فالدين هو شريعة الله الصافية كما نزلت من السماء ، أما التدين فيعني طريقة ممارستنا
لهذا الدين .
وأقول : نحن نحتاج إلى تجديد التدين بعد أن أصبح واضحا وضوح الشمس : أن المشكلة لاتكمن فقط في الجهل بأحكام هذا الدين " الإسلام " ولكنها تكمن أكثر في سوء تطبيقه وربما من جانب من ينصبون أنفسهم سدنة له وكهنة .
والواقع يثبت أنه كم من أمي لايقرأ ولايكتب ولكنه يطبق الدين بفطرته السوية - لأن الإسلام دين الفطرة - وكم من متلبس بهيئة العلماء الزهاد ولباسهم ، والدين عنده محصور في طقوس فارغة المضمون والقيمة ، ومظهر متخشع ليس إلا …
وكم رأينا رجالا ونساء تعجبك وتأسرك هيآتهم الخشنة المتزهدة ، فإذا ماعاملتهم أبصرت الدنيا متربعة في قلوبهم ، وهم فيها أفاقون منافقون يستحلون الكذب ويتحركون حيثما تتحرك مصالحهم ، هذه المصالح التي يئدون لأجلها المروءة ويذبحون مكارم الأخلاق .
إنه ذلك الفصام النكد بين المظهر والمخبر ، والعلم والتطبيق !!!!
نحن المشتغلين بالدراسات الإسلامية في حاجة ماسة إلى أن نتوجه في مصنفاتنا ومحاضراتنا وتربيتنا للأجيال إلى ما أسماه أبو حامد الغزالي " إحياء علوم الدين" وموسوعته التي صنفها في ذلك ، فالدين المعاملة، والدين خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين .
والنبي صلى الله عليه وسلم اختصر الهدف الذي لأجله أرسل في قوله " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ووصفته السيدة عائشة بقولها " كان قرآنا يمشي بين الناس "
وبالمناسبة كتاب " إحياء علوم الدين " من أعظم ماصنف في محاربة التدين الطقوسي ، وقد قسم المصنف الإمام أبو حامد الغزالي كتابه هذا إلى أربعة أقسام: العبادات والعادات والمهلكات والمنجيات .
يعني نصف الكتاب في معالجة أمراض القلوب ، يشخص الغزالي الداء بخبرة نفسية غواصة خبيرة بالداءات المهلكة ، ثم يصف العلاج المنجي بالمهارة نفسها .
والداء والدواء عنده قائم على فلسفة : التخلية ثم التحلية .
يعني باختصار كيف يخلي الإنسان نفسه من رذيلة ما ليستبدلها بالفضيلة التي تحل محلها حتى تقضي عليها ، وهو يقدم الداء والدواء تقديم الخبير بالنفس ودروبها ومشكلاتها ومايصلح لعلاجها وكيف ؟
ولايخلو كلامه في باقي الكتاب في ربعي العبادات والعادات من الجانب الروحي والقيمي ، حتى لاتخلو العبادة من سرها ومعناها وينبت الإخلاص في القلب ، وهذا هو الهدف الأكبر من وراء تصنيف هذا الكتاب .
والخلاصة أن الإمام الغزالي رحمه الله وهو صاحب المصنفات الضخمة في الفقه وأصوله والفلسفة ومذاهبها ، رأى ان يعود بالناس في كتابه هذا إلى جوهر هذا الدين، الذي هو "التزام مكارم الأخلاق "وهذا هو التجديد الحقيقي للدين ، أو بعبارة أخرى " إحياء علوم الدين " بعد أن كاد ينمحي وتذهب معالمه وراء طقوس وشكليات فارغة، وهي الحالة نفسها التي نعانيها ونعاينها الآن .