في كتابه الإتقان في علوم القرآن : ذهب السيوطي رحمه الله يعدد الشروط الواجب توافرها فيمن يؤهل نفسه للاجتهاد في تفسير القرآن الكريم ، ذكر منها الشروط المعلومة لنا جميعا ؛ العلم بالسنة واللغة والبيان والقراءات والناسخ والمنسوخ ... الخ ، ثم قال: وعلم الموهبة ، وهذا شرط يحتاج إلى أن نضع تحته عدة خطوط ، وحتى لاتتوه بنا السبل في محاولة الوقوف على مراد السيوطي بعلم الموهبة ، نراه رحمه الله يكفينا هذا العناء حين أوضح لنا طريق تحصيل هذا الشرط بقوله : وهو علم يورثه الله تعالى لمن عمل بما علم ، مستدلا بما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من عمل بما علم ورثه الله علم مالم يعمل ) .
حقيقة نحتاج في مشوارنا العلمي إلى قدر من الإخلاص يربو كثيرا فوق مانتسابق إلى تحصيله من كم المعلومات ، ثم إن الإخلاص هو الذي يولد نور القلب والعقل ، فيزكو العلم وتتضاعف قدرة هذا العالم المخلص على الاستنباط والتخريج والتفريع والتحليل والاستناج والنقد والموازنة الخ. وهذه كلها عمليات عقلية تحتاج فعلا إلى علم الموهبة .
أعلمتم ماوراء نهي كثير من العلماء عن تعليم بلداء العقول العلم ، لأن ذلك فوق أنه إهدار للأموال والطاقات : حتما سيكون غرسا في أرض بور ، لأنه مع معدوم هذه القدرات كلها ، التي هي من نور الله ، وعلى يديه سوف يتحجر كل شيء ، فيقف الزمن وتتجمد الحياة بالناس ، ويعيشون قوالب بشرية في زمان من الماضي السحيق .
قطعا الحديث هنا عن المراحل المتقدمة في العلم التي ينال بها أصحابها مراكز الريادة في الأمة ، فهذه حين تكون لبلداء العقول تساوي الكارثة ، أما المراحل الأساسية في التعليم التي ترفع الجهل بمعيار كل عصر وظروفه فهي حق لكل إنسان ، بل وواجب ديني مقدس .