فكرة وحدة الوجود فكرة فلسفية غامضة ترتكز في جوهرها على عقيدة الإيمان بالموجود الحق الذي ليس في الوجود حقيقة غيره ، فالمؤمنون بوحدة الوجود يرون أن كل هذه المخلوقات التي نراها ماهي إلا أشباح لاوجود لها في الحقيقة ، لأن الله والطبيعة والموجودات حقيقة واحدة متحدة فيما بينها، وتعبر عن ذات واحدة هي الذات الإلهيه .
والصوفية الحقة يرفضون هذه الفكرة التي تضاهي عندهم فكرة الحلول والاتحاد ، ومن ثم كان الرفض التام من قبل هؤلاء المحققين للحلاج ومحي الدين ابن عربي وابن سبعين وكل من يتدين بهذه الفكرة ، وإن ظل هناك من يحاول تأويل كلام ابن عربي ملتمسا له ولغيره المخارج من ظاهر ماتلفظوا به من أقوال مشكلة ، إذ يرونها من قبيل ضيق العبارة حال اتساع الرؤيا .
يعني أنه في حال تحقق الصوفي بمقام الشهود تضيق عبارته عن وصف مايعاينه ، لأن مايعاينه فوق الطوق البشري فتضيق عبارته ، وقد يخرج من حال الصحو إلى حال الغيبة أو السكر فيقول مالايدرك ، أو مايشكل فهمه على ظاهره .
ولكن القرآن الكريم في علاقتنا بالكون والموجودات وجهنا توجيها آخر بهدف أن نتجانس مع الكون في علاقتين: علاقة تسخير وانتفاع وهذه لإعمار الحياة ، وعلاقة تأمل واعتبار وهذه الأخيرة تدفعنا إلى تأمل كل ماخلق الله لنقف على حقيقة المبدع والفاعل الأعلى ومن بيده ملكوت كل شيء .
يعني من المهم أن ندرك وأن نرى ونتأمل ونستنتج ونتحقق ، أما أن نغيب عن عالم الشهادة تفلسفا بأنه لاوجود للمخلوقات في الحقيقة ،فهذا معناه الفرار إلى معان غير معقولة ولامرادة للشارع ، لأن الله تعالى لم يخلقنا ويخلق لنا هذا الكون بما فيه ومن فيه من مخلوقات مسخرة لمنافعنا لنعيش في غيبوبة عنه .
إن المطلوب أبعد وأعمق من ذلك بكثير ،
مطلوب من المؤمن أن يعيش الحياة بكل تفاصيلها ومباهجها ، مع الترقي الدائم في مقامات المجاهدة والقرب حتى ينتقل بروحه من عالم الحس إلى ماوراء الحس ، ومن الشهادة إلى الشهود، ومن الملك إلى الملكوت ، ومن السجود على الأرض إلى السجود في مواطن القرب ، وهذا هو الترقي الحقيقي.
فالمؤمن الحق يمكنه أن يعيش بين الناس يروح ويجيء ويبيع ويشتري ويتنزه ويبتهج بزينة الحياة الدنيا ، ولكنه دائما في حالة حضور مع ربه ، فهو أمامه وتجاهه ولايغيب عن عين قلبه ، يعيش الشهود والحضور والمراقبة والتجلي والتحلى .
يعلم أنه عبد لله يصرفه أنى يشاء ، ولكنه يخوض في الأسباب إلى نهايتها وهو مستسلم ليد القدرة استسلام الضعيف المقر بعجزه وعوزه .
و هذا هو المراد الأعلى …..
يعني باختصار : مطلوب من كل واحد منا أن يعيش الحقيقة ولايفر منها إلى معان غير معقولة ولاأظنها مرادة.