اليوم قررت بعد أن تحاورنا أطراف الحديث أنا و زملائى فى العمل ، فى كيفية أن يكون الفرد فينا فاعل و لا رد فعل.... كيف أن يتحكم فيما سيفعله دون تدخل من هو قدامى فى تحديد رده فعلى أو سلوكى... بمعنى أنى سأقرر أن لا أتعصب إذا أحد فعل ما يعصبنى ، أن لا أتحدث بطريقة سيئة إذا ما كان من هوقدامى يحدثنى بطريقة سخيفة...
كيف أكون أنا من يتحكم فيما سافعله أنا ... لن يحدد من هو قدامى بافعاله ، ما سأرد أنا بفعله....
و كان هذا على الصعيد الكلامى فقط... و لم أكن أخيل أن فرصة التطبيق ستأتينى سريعة بهذه الدرجة :)
فاليوم بعدما أنتهيت من عملى كالعادة ، و فى أثناء ذهابى لمحطة القطار كالعادة ، قررت أن أكون أنا مثلما أريد انا.... قررت أن أساعد الناس... دونما أخشى نظرات الناس لى.... أن أتكلم وقتما تحثنى نفسى على التحدث مع أحدهم ، دونما أخشى أن يصدمنى برد فعل معاكس أو سلبى ... قررت أن لا أخشى أن أكون فاعل و لا رد فاعل....
و بدأت الحكاية.... ففى أثناء إنتظارى للمترو ... دائما ما أجد بعض الرجال الذين لا يعرفون أنهم يقفون أمام العربات الخاصة بالسيدات فقط.... و حينما يصل القطار و يفطنون لهذه الحقيقة ، أجدهم يجرون شمالا و يمينا ليصلوا لأحدى العربات المشتركة... و اليوم رأيت ثلاث مجندين واقفين أمام العربات المخصصة للسيدات ، يضحكون ، و ينظرون يمينا و شمالا ، يتطرقون النظر الى أحيانا بدافع الفضول .... و يكملون الحديث ضاحكين....
حينها دار الحديث بداخلى ، أأقول لهم أنهم واقفين أمام العربة الخطأ... لا سيظنون أنى أريد أن أتكلم معهم فقط.... لا لا حينما سيجئ المترو سيجرون و لن يلحقوه.... و انا مالى ما كل الستات شايفاهم و ساكته.... نادين أنتى قررتي أنك تكونى فاعل ، و ليس رد فعل.... أفعلى ما ترين أنه صائب دون خشية ما سيقوله الناس أو ما سيعتقده الناس.... المترو جاى .... الحقى...
و فعلا ، ذهبت اليهم و انا متردده قليلا و قلت لهم أنهم أمام عربات السيدات... نظروا لى ثم جروا شمالا ليقفوا أمام أحد العريات المشتركة....
نجحت ... :) سيلحقون هذا المترو ...
دخلت العربة و إذا بالابواب تُغلق ، فيظهر شاب يدخل بسرعة للعربة... ينظر فى سرعة للعربه المليئة بالسيدات.... فيندهش و يغمض عينيه و يقول... "اوبا..عربيه السيدات.... ما أخدتش بالى"... قلت له: مش مشكلة... المحطة الجاية أنزل...... بعد ثوانى فكرت أننا فى أول العربه من اليمين ، و المجاوره لنا يمينا سيدات أيضا.... اما المجاورة من اليسار فهى المشتركة ... قلت له : ممكن تروح شمال علشان لما المحطة تيجى تلحق تروح اللى جنبنا.... أبتسم و قالى : انا كدة مستخبى ، أمشى فى الوسط و اسمعلى كلمتين مالهومش لازمة... انا واقف هنا مدارى ... و فعلا لما المحطة جت نزل ... و لكنه لم يلحق الأبواب قبل أن تُغلق.
نزلت محطة "حسنى مبارك" حيث القطار و توجهت لبوابات الخروج ناحية القطار..... إذ بأحد اهل الصعيد " عرفت من لهجتته معى " يسألنى : أين أذهب لأركب للمعادى.. ؟؟؟ فأشرت له للإتجاه فمضى له...
شاطرة يا نادين :) بقوا تلاته كلمتهيم ... الرحلة ليها طعم النهردة :)
تذكرت صديقة لى كانت قد قالت لى فى مناقشة لنا فى موضوع مساعدة الأغراب دون أن يسألوا ، حين قالت لى "لو حسيتى أنهم محتاجين مساعدة لا تتردى أسأليهم ، لن يضر شئ لمن لا يحتاج... إنما ستكون فائدة لمن هم محتاجون.... "
فأخذت أبحث فى الناس من حولى فى طريقى المزدحم عن من يبحث باعينه عن مساعدة دون أن ينطق.... و إذ بسيدة عجوز ، ضئيلة الحجم ، بجلباب أسود ، على رأسها كارتونة كبيرة تبحث من حولها عن شئ.... ذهبت اليها و سالتها ... بتدورى على أيه؟؟؟ قالت لى : عايزة أطلع على رمسيس.... قلتلها على ناحية الفجالة أم ناحية القطار.... قالت لى ناحية القطار ممكن المهم أنى أطلع فوق... فقلت لها تعالى معى ، انا رايحة القطر... و فى الطريق سألتها ، بتعرفى تقرى ؟ أصل مكتوب هنا... قالتى لأ .. ما هى دى المشكلة.... القراية جميلة... بس للأسف ما بعرفش.... و حينما جاء باب الخروج ، ذهبت فى طريقها... و تركتنى .... تركتنى سعيدة... سعيدة بكونى أنا و سعيدة بكونى فعلت ما أريد أن أفعله دون أن أنظر لمن حولى و نظراتهم المستغربه لى.... سعيدة لكونى مفيدة و مؤثرة....
ركبت القطار فى هدوء .... و للأسف فى أخر كرسى بجانب الباب ... :)
و لمن لا يعرفون مأساه أخر كرسى ، أقول له انه بجانب الباب ، فدائما هناك من يمرون، يدخل اتنين... يخرج أربعة .... يتكلموا شوية على الباب... يمرون دون أن يغلقوا الباب... من الأخر .... روشة :)
المهم ركبت و أخرجت كتابى (اللى هو الجزء التانى من ثورة 2053....كتابى الجميل :) ) و أخذت أقرأه... حين بدأت الروشة :)
فبعد أن دخل من دخل و خرج من خرج ...
كان يقف أحد العساكر الصغار على الباب من الخارج ، ممسك الباب مواربا بيده... فأمسكت الباب من الناحية الأخرى لأغلقه ، فإذ به يقول لى و على وجهه علامات الأستنفار بوجهه غريب: فيه حاجة؟؟؟ قلت له هأقفله ... قالى : مضايقك فى أيه؟؟؟ ، قلتله التكييف ... قالى و أيه يعنى؟؟ رد من بجانبى بيدخل هواء سخن.... فظل ينظرلى ممسكا بالباب....قلت له بمنتهى البرود... "الباب معمول علشان يتقفل، شكرا" ... و أغلقته ... و وضعت رأسى بداخل كتابى و عقلى يغلى ... و به من الأفكار ما يكفى لإنفجاره....
(أكاد أراكم مندهشون و اسمعكم تقولون عنى ................ !!*$%@%^ ؟؟ أرجوكم لا تحكموا علي – فهاذا ما كنت أخشاه من الناس فى القطار)
تكلمت مع نفسى ... الناس كلها زمانها شافتنى و انا بأتكلم معاه بالطريقة دى ، و بتقول عليا قليلة الذوق... بتقول عليا مفترية و بجحة.....
أخذت أنكمش فى مقعدى و أحاول التركيز فى الكتاب... و أبعد عينى عن الباب و من ورائه.... حيث أنه كان دائم النظر الى... دائم اللعب فى مقبض الباب حتى يغيظنى .... " انت اللى صح يا نادين... و الصح اللى أنتصر.... ما تتكسفيش.... حتى لو الناس بتبص عليكى .... انت اللى صح...."
و فى أثناء الطريق كان هناك من يمر من الباب .. أحيانا يغلقه ورائه و احيانا لا يبالى بالباب من الأساس.... فكان يقوم من بجانبى بغلقه ... " الحمد لله هناك من يساعدنى" .... أخذ يغلقه مرات عديدة..... فتطوع من على الجانب الأخر بغلقه بأرجله عده مرات أخرى....
أحسست حينها أنه يوجد أمل .... حيث أن هناك أخرون يساعدوننى.... الأخرون يتشجعون عندما يرون انهم ليسوا بمفردهم.... أحسست بقيمة فعلى الأولى .... فنحن أصبحنا ثلاث الأن نطبق الصح.... أحسست بنوع من الراحة لوجود من هم معى....
و قمت بالتركيز فى القراءة فقرأت الأتى على لسان الكاتب:
أولا : كلكم دون إستثناء تتعرضون مثلى الى أزمات صعبة، و لحظات أختيار فارقة فى حياتكم. كلكم تحاولون بإيجابية شديدة الخروج من المأزق الذى يحكم بقبضته علينا جميعا. يباغتكم أثناء هذه المحاولات المضنية الشك فى جدوى ما تفعلونه و فى إمكانية إنقاذ المركب قبل الغرق. و انا لا أستطيع أن أجزم بأن عدم اإنضمام الى من إختاروا تركنا وسط العاصفة السوداء هو أمر حكيم، و لا أستطيع أن أحكم على من هجرونا ليبحثوا عن طريق سعادتهم فى مكان أخر.
و لكننى على يقين من أن لكل فعل إيجابى يتم عمله بنيه خالصة من أجل الأخرين ، مردودا ما قد لا نكتشفه خلال حياتنا. كما أننى على ثقة بأنكم جميعا ، أقصد المنتمين الى الفئة المناضلة التى قررت البقاء ، أقرب لإكتشاف الهدف الذى خلقنا جميعا من أجله. و طالما أمثالكم مازالوا يتشبثون بالمركب فالأمل دوما موجود فى النجاة.
ثانيا: كلكم تحدثتم عن البلد و الإصلاح بنفس الحماسة و القناعة الراسخة دون أن يشير أى منكم الى أى إنتماء سياسى أو حزبى أو عقائدى، و هذا ما يؤكد إعتقادى الراسخ بأن الإيمان المشترك بدورنا فى جعل هذا المكان أفضل هو إيمان حقيقى منبعه إنسانياتنا الحقة التى وهبنا الله اياها. هذا الإيمان العظيم قادر على توحيدنا جميعا رغم إختلافاتنا.
فأود أن أشكر كل الذين أسعدونى و أكدوا لى من خلال تعليقاتهم أن ما أفعله له معنى... فقد أشعرونى أن البلد مازال بخير طالما أن هناك هذا العدد الضخم الذى تشغله مثل هذه القضايا و يخاف على هذا الوطن، و يصر على التمسك بالجزء المؤمن بالخير و العدل داخلنا. هذا الجزء الذى أصبح التمسك به يتطلب شجاعة و عزيمة بل و بطوله توازى بطولات أشد الحروب ضراوة. شكرا لكم مرة أخرى ، فقد جعلتمونى متيقنا بأنه لا يزال هناك أمل.
:) أحسست أن كلام الكاتب جاء فى الوقت المناسب لى .... فتسربت الشحنة الإيجابيه التفاؤليه المشجعة لى بسرعة و قلت لنفسى مبتسمة " إن شاء الله لا يزال هناك أمل "
أستيقظت من هذه الحالة على صوت المجند اياه ، و الباب مفتوح للحظة و هو ينظر لى و يتكلم بكلام غير مسموع ثم يغلق الباب... فلم ألتفت اليه و أكملت القراءه ، حينها جاء فعل من بجانبى مدهش لى... قام بفتح الباب و توجيه كلام له بغلظة شديدة " مش هتبطل إستظراف و لا أيه؟؟ " بعد ردود من المجند مثل " وانا كلمتك ، و انت مالك" و محاولات من يجلس بجانبى لغلق الباب مرة أخرى بالرغم من تمسك المجند بالباب والهجوم بالكلام....
قمت بغلق الباب مرة أخرى فى وجهه المجند ، ثم قلت لمن بجانبى "انا شايفاه من ساعتها و مكبرة دماغى... الناس دى تصعب عليك أصلا... شكرا.... شكرا جدااا "
...
أمضيت الدقائق الباقية لى فى القطار أفكر فيما حدث.... الحق و الباطل.... من يدافع عن الباطل و كانه الحق .... و من لا يزال يدافع عن الحق بحق .... كم بجانبى و شجاعته .... و إحساس إن الناس لا تزال بخير.... كلام كاتب الرواية فى التمسك بالعدل و الدفاع عن هذا البلد.... التمسك بالنضال و الشجاعة الى أخر قطرة ... فى أن الأمل لا يزال موجود .... برغم السواد أو حالة عدم التمييز بين الحق و الباطل التى نعيشها الأن .... وجود مثل من كان جالس بجانبى ، يبعث الأمل و الطمأنينه..... فعلا الأمل موجود....
و خرجت من القطار الى العالم الخارجى ..... حيث ساواجه تحديات أخرى لتفاؤلى هذا....
و لكنى متيقنه الأن أن هناك أخرون معى ... أخرون مقتنعون أن الأمل موجود و يجاهدون من اجله...
شكرا ً
:)