الأضحية سنة مؤكدة عند جمهور الفقهاء ، ولم يوجبها غير الإمام أبي حنيفة رحمه الله ، وهناك من الفقهاء من كره المداومة على التضحية ، خشية أن يظن الناس فرضيتها بهذه المداومة ، اقتداء في هذا بسيدنا أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، حيث روي أنهما كانا لايضحيان خشية ان يعتقد الناس فرضية التضحية . .
وفي المعنى نفسه روى أن ابن عباس رضي الله عنه أعطى عكرمة مولاه درهمين وقال : اشتر بهما لحما ، ومن لقيك فقل هذه أضحية ابن عباس .
ولم يفعل ابن عباس رضي الله ذلك عن فقر -فقد كان رضي الله شديد الثراء - ولكن عن اجتهاد منه ورأي ، لما روي عنه أنه قال : عندي نفقة ثمانين سنة كل يوم ألف .
أما سيدنا بلال رضي الله عنه فقد روي عنه أنه قال : لاأبالي إن ضحيت بديك ، ولأن آخذ ثمن الأضحية فأتصدق به على مسكين أحب إلي من أن أضحي . ومن هنا أجاز ابن حزم رحمه الله التضحية بديك ونحوه .
وعن الشعبي رضي الله عنه أنه قال : لأن أتصدق بثلاثة دراهم أحب إلي من أن أضحي .
وأجاز الشيخ الهاروني الحسني صاحب كتاب التجريد في الفقه الزيدي ٦/ ٤٢١ أن يشترك الثلاثة والأكثر في التضحية بالشاة و لو لم يكونوا من أهل بيت واحد ، استدلالا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، حين عمم في أضحيته ؛ فقال هذه عني وعن أمتى " قال : وأمته صلى الله عليه وسلم أهل بيوت مختلفة .
و الخلاصة هي أنه من أراد أن يضحي ولو ببعير فليفعل مادام قادرا ، وله الثواب الجزيل عند ربه ، ومن كانت مقدرته لاتمكنه بأكثر من أن يشترك مع غيره ثلاثة او أكثر في شاة فليفعل ،
ومن نوى التضحية بديك فهو جائز على رأي ابن حزم ، ومن أراد أن يكتفي بالصدقة ولو كان قادرا فليفعل ، أسوة بهذه الآثار الواردة
عن سيدنا بلال رضي الله عنه والشعبي .
والمهم في كل ذلك هو إحسان النية ، فهناك من أصحاب الثروات الضخمة من يمنعون الفقراء حقهم من ملايين الملايين من أموال الزكاة الواجبة عليهم ، ويأبون إلا التضحية بعدة بقرات سمان سمعة ورياء حتى يحمدهم الناس .
فهؤلاء لو ضحوا ببهائم الأرض كلها لن تغنيهم أمام ربهم عن حبس زكواتهم عن مستحقيها ، ولو طارت الركبان تتحدث عن جودهم وكرمهم .
المسألة ياسادة خلافية وتتسع للجميع ولامعنى للتضييق على أحد ، ولالمحاولة حسم الخلاف فيما هو مختلف فيه بإلزام الناس برأي معين ، فالاختلاف رحمة .