السلام عليكم و رحمة الله ..
منذ كنت صغيرا و انا اهوي السفر .... و قطع المسافات الطوال .... لدرجة اني كنت اتعمد ان التحق بمدرسة بعيده عن المنزل حتي ارتاد المواصلات و اقطع الفيافي من الكيلو مترات ... و يبدو ان القدر اراد لهذا الهوي ان يستمر .... فجاءت طبيعة عملي لتحكم عليّ بالسفر الدائم ... و ارتاد كل انواع المركبات التي اخترعها الانسان للنقل الي اماكن لم اكن احلم ان ازورها ابدا ... و الحمد لله كثيرا .....
بفضل الله زرت عددا من المدن المصريه الشهيره التي لا يزورها المصريون - للاسف - رغم سحرها و شهرتها ! كشرم الشيخ و الطور و الغردقه و الواحات و الاقصر ... كما زرت عددا من بلاد العالم و في اوروبا تحديدا .... و لكن ظل حلم زيارة الولايات المتحده يراودني .... و لم لا .... و هي ارض الاحلام كما يقولون .... !
في الواقع .... انا اكتب هذا المقال الآن من ولاية اريزونا بالولايات المتحده بعد أن قرر القدر - بمشيئة الله - ان يمنحني فرصة زيارة هذه الدوله الاكبر في العالم .... موفدا من جهة عملي
من مطار القاهرة الدولي بدأت الرحله .... بسفر طويل الي مطار امسترداد بهولندا بلغ حوالي 5 ساعات متصله .... ثم تبعه انتظار "ترانزيت" في هذا المطار لمدة خمس ساعات اخري .... طويله
مطار امستردام ليس بالمطار بالكبير ... او المبهر .... لكنه رقيق و حالم ..... و جماله ينبع من بساطته .... و بساطة رواده من مسافري العالم .... و لم يزعجني في هذا المطار سوي تلك الشرطيه الشقراء و التي كانت تتحقق من اوراقنا ... و عندما رأت الاسم المدون علي جواز السفر (محمد) و وجهة السفر (امريكا) .... الا و بدأت معي تحقيقا موسعا ... يبدو للناظر من بعيد انه "روتيني" .... لكنه كان غير ذلك .... و بعد عدة ايجابات ضاحكه لاسئله "متذاكيه" من معالي الشرطيه ... تركتني اتابع الي حيث ذلك الجهاز الذي يكشف عن وجود متفجرات حول جسمك ..... بعد ان تخلع نعليك و "حزامك" و ربما اشياء اخري لو لزم الامر .....
كانت فترة الانتظار في مطار امستردام اكبر من حجم المطار .... فيكفي ساعه واحده لأخذ جولة شامله فيه .. و كما اسلفت سابقا ... هو مطار رقيق و مهندم و فقط
بعد طول انتظار .... حانت لحظة ركوب طائرة شركة "دلتا" الامريكيه ... و المتجهه من امستردام الي اتلانتا ..... كانت الساعه تشير الي الحاديه عشر صباحا بتوقيت هولندا و القاهره معا .....
كنت اعلم مسبقا ان رحلة الولايات المتحده طويله .... لكني لم اتخيلها هكذا ابدا ..... و لم اتخيل اني سأمكث في طائرة (امستردام - اتلانتا) 11 ساعة متصله .... و المثير في الموضوع ان الساعات الاحد عشر كلها كانت في وضح النهار .... فلم يجن ليل علينا ابدا طوال الرحله ..... و هذا لاسباب علميه مرتبطه بحركة الارض و الشمس و موقع القاره الامريكيه بالنسبة لافريقيا .....
تخيلوا ... 11 ساعه كلها نهار بلا ليل .... يسبقه 12 ساعه نهار ايضا .... اي اجمالي 23 ساعه نهار بل ليل !!
في طائرة شركة "دلتا" ..... استمتعت كثيرا بشرب عصير البرتقال الطازج لعدد من المرات يصل الي 41694 كوب ... :) ..... فكلما مرت "المضيفه" من جانبنا ....سألتنا "هل تودون ان تشربوا شئ ؟" ... و طبعا اجابتنا الجاهزه : نود بكل سرور :) :) :) ..... و لم تكل المضيفه من سؤالنا .... و لم امل ابدا من شرب عصير البرتقال الطازج بدون هرمونات ..... :) .... ناهيك عن الوجبات اللذيذه و البيتزا الحاره التي تقدمها هذه الشركه علي طائراتها البوينج ....
