إن الرؤية الخارجية للأمور, لا تعني أنك ملم بها, ولا بجوانبها المتعددة, فالحكم عليها, يحتاج إلى التأني, والدخول إلى عالمها. فالذي يرى من الخارج, ليس كالذي يرى وهو في المعمعة, ولا يدرك ماهيتها, وينظر إليها بمنظار واحد, إذا كانت هناك أهواء تتحكم, وميول تتمكن من قلبه, وتستولى على روحه, وإنها من الأشياء الغريبة حقا, ألا يرى رغم القرب, ويعجز عن إصدار أحكام صحيحة خالية من جور.
حين تتعرى الأشياء, وتبدو في صورتها الحقيقة, قد ينتابك شيء, من ضيق أو دهشة, وأن ما ترى, ربما شيء لم تراه من قبل, رغم أنك منذ سنوات تعرفه, تحفظه عن ظهر قلب, أو ربما هذا ما كنت تعتقده, ولكن أن تراه, بهذا الشكل بلا ثياب أو حائل, بلا زي يداري عورته, إنك تتفاجيء, لما قد تقع عليه عينك وعقلك, إن السحابة, أو الغيمة التي كانت حائل عن رؤية الشمس, كنت تظنها أنها لن تخفي أكثر مما تعرف الأشياء على حقيقة العقول, على حقيقة ما تخلفه من أفكار, أو بواطن.
إننا نري أشكال ومظاهر متغيرة, ولكن الجوهر واحد, لا اختلاف في المضمون, وإن أختلف الهيكل الخارجي, البحث عن المعنى الحقيقي, خلف العقول والنفوس, لن يتغير جوهر بإختلاف ملبس وزي, إنما يختلف حين نعالج الخلل الداخلي في الأفكار والرؤى, حين نوعيهم على الفهم والتفكير, واعتمادا على أنفسهم وأفكارهم, إننا نعتد بتراثنا, ولكننا لا نقف عنده, نتأمله ونتعبد في محرابه, يجب أن نراه من زوايا أخرى, وفي حدود زمن معين, نقيمه بقيمته في زمنه, لنعلم مدى ما وصل إليه, وعلينا أن نضيف نبتكر, ونواصل المجهود في المعرفة والعلم, ولا نريد للأجيال القادمة, أن تقف عندنا, بل نريد منهم أن يكملوا مسيرة العطاء, أن يصلحوا الخلل, ويسدوا الفجوات, فالحقائق الإنسانية, تشترك فيها الإنسانية, وليس أبناء جيل واحد, أومذهب واحد, أو فئة معينة, أننا حين نؤمن فلا بد أن يكون إيماننا الأول بالإنسان وبالحياة, تعطي ولا تستأثر جيل على جيل أو فئة على فئة, كلنا أبنائها, ولا فرق لديها بيننا, جئنا في بداية الزمان أو أخره.