اعتاد البعض من المصريين أن يستمتعوا حين يجدون إخفاقا لدى أيٍ من الإدارات المصرية في ايٍ من ربوع مصر، فنجدهم يكيلون النقد اللاذع والجالد، إذا ما كانت هناك أي سلبياتٍ أو إخفاقات، كما لو كانت مصر فقط هي التي يحدث فيها تلك الإشكاليات، ويقارنوننا بالدول المتقدمة والتي يتخذونها نبراسًا.
وتابعنا بالأمس ما حدث في فرنسا من "أعمال التخريب" التي طالت خطوط السكك الحديدية قبل انطلاق فعاليات مونديال فرنسا ٢٠٢٤م، وكيف وصلت أعمال التخريب لثلاث خطوط من أربعة خطوط للسكك الحديدية الفرنسية، والتي تنقل قرابة ٨٠٠ ألف مستخدم لتلك القطارات، وهي على أهمية عالية للمستخدمين هناك، ورغم ذلك فشلت الخطط التي تؤمِّن هذا المرفق المهم جدًا في الحياة اليومية، وفي هذا التوقيت الحرج.
وبلا شك فإننا ندين تلك الأعمال القبيحة، أيا كان هدف المجرمين الذين الذين أجرموا بها، لأنها من قبيل الأعمال الإجرائية التي لا نقبلها، ولا نسعد بوقوعها في أيٍ من دول العالم، بل ونسعد عند كشف هوية هؤلاء المجرمين ليلاقوا عقوبتهم الرادعة.
إلا أنني فكرت مع نفسي، ماذا لو حدث ذلك التخريب ووقع في مصر، ؟؟
ماذا سيكون موقف كتيبة الجالدين والمعنفين والمتهِمين والمحللين سلبيا، ؟
كيف ستكون حالة الصفحات والمجموعات على منصات التواصل الاجتماعي جلدًا لإدارات وهيئات وأمن مصر، ؟؟
بالتأكيد كنا سنقرأ للنشطاء كلمات القصف اللاذع والهجوم الجالد على فشل إداراتنا وضياع بلادنا ودمار مصالح الناس، وعدم قدرتنا على القيام بمسئولياتنا، وكيف نحن إدارة مصرية سيئة ومتسيبة ومنعدمة الضمير،
وكنا سنجد من يطالب بإقالة الوزير بل الوزراء، ويصورون لنا أن الدولة تنهار، ويبعثون بالتخويف والتهويل في قلوب الناس، لنستشعر أن ذلك التخريب قد قضى على الوطن وانتهى أمرنا ولن نعود.
لا أدري كيف هو موقف هؤلاء اليوم، الذين يقارنون أحوالنا دومًا بأحوال الدول المتقدمة، إلا أنني أشعر بالتماسهم الأعذار لفرنسا وغيرها بخلاف ما يفعلونه في بلادنا، من عدم التماس الأعذار لنا في قلة مواردنا، وتقاعس الكثير من بني وطننا عن العمل واتقانه، وقلة الناتج القومي المحلي عندنا مقارنة بهذه الدول المتقدمة، وأراهم اليوم يتوارون ولا نسمع لهم صوتا.
إخوتي القراء الكرام، لا مانع إطلاقا من النقد لأي سلبية أو فشل إن حدث في أي دولة أو في وطننا، فإن النقد هو الأداة الفاعلة للوصول إلى تطوير الأداء وتحسين الخدمات للمواطن، إلا أن النقد يختلف عن الجلد، ويختلف عن تصدير الاحباط للناس، ويختلف عن إرهاب المتابعين بتهويل الأحداث وإرسال رسائل التخويف على أي حدثٍ يحدث، فالنقد هو إظهار السلبيات دون إساءةٍ أو تعدي وبلا سخريةٍ أو استهزاء.