في معرض الكتاب يلفت نظرك عشرات العناوين على مضامين فارغة لاقيمة لها .
غاب الإبداع حقيقة إلا ماندر وفي حالات معدودات ، بل وغاب مجرد التعمق في عرض الفكرة وتأصيلها وتحليلها ونقدها ، وهذا كما يقال أضعف الإيمان في ميدان التصنيف العلمي .
يعني إذا عجزت أيها الكاتب عن أن تكون مبدعا في فكرتك وطرحك ومعالجتك ، فلا أقل من أن تسوق لنا كلاما علميا مؤصلا موثقا .
…………………….
ولاأدري لماذا يصر المتخصصون في الدراسات الشرعية على اتباع هذه الطريقة العقيمة في التصنيف ، أعني تلك التي تعتمد على سرد الآراء والأقوال في مسودة طويلة تمتد لعدة صفحات ، كل رأي بأدلته كلها وتعقبات أصحاب وجهة النظر الأخرى عليه ، مصحوبا بأدلتهم وأجوبتهم في حوار مطول ممل ، والمؤلف صاحب الكتاب الذي من المفترض أن يعرض علينا عقله وتفكيره ومنطقه وتوجهه الفكري : غائب تماما عن المشهد لايكاد يرى أو يسمع له صوت ولارأي ، فقط هو ناقل ومتحدث عن الغير ليس إلا ، ثم بعد عدة صفحات وبعد أن يسلك بقارئه جميع الطرق الفرعبة غير الممهدة ، تراه ينهي نقله العبثي هذا بالجملة الشهيرة : والراجح قول الجمهور لقوة الأدلة .
——————————-
أنا عن نفسي أقسمت بأغلظ الأيمان بأن لا أضيع وقتي ولاأنفق مالي في قراءة هذه الكتب الخداعات ، إفراز العقول الفارغة المتيبسة في مكانها ، لأنه حين يكون عمل الكاتب مقتصرا على مجرد سرد الأقوال وبهذه الطريقة المميته ، فهذا خداع في خداع .
ليس ذلك فقط بل إن هذا الكاتب في رأيي رجل لايحترم عقول قارئيه ، ولايريد أن يؤسس لمعرفة حقيقية ، ولالنهضة علمية فكريه . بل إنني أقول : إن هذا الكاتب قد يكون بابا كبيرا من أبواب الإفساد والتشويش الفكري ، لأنه حين يكتفي كاتبه بالنقل عن القدماء في بيئات مختلفة وظروف زمانية وحالية مختلفة ، فإنه كثيرا ماينقل كلاما لم يعد مقبولا بين العالمين في عصرنا على الإطلاق ، فيتهم الدين نفسه بالرجعية والتخلف .
———————————
أعود فأقول لك أيها القارئ الواعي : إياك وخداع العناوين ، وحاول أن تتصفح فهرس الكتاب ونتائج دراسته قبل شرائه ، فإذا وجدت محتواه العلمي يطل عليك من الماضي السحيق فدع عنك هذا الكتاب ، وخذ قرارا سريعا بأن لاتضعه بين أرفف مكتبتك ، حتى لايزاحم مالا أهمية له ماله أهمية .
فالكتب الحقيقية تشبه البحر الكبير يتجدد ظاهره وباطنه باستمرار ، لأن الفكرة فيه تولد أفكارا بداخلك فترى الكتاب الجيد يحدثك عما لم يخض فيه مؤلفه ، ويحل لك معضلات لم تواجهها بعد ، ويصلك بماضيك وحاضرك ومستقبلك ، ويجعل منك إنسانا منفتحا على كل الثقافات ، لأنه بنى عقلك ونفسك وإنسانيتك ، أما هذه الكتب الخداعات فهي تشبه المصارف المغلقة التي تتعفن فيها الكائنات سريعا ، وهي مصدر لكل الأوبئة الفتاكة ، وإن استمدت ماءها في الأصل من نهر كبير .
وقديما سمعت من أساتذتي العلماء هذا القول الذي يشبه الحكمة المأثورة : ( ماأضاع العلم إلا كثرة الكتب ) يعنون بذلك قطعا هذه النوعية من الكتب التي تشوش الذهن وتميت الفكر وتخنق الإبداع وتقدف بالحاضر إلى الماضي السحيق ، فكن حذرا منها أشد الحذر .