تفصيل السؤال :
إذا حدث و رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يأمرني بفعل شيء ، هل يجب علي العمل به أم لا ؟
الجواب
أقول : ورد في الحديث الشريف الذي رواه مسلم وغيره بروايات متعددة " من رآني في المنام فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل بي "
وهذا الحديث على صحته إلا أن شراحه من المحدثين وبعض الفقهاء قد اختلفوا في معناه على أقوال عدة ،فهناك من وسع في مدلول الحديث حملا على ظاهره ، وأفتى بأن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم مناما في أي زمان أو مكان فقد رآه على الحقيقة ، وسواء أكان قد رآه على صورته التي وصفها به الصحابة رضوان الله عليهم والتي تسمى بحليته صلى الله عليه وسلم أم لا ، لأن الشيطان لا يتمثل بصورته صلى الله عليه وسلم ، ومن هؤلاء المازري والنووي رضي الله عنهما .
وهناك من المحققين من الفقهاء و الشراح كالقاضي عياض مثلا من قصر هذا الحديث على الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام على صفاته الحقيقية المذكورة في الكتب والمنقولة عن عدد من الصحابة رضوان الله عليهم ، ولايقيدون هذا الحديث بزمان ولاأشخاص ، فكل من رآه صلى الله عليه وسلم على صورته الحقيفية فقد رآه حقا ،واختاره ابن حجر رضي الله عنه .
أما من رأى النبي صلى الله عليه وسلم على خلاف شيء من هذه الأوصاف المنقولة والمعروفة بحليته صلى الله وسلم ، فهذه من قبيل أضغاث الأحلام ولا يؤخذ بها بل ولايجوز أن يحدث الرائي بها أحدا .
وهناك من المحدثين من قصر الحديث على من رآه صلى الله عليه وسلم من الصحابة رضوان الله عليهم ، الذين عايشوه فقط ، ورأوه حقيقة ، فهؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم حين يرونه صلى الله عليه وسلم مناما وأمرهم بشيء أو نهاهم عنه فكأنهم رأوه صلى الله عليه وسلم على الحقيقة .
يعني كأنهم قصروا هذا الحديث على جيل الصحابة رضوان الله عليهم ولا يتعداهم إلى غيرهم ، ومن هؤلاء ابن جزي رضي الله عنه الفقيه المالكي المعروف ، وقال نصا : لاتصح رؤيا النبي قطعا إلا لصحابي رآه حافظ صفته حتى يكون المثال الذي رآه في المنام مطابقا لخلقته ( القوانين الفقهية ص ٣٧٩ ط دار الفكر ) وانتصر لهذا الرأي بشدة كذلك الشيخ مصطفى الزرقاء الفقيه الشامي المعروف في كتاب له مشهور .
وبعد فأقول : من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وسلم في زمننا هذا ، يأمره بفعل شيء أو ينهاه عنه ، لايصطدم والنصوص من القرآن الكريم والسنة الصحيحة ومقاصد الشريعة ومكارمها ، كأن يأمره بالعفو عن أحد، أو بالزيادة في الطاعة أو بالحرص على الذكر بصيغة صحيحة أو نحو ذلك ، فهذه الرؤية تلزمه ، وعليه أن يواظب على ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الحال في النهي عن فعل شر ، سواء أكان هذا الشر كبيرا أم صغيرا ، كأن ينهى النبي صلى الله عليه وسلم الرائي عن أذى أحد أو الانتقام منه أو أن يقطع رحمه ، أو نحو ذلك.
وأنتهز الفرصة هنا لأنبه إلى أن رؤياه صلى الله عليه وسلم في المنام بشرائطها المعتبرة وإن كانت من المبشرات ، إلا أنها ليست وسيلة للتباهي أو الاغترار بالنفس أو العمل أو اعتقاد الكرامة، فالاستقامة على الطاعة خير من ألف كرامة كما قال المحققون من العلماء ، والرؤيا إن صدقت لاتلزم غير صاحبها على كل حال .
و الله تعالى أعلم .