بعد ان أفاض فضيلة الإمام الاكبر اليوم في تفسير قوله تعالى " واضربوهن " في ضوء النصوص القرآنية الناهية نهيا قطعيا عن مضارة الزوجات " نحو قوله تعالى ولاتضاروهن لتضيقوا عليهن " والآمرة بالإحسان إليهن نحو قوله تعالى " وعاشروهن بالمعروف " خلص فضيلته إلى أن حكم ضرب الزوجات : هو الإباحة اضطرارا ، إن كان يعلم الزوج أن هذه الخطوة سوف تنقذ بيت الزوجية من انهيار محقق .
وأضاف فضيلته : أن الضرب بهدف الأذى والاعتداء محرم قطعا ، بل ويوجب القصاص من المعتدي الضارب ، مستدلا على ذلك بفعل سيدنا عمر رضي الله عنه حين اقتص للقبطي من ابن والي مصر وقتها عمرو بن العاص ، حين لطمه زاعما أنه ابن الاكرمين ، يعني لاعقاب عليه ولاقصاص مهما فعل !!
وتأسيسا على ذلك أقول : في كل حوادث ضرب الزوجات في بلدنا وربما على مستوى بلدان المسلمين ، أستطيع أن أجزم بأن هذه العقوبة لاتتم إلا من قبل بعض المصابين في رجولتهم من الأزواج .
يعني أولائك الذين يفشلون في إدارة بيوتهم بشكل يليق بأخلاق الرجال ، فيلجؤون إلى الضرب الذي يصل إلى حد العنف ، لأن تلك هي الوسيلة الوحيدة التي بها يظهرون تفوقهم الجسدي على أبدان زوجاتهم المنهكة من الخدمة مابين البيت والعمل .
وأكاد أجزم بأنه لاتوجد حالة واحدة من بين آلاف حالات ضرب الزوجات ، التى وصلت إلى ساحة القضاء ،كانت قد تمت بقصد الإصلاح .
ولو فرضنا جدلا أن مجتمعنا لا يخلو من أزواج عقلاء يعلمون كيف يستخدمون هذه الإباحة الاضطرارية - ضرب الزوجة الناشز - في موضعها ، فهل يظن أن هناك امرأة واحدة في عصرنا هذا يصلحها هذا الضرب ، اللهم إلا إذا كانت غير سوية في الأصل ؟ وهل يعقل أن تؤسس الشريعة الإسلامية العادلة الرحيمة لهذه العقوبة لأجل حفنة من النساء اللواتي بطبعهن غير سويات ؟
نحن الآن في عالم مختلف ، وإلى عهد قريب كان الطفل يمد على رجليه من معلمه أو سيده في الكتاب ، ولايجد غضاضة لاهو ولاأهله في ذلك ، لأن هذا الأسلوب وقتها لم يكن مرفوضا مجتمعيا ولاقانونيا .
والآن أصبح ضرب الأطفال مجرما قانونا في جميع المؤسسات التعليمية ، وحين يلجأ إليه المعلم يعاقب ولو كان ضد تلميذ متشرد ، لأنه ببساطة لم تعد هذه العقوبة في نظر المجتمع اليوم وسيلة إصلاحية تهذيبية ، بالنسبة لعامة أطفال هذا العصر ، حتى وإن وجدت بعض الحالات الاستثنائية غير السوية ، التي ربما يصلحها الضرب ، لأن هذا الاستثناء لايمكن أن تنكسر لأجله القاعدة ، ومن ثم لايعقل ان تكون هناك شرعنة لمثل هذه الحالات الاستنائية ، حتى لاتتحول بمرور الوقت فتصبح هي القاعدة .
أستطيع إذن أن أقول ؛ إنه في ظل التغيرات المجتمعية الراهنة ، ووجود واقع إحصائي يثبت أن ضرب الزوجات الآن أصبح أقرب إلى العنف والإجرام منه إلى الإصلاح والتهذيب : في هذه الحالة وبهذا التوصيف يصبح الحكم الفقهي الأنسب : هو حظر وتحريم هذه الإباحة ، بل ويصبح من حق السلطة التشريعية استصدار قانون يجرم هذا السلوك ويعاقب من يرتكبه ، تأسيسا على كلام فضيلة الإمام اليوم ، بل وتأسيسا على قول عامة الفقهاء الذين قرروا أن الضرب للتعدي يوجب القصاص من الضارب المعتدي زوجا كان أو غيره .
بل إن الفقيه المالكي الشيخ الدردير في كتابه الشرح الكبير ٢/ ٣٤٥ يقرر أن سوء عشرة الزوج لزوجته يوجب التأديب زيادة على التطليق ، من قبل القاضي إن رفعت الزوجة أمرها إليه .
ويرى الفقيه ابن فرحون المالكي أن تحويل الزوج وجهه عن زوجته في الفراش ،من الضرر الذي يبيح لها طلب التفريق إن كانت تتأذى بذلك .
بينما يرى الفقيه المقاصدي ابن عاشور : أن ضرب الزوجة الناشز ، يختلف الحكم فيه من بيئة لأخرى ، ومن زوجة لأخرى ، وأنه إذا أسرف الأزواج في استعمال هذه العقوبة بحيث تصبح اعتداء ، يكون للحاكم الحق في الضرب على أيديهم ومنعهم من ممارستها ضد زوجاتهم .
وأخيرا أقول : يكفي لأن أقول على الأقل بكراهة سلوك ضرب الزوجات : أن قال صلى الله عليه وسلم " ولن يضرب خياركم "
وفي حديث آخر بين صلى الله عليه وسلم : أن هذا الضرب لايباح إلا في حق الخائنة لفراش زوجها بما دون الزنى ، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم " ولكم عليهن أن لايوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح "
ولاحظوا معي أنه حتى في هذه الحالة يجب ان يكون الضرب غير مبرح ، يعني لااعتداء ولاتجاوز ولاإهانة للزوجات مطلقا .
أقول : ومن الممكن أن يكون هذا الحديث بيانا لمعنى النشوز في الآية " واللاتي تخافون نشوزهن .. " أو تخصيصا له ، لاتساع لفظ النشوز لدلالات ومعان شتى ، بدءا من التعالى على الزوج ، وانتهاء بخيانة فراشه بما دون الزنى .
والخلاصة : نحن نرفض ضرب الزوجات ونرى وجوب تشريع قانوني يحظر هذه العقوبة ، ويعاقب من يفعلها ، لإسراف الأزواج في عصرنا ، وتعديهم وعدم تعقلهم في استعمال هذا المباح الاضطراري أو الاستثنائي ، والقاعدة ان للحاكم حظر المباح للمصلحة العامة . هذا على القول بأن هذه العقوبة مباحة في الأصل .
أما في رأيي فحكمها في الأصل مابين الكراهة والحرمة ، تبدا بالكراهة إن استخدمت في موضعها وبشرائطها الشرعية ، لقوله صلى الله عليه وسلم " ولن يضرب خياركم " وتنتهي بالحرمة مع التجاوز والتعدي ومع وجوب القصاص في هذه الحالة .
ولأننا في مجتمع لايميز بين هذه الدرجات الفقهية في الأحكام ، فما من حل غير تشريع قانوني يحسم هذا الجدل وينهي هذا الاعتداء و التجاوز .