استمتعت ايضا بمشاهدة 6543 فيلم :) عبر "التلفزيون الشخصي" المتاح لكل مسافر و المزروع امامه في مؤخرة الكرسي المقابل له ..... فأحد عشر ساعة طيران ليست بالوقت القصير ..... و كان الكرسي الذي بجاني خال من السكان لذا كنت وحيدا في هذه الرحله الطويلة ... و رغم كل ذلك استمتعت حقا ...!
وصلت اتلانتا تقريبا الساعه الواحده ظهرا بتوقيت اتلانتا (لاحظوا اني غادرت امستردام في الحاديه عشر صباحا ... و بعد 11 ساعه طيران .... وصلت في الواحده ظهرا .. و سبحان الله :) ) ....
طبعا ساعتي البيلوجيه لم تعد تعمل :) ..... و لم اعد ادري هل المطلوب مني ان اتناول الغداء ام العشاء ام الافطار ..... :) .... ام استمر في شرب عصير البرتقال الي ما لا نهايه
في مطار اتلانتا "الضخم" ..... كانت هذه هي اول ارض امريكيه تقع عليها قدمي .... و كنت اتوقع استقبالا مليئا بالاجراءات القاسيه و خصوصا ان اسمي و ديانتي عوامل محفزة لذلك ... و لكن علي العكس تماما ..... سارت الاجراءات باسرع مما كنت اتخيل ....و بيسر .... و لم الحظ ابدا اي تركيز نوحي .... و شعرت باللا فرق بيني و بين سائر المسافرين ..... فالكل يدخل جهاز الكشف عن المتفجرات و الذي يظهرك علي شاشته كما ولدتك امك .... و الكل يخلع نعليه... و حزامه .... و معطفه .... لا فرق بين هذا و ذاك ...
السيئ في الموضوع بعد كل هذا .... ان اتلانتا لم تكن وجهتي النهائيه .... بل وجهتي هي احدي مدن اريزونا ..... و اريزونا لا يذهبون اليها "بالبيجو" من "الموقف الجديد" :) او "بالسوبر جيت" ...... و انما تحتاج الي ثلاث ساعات طيران اخري من اتلانتا !! .... و كأنك تسافر من القاهره الي المغرب !! .....
الاسوء في الموضوع ان الطائرة المتجهه الي اريزونا كانت ستقلع بعد خمس ساعات اخري.... اي انني سأضطر للمكوث "ترانزيت" في مطار اتلانتا خمس ساعات كما حدث في امستردام ...... و يا للهول
كنت مرهقا حتي الثماله ... و لم انم تقريبا او لم يأت ليل لكي انم.... فقبعت في صالة الانتظار اراقب البشر في سكون ..... و من مراقبتي لأهالي مطار اتلانتا بدأت استكشف شعب الولايات المتحده ..... و الحقيقه ان ملاحظاتي الاولي تقول انهم ودودون لاقصي حد ..... فما ان تنظر لاحدهم تجده يبتسم علي الفور ... و اذا مر عليك احدهم يجب ان يبادرك بمقولته الشهيره hi ... :) ...
و لأني كنت قد تلقيت تعليمات مشدده قبل مغادرتي القاهره ان لا انظر لأي انثي مهما كانت التحديات .....و التحديات كثيره و عظيمه .... فالحقيقه لا اعلم هل سيدات الولايات المتحده ودودات مثل رجالهم ام لا .... الله اعلم ..... لذا عزيزي القارئ لاحظ ان كل ما سأقوله في هذا الموضوع ينطبق علي الرجال فقط .... :)
ما لاحظته ايضا .... ان هذا الشعب يحب الاكل .... فكل شخص يجب ان تراه ممسكا اما "بساندويتش ماكدونالدز" .... او بكوب 7 لتر :) من اي نوع من العصائر او الكافييه ..... فالكل اما يشرب او يأكل او يمضغ .... كما لاحظت اوزانهم الزئده ..... "فالكرش" عند الرجال شئ عادي جدا .... بينما سيداتهم ... اوه لا اذكر عنهن شيئا ....
حان وقت طائرة "توكسون" او "تو سن" بفتح السين .. كما تنطق هناك المتجهه الي اريزونا ... ركبتها و انا في حالة اعياء شديد ... و لا اذكر من هذه الرحله سوي تلك السيده (عمرها 99 عاما) التي كانت تجلس بجواري و كانت مكسيكيه الاصل .... و التي بدأت حوارا طويلا معي حول مصر و الثوره و مبارك ! :) .... و حول اولادها و بناتها و بلدها المكسيك و زوجها الذي هجرها ..... و حاولت ان افهمها انني ممنوع من الحديث مع السيدات و لكن هيهات .... و لم ينقذني منها سوي وقوعي في سبات عميق مفاجئ من اثر الارهاق .. لم يوقظني منه سوي هبوط الطائره في المطار .... و مطار "تو سن" مطار صغير بسيط ... انيق ... نظيف .... ككل شئ وقعت عليه عيني منذ مغادرتي القاهره .....
هرعت الي الفندق لكي احظي باي شكل من اشكال النوم .... و قد حدث ....
في الواقع لم يمض علي مكوثي في "تو سن" سوي ايام قلائل .... لذا فلا زالت ملاحظاتي في طور التحديث و التدقيق ..... و لكن كل ما استطيع ان اقوله ان انبهارا كبيرا اصابني في تلك السويعات القليله التي قضيتها هناك ..... و انبهاري نابع من مراقبة السلوكيات العامه .... فالكل ودود مبتسم سعيد .... الكل صوته هادئ .... تسمع الجميع يهمس او يضحك .... الكل مهذب جدا ... حاله من الرقي و المساواه تعم الاجواء ...
احترامهم للبيئه رهيب .... و محاربتهم للتدخين و المدخنين شئ يفوق الخيال في دوله تنتج اشهر انواع "السجائر" ! .... احترامهم لكبيري السن و المعاقين شئ يفوق الوصف .....لدرجة ان حافلات النقل العام هناك مزوده بمهبط هيدروليكي خاص لتسمح لكبير السن او المعاق بان يهبط او يصعد بكل سهوله و يسر مصحوبة بابتسامه ..... و لا تتحرك الحافلة الا اذا اطمئن قائدها ان الراكب قد احتل مقعده في امان ..... و لا تلاحظ اي تذمر من الركاب ...
اذا دخلت احد المحلات التجاريه الكبيره تجد عربات كهربائيه مخصصه لكبار السن ..... و تجد الكل يفسح لهم بطيب خاطر مصحوبه بابتسامه عريضه ....
طبعا لا اريد ان احدثكم علي نظافة هذه المدينة و شوارعها .... و مستوي الوعي لدي المواطن هناك الذي لا يريد ان يلقي بشئ علي الارض حتي لا يلوث امريكا !!
و من المبهرات هناك ... (او هنا بما اني هنا في امريكا :) ) .... مستوي المعيشه المرتفع للغايه .... فالاسعار زهيده الي حد يفوق الخيال مقارنة بالدخل .... فهب انك موظف امريكي تتقاضي شهريا 2500 دولار (اي موظف كحيان :) ) .... فبهذا المرتب تستطيع ان تشتري كل شهر .... و اقول كل شهر .... حذاء جديد و قميص جديد و بنطال جديد ... و تستطيع ان تأكل كل يوم ما لذ و طاب من الاطعمه فعلي سبيل المثال تجد ان ثمن الدجاجه الكبيره "بدون هرمونات" ثلاثة دولارات ... !!! .... و وجبة كنتاكي تبدأ من 7 دولار ... :)
و المبهر ... انك تستطيع ان تشتري سياره "مستعمله محترمه جدا " بمرتب شهر و نصف !! ....
لا اريد ان اسهب حول مدي انبهاري بما شاهدته في سويعات قليله .... و لكنها حقائق علي الارض لمستها علي ارض اكبر و انجح دولة في العالم ..... لذا ينبغي ان نبذل جهدا و نفتش عن سر هذا النجاح و نحاول ان نقتبس منها ما ينقصنا ..... لعل و عسي .....
اعدكم في الايام القادمه ان آتيكم بمجموعه من الصور و الموضوعات المتفرقه عن ما قد يغازل القلم ليكتبه .....
تحياتي العطره
:)