إن بدانة الجسد مع ضعف الروح, لا تجعل المرء قويا, إنما تجعله صورة كبيرة تحتل حيز كبير من الحائط, لكنها جوفاء خالية من المعنى, رأيت رجلا يضع فوق رأسه عمة كبيرة, ويملك من المال الكثير, يقف له الجالسون, وينصت له المستمعون, ويعلوه وقار مصطنع, فإذا تكلم بغثاء, حمده الحامدون, وأثنى عليه الجموع, وأمنوا على أحاديثه بالتقدير وألصقوا بها الحكمة, فالرجل لا يملك سوى المال, فهو خبير في إكثاره ونموه, ولا تتعدى حكمته إن كانت هناك حكمة, سوى في الحرص الشديد على المال, وهو في غير ذلك فأرعن لا يخوض في حديث إلا تكشف لك عن قلة عقل, وعدم إكتراث, وقلة ذوق متناهية, وليس هناك من يجرأ على تخطئته أو التعقيب على ما يخرج من فمه من روث, فليس له ولا لمنطقه الإحترام والمهابة, إنما يقفون لماله موقف الإحترام, فله السطوة على نفوسهم, ولكن سطوته أيضا لمن هم لا يعنيهم من الحياة سوى المال, والتقرب إلى أصحاب المال, فهؤلاء هم أشد الناس فقرا, ليس فقرا في العقول والشعور فقط, إنما هم أيضا فقراء في المال, الذي يجلونه, ويجعلون له المكانة العيا, لأنه أحرص الناس عليه, وكل ما يفعلونه أنهم يطوفون حوله, سواء أكان لهم أم لغيرهم, فلا يتصرفون فيه إلا بما يخدم أجسامهم, فيجعلها تزداد شحما ولحما, وتضعف فيهم الملكات الإنسانية التي تعلو بهم عن مصاف الحيوانات, فهم أمامه كأنها شيء أعجم, لغة لا يعرفونها ولم ترقى إلى أذهانهم يوما ما, فهم عبأ على أنفسهم وعلى الحياة, عيونهم ملتصقة بالمال, لا تغادرها لشيء أخر, فتحيط بهم هالة عظيمة من الظلام, يعمي عيونهم عن كل ما هو جميل رائع, إنما يعيشون ويموتون ولا فرق بين الحالتين, إذ تفنى أبدانهم وتتحلل لحومهم, فلا يبقى لهم منهم سوى اللا شيء, بعد أن ظنوا الحياة في تكوين الثروات وكثرة المال, الذي يؤمنون بها بدانتهم, وعلو مكانتهم بين من لا يحسنون معرفة الحياة, من أمثالهم أو فرقتهم التي تعاونوا فيها ليجعلوا للحياة معنى كاذب, يخدعون به أنفسهم لضعفهم عن أن يكون ذوو نفوس قوية ومشاعر إنسانية, تضيف لها الحياة ويضيف إليها من نفسه, بعد أن يمتزجا ليشعر بإنسانيته .......ولا أدري كيف يحق لإنسان أن يكون له مكانة, ولا يمتلك سوى المال, الذي هو عبد له تطارده الأوراق والعقارات وتغزو نفسه حتى لا ترى له بقية باقية سوى التبجيل المزيف, والإنحناء لماله, إنها مقاييس حياة, فرغت من المعنى, فتركت للمال حرية التصرف, فجالت وصالت وظنت أن المعنى كل المعنى كامن فيها وليس في شيء أخر, يطمس المال على النفوس وعلى البصائر حتى يكون لها قانونها فليقى القبول في عالم خاوي خالي من المعنى خالي من الحس والشعور.