تدور في أروقة الأحاديث بين الناس، مناقشاتٍ تشبه المصارعات والمنازعات، يتبارى فيها المتنافسون بطرح الآراء والأفكار، والمحاور التي تستفز الأطراف المعنية، والعناوين التي تزيد الفرقة وتحدث الصدع والشقاق.
وفي الحقيقة أنه ليس كل من يدلي بدلوه في هذا الموضوع مُغرِضٌ أو ذو نوايا سيئة، فهناك مِن حَسِني النية كثير، ومِن الذين ليسوا بحكماء نسبة لا بأس بها.
إلا أننا وفي هذا الصدد نود إلقاء الضوء على محورٍ أكثر من هام في موضوع العلاقة بين الزوج والزوجة، والذي يظل محورٌ فَيصَليّ يبين الأمر ويوضح الواجب، وهو المحور الذي يطرق عليه الجميع اليوم بين مؤيدٍ ومعارض، ألا وهو واجبات الزوجة تجاه زوجها، وما يُعَد واجبًا عليها وما لا يُعَد.
وإذا ما نظرنا للأمر من زاوية الحقوق والواجبات، لوجدنا أن النقاش فيها سيكون مستمرًا بلا نهاية، حيث سيذكر كل طرف ما يؤديه بالفعل من مسئوليات وما يجب له من حقوق تُعَد من واجبات الطرف الآخر من وجهة نظره، وهنا سيستمر الجدال بلا نهاية،
إذ أن تفاصيل الحياة الزوجية كثيرة، فإذا ما قالت إحداهن ليس من واجبي إعداد الطعام للزوج فسيرد الطرف الآخر وليس من واجبي السعي لتوفير الترفيه مثلًا، وإذا قيل ليس على الزوجة أن تقوم بشئون المنزل فسيرد آخر بأنه أيضًا ليس على الزوج العمل الإضافي لتوفير الإدخار مثلًا، وهلُم جرّا.
وفي تصوري لو قدمنا الموضوع من باب الفضل، وتحت عنوان الآية الكريمة {ولا تَنسَوا الفَضْل بَينَكُم} صدق الله العظيم، فسنجد أن الزواج ارتباط تعاون بين طرفين، يقوم على المودة والرحمة، وليس على الواجب والحقوق فقط، فإذا ما قدمت الزوجة للزوج عطاءً فلا تنظر له على أساس أن ذلك حق الزوج بل هو فضل تريد أجره من الله، وإذا ما قام الزوج بجهدٍ تجاه زوجته فلا يحسبه على أنه واجبه بل هو جهد يقدمه لله ليأخذ أجره منه تعالى، وهنا تظهر لنا أهمية توجيه العمل ليكون لوجه الله وحده.
هذا لا يعني أنه ليس هناك مسئوليات وواجبات، بل معناه أن يعرف الطرفين حقوق الطرف الآخر فلا يتعداها، مع أن يستمر التعامل على أساس الفضل في العطاء وليس على العدل فحسب.
إن الإشكالية التي يثيرونها اليوم بشكلٍ فج، في الحقوق والواجبات بين الزوج والزوجة، وعلى أساسٍ جاف من الفضل والعمل لوجه الله، لتوجهٍ لا يخلو من أغراضٍ قد لا تكون لنا الآن ظاهرة، إلا أن أقل آثارها السلبية سيكون في إحجام الشباب عن المضيّ في طريق الزواج وبالتالي نفقد أهم لَبِنة من لَبِنات بناء المجتمع المستقر المبني على التعاون وتقديم كل طرف ما يستطيعه ليس بغرض المقايضة ولكن بغرض التقرب به إلى الله.