عرض واف لكتاب من أهم كتبي " المغتصبة وأحكام الستر عليها في الفقه الإسلامي " قام به مشكورا تلميذي الفاضل وباحث الدكتوراه : الشيخ أبو بكر
أعتذر لفضيلته عن التأخر في النشر لعدم رؤيتي لمنشوره في قائمة الانتظار قبل اليوم ، مع التوجه بالشكر الجزيل لسيادته على هذا الجهد الشاق وعلى هذه القراءة العميقة ، التي لاتتأتى إلا من فقيه متمرس .????????
بعد واقعة عروس محافظة الشرقية التي طُلقت ليلة زفافها, بدعوى عدم وجود أثر لغشاء البكارة, عاودت الرجوع إلى كتاب (المغتصبة وأحكام الستر عليها في الفقه الإسلامي) لفضيلة الأستاذة الدكتورة زينب عبد السلام أبو الفضل, قاصدا تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة حول هذا الشأن الحساس, وