مازلت أذكر الإعلان التلفزيوني الذي كان في ثمانينيات القرن الماضي الذي كان بصوت الفنان محمد منير، حين كان ينشد بكلماتٍ كان منها، "الشعب عاوز يتقدم لازم يحطم معلش"
حينها كنت في الجامعة وكنت مقتنع تمامًا بكلمات هذه الأنشودة التثقيفية، والتي كان يبثها التليفزيون المصري على مسمع من المصريين المتابعين، وفي الحقيقه كنت ولازلت أُثمّن هذا العمل التوعوي، لأن كلمة "معلش" قد حطمت في مجتمعنا الكثير من أدوات الانضباط، ودمرت الكثير من إمكانية العمل الجاد والاجتهاد، وقضت على فكرة العقاب الذي يجب أن يكون متلازمًا مع التقصير.
وحين تغلغَلَت تلك الكلمة بمفهومها الذي يُعتبر براءة اختراع مصرية خالصة، أصبحت النظم والقوانين والتعليمات واللوائح كلها في مهب الريح، تخضع لمفهوم "معلش" عند التقصير في أي منها،
وأتصور أن مفهوم كلمة "معلش" حين بدأ، كان مقتصرًا على طلب العفو والمسامحة، عندما يخطيء الإنسان في حق الغير، وكان بمفهوم طلب العفو مع عدم المحاسبة على الخطأ الشخصي بالشكل الودي،
وإلى هنا والأمر ليس فيه غضاضة حيث الخطأ في حق شخص، والعفو والمسامحة في يد هذا الشخص وهو حرٌ في ذلك، وهنا قد تكون هذه الكلمة إيجابية ومقبولة وتُسهم في رأب الصدع والإصلاح بين الناس، لكنها وللأسف قد امتد معناها الآخر السلبي، إلى طلب كسر "السيستم" والوصول إلى العفو عن التسيب والإهمال في الأمور الأخلاقية والمهنية والتنظيميةِ عمومًا،
فحين يصل الموظف متأخرًا عن مواعيده الوظيفية بالعمل، نسمع مباشرة كلمة "معلش"، وإذا ما غاب عنك الطرف الآخر في الاجتماع متأخرًا عن موعده يبادرك بكلمة "معلش"، وإذا ما أخفق أحدهم في القيام بواجباته تقاعسًا وتقصيرًا، تجد أن طوق النجاةِ له هو نفس المقولة "معلش"، وإذا ما خالف السائق قواعد المرور وجئت لتعترض، فستسمع من يقول لك: "معلش" إلى آخر تلك السلوكيات السلبية، التي تعتمد على كلمة "معلش" في أي تقصير.
وفي الحقيقة، أعتبر أن هذه الكلمه قد أدت إلى تراجع مجتمعنا في التمسك بالنظم و"السيستم" بشكل كبير، وأصبح من لا يقبل كلمة معلش، هو شخصٌ حادّ ومتسلط وغير محبوب من جميع الدوائر التي يتعامل فيها أو يديرها.
لامناص من التركيز على رفض هذه الكلمة في معناها السلبي بالمسامحة في كسر "السيستم" والنظم، والاكتفاء بقبولها في معاني العفو عن المخطئ إذا ما جاء يُقدّم طلب العفو ممن أخطأ في حقه، وأكرر ما قاله الفنان محمد منير منذ عشرات السنين: الشعب عاوز يتقدم لازم يحطم "معلش" ، وللأسف لم نمتثل لأنشودته، وظلت بيننا هذه الكلمة السلبية التي قد أضرّت بمجتمعنا المصري أيما إضرار.