تلك الفتاة حالمة العيون حنطية البشرة ذات الشعر المتوهج التي قابلتها على ضفة نهر الغرباء واشتكيت لها الظمأ ،تشبه كثيرا تلك الفتاة التي يروى عنها فى أسطورة النهر . تقول الأسطورة "إذا مر غريب على نهر الغرباء وأراد أن يشرب و رأى فتاة حالمة العيون ،حنطية البشرة ،متوهجة الشعر تتجسد فيها روح الشمس، ستجف عروقه ويموت ويصبح طميا وقربانا يجدد حياة النهر وقوته " ومع علمي بالأسطورة لم أجفل، بل شعرت بأمان غريب يشجعني على الحديث معها ربما تكون الفتنة أو السحر وربما يكون الظمأ ورغبتي في ماء النهر لعشيرتي ،فمياه النهر تمنح القوة والعمر الطويل لمن يشرب منه . اغترفت بيدها بعض الماء وأشارت لي لكي أشرب ، لم أصدق نفسي . فكرت في إحتمالات الموت والحياة وحدثت نفسي .. "طريقي طويل ولن أستطيع تكملته بجسد أنهكه العطش ، ولست موسى لتنفجر لي عيون الماء بوحي سماوي ، كما أن عشيرتي تحتاج ماء النهر لتجدد قوة محاربيها ، الذين قرروا الإستيلاء على النهر للأبد وأرسلوني للإستطلاع و للبحث عن حلفاء لنا من من يسكنون حول النهر ، ليساعدونا في حال إغارتنا على البقية . -ماذا عن الأسطورة ؟ ماذا لو كانت صحيحة ؟ الأساطير حكايا قديمة ، يتندر بها العجائز لتمضية الوقت ، أو يحكونها للصغار لتسليتهم ، مثلما فعلت معي جدتي . ثم إن الموت قادم لا محالة إذا لم أشرب الأن ، لا أعرف سر هذا العطش الشديد الذي يكاد يقطع عنقي ،بالرغم من أنني شربت (من ماء أحضرته معي تحسبا )منذ وقت قليل لخوفي من أسطورة النهر . لا فائدة حسمت أمري ، سوف أتقدم وأشرب ما أغترفته بيدها وليكن ما يكون " وبالفعل تقدمت إليها وشربت من يدها شربة ماء جددت في جسدي الحياة ، شربة لم أشرب في عذوبتها من قبل . كانت الفتاة تبتسم إبتسامة لا تقل عذوبة عن شربة الماء تلك ،قلبي كاد ينخلع ، وانا أحاول الرحيل لأكمل رحلتي ، لم أستطع الحركة ولو قيد أنملة بعيدا عن هذا الوجه المشرق .. ظللت على تلك الحال ...لا أدري كم مضى من الوقت وأنا هكذا والفتاة تسقيني بيدها من ماء النهر وكلما سقتني أزددت عطشا ،دون أن تتحدث بكلمة واحدة وهي مبتسمة . استجمعت قواي وسألتها عن الوقت وعن رغبتي في الرحيل مع عدم استطاعتي ذلك ، ضحكت الفتاة ضحكة اهتزت لها أرض الوادي وتفتحت لها الأزهار من حولنا وهي تقول ... " الوقت انتهى عندما أتيت إلى نهرنا المعظم طامعا فيه ، نهرنا كريم على ضيوفه لكنه لا يعطي ماءه للغرباء الطامعين ، لا رحيل لمن رحل بالفعل ولا أرتواء لمن حكم على نفسه بالظمأ الأبدي ".
رانيا ثروت
من المجموعة القصصية كاليبسو