرق بنا .. انقسمنا إلى فلول وثوار وإخوان وعندما نوضع في اختيار أو اختبار سرعان ما نختلف .. هل نتمرد ؟ ام أن التمرد خيانة ؟؟ !!
هل نشرب من البئر أم أن البئر مسموم ؟؟
من يضحي ويشرب لنتأكد ؟؟
لاشيء إلا الإختلاف والتخوين !
أين سكة السلامة ؟؟
إنها هناك يا سادة ... حينما يتحد المصريين فقط من أجل مصر ويكف كل منا عن البحث عن مصالحه الشخصية على حساب الوطن
تحياتي