من الاستفتاءات التي وصلتني :
هل يجب علي خدمة حماتي ؟
باديء ذي بدء أقول :
هذه مسألة حياتية وليست فقهية ، فليس لدي نص لافي كتاب ولافي سنة تعرض لمثل هذه العلاقة الإنسانية وأشباهها ، فهذه تركت للفطرة والطبيعة ومروءات الناس ولظرفيات الحياة التي يعيشونها والأعراف ونحو ذلك .
ولكن :
اسمحي لي أن أخرج عن عباءة الفقه في الإجابة عن هذا السؤال ،وأجيبك من منطلق إنساني بحت.
وباديء ذي بدء أتساءل :
من هي حماتك ؟
الجواب :هي تلك المرأة التي قدمت لك وبأريحية شدية أغلى وأنفس ماتملك ، أو قدمت لك عمرها كله لتنعمي أنت به وبثماره اليانعة ، فهذا الطبيب أو المعلم أو المهندس أو غيره ، ماهو إلا صناعة هذه المرأة وعمرها ومستقبلها …
ثم إنها شئت أم أبيت جدة أولادك أو ستكون جدتهم …
ومن مباديء ديننا القويم أن الإحسان لايجازى إلا بالإحسان ، وأن كل من قدم عملا صالحا لأحد يجب أن يرد إليه كفأه أو شيئا من معروفه" هل جزاء الإحسان إلا الإحسان "
ومن عدل الله تعالى أن قرر في كتابه الكريم أن من يقدم خيرا سوف يثاب عليه حتى وإن كان قد شاب إيمانه شيء لايرضيه " ومايفعلوا من خير فلن يكفروه …"
واذا كان الحد الأدنى في التعامل بين الناس هو العدل ، فهل يكون من العدل تجاه هذه الأم الحماة أن تعامل بندية أو بتعالى أو بتجاهل ؟ ولا أقول إساءة أو أذى فهذا
مالا يصدر إلا عن منكوسة الفطرة أو معدومة الخلق والرباية .
باختصارشديد أقول لك أيتها السائلة : عاملي أم زوجك كما تحبين أن يعامل هو أمك ،وربي أولادك على برها ومودتها واحترامها ، كما تحبين أن يكونوا مع أمك ..
واذا كان الله تعالى قد رزقك صحة أو وقتا أو مالا ، فلا تضني عليها بما يعزز من الألفة والمودة بينكما ، نعم لاتجبرين على ذلك فقها ، ولكن مروءة !!!
ولكن…
اذا كنت مبتلاة بحماة من أولائك اللواتي لايزلن لديهن فكرة أن زوجة الابن هي الخادمة بلا أجر ، تخدمها وزوجها وأبناءها وبناتها ….وفي الوقت نفسه تتعمد إجلاس بناتها ملكات على العرش ، لتقومي أنت بخدمتهن ، فأقول لك وبكل وضوح : لاتسمحي لنفسك أبدا أن تكوني على هذه الصفة ، فأنت تخدمين أم زوجك من باب المروءات كما ذكرت سلفا ، وحين تنقلب هذه المروءة إلى أذى أو استعباد أو وإذلال ، فلا..
وعلى زوجك أن لايرضى لك الإساءة هكذا ، وماأجمل أن يتعامل الجميع كأسرة محبة متعاونة ، يبذل كل فرد مايمكنه بذله إسعادا لغيره وتوددا وتحببا .
وعليه كذلك أن يكون حكيما فلا ينحاز لإحداكن على حساب الأخرى .
فهو حين يجلس إلى أمه فهو ابن ، وحين يجلس إليك فهو زوج ، وشتان مابينهما !!!
وكم شاهدت من زوجات تقدم بكليتها على خدمة أم الزوج لحسن عشرة زوجها لها ، فعلاقة الزوج بزوجته محدد أساسي في علاقة زوجه بأمه .
وفي المقابل كثيرا ماتنتقم الزوجات لنفسها من زوجها في شخص أمه …
والخلاصة :
لايوجد أفضل من التعامل بالمروءات ، والعلاقات الإنسانية ليست مسائل حسابية رقمية ، انها أسمى من ذلك وأرقى ، وكل يقدم لنفسه في قابل أيامه ، وكما تدين تدان .
فحين تتقى الحماة ربها في كنتها يرسل الله لها من يتقيه في ابنتها ، وزوجة الابن إذا اتقت الله في حماتها رزقها الله بمثلها في قابل الأيام والعكس .
فكنة اليوم هي حماة الغد ، وسيرد لها حتما ماقدمت من خير أوشر .
ولكن على كل حال : يجب أن تصان الأمهات عن الاستجداء ، ويعاملن بالفضل لابالعدل وبالتكريم لا بالندية .
و" قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم " صدق الله العظيم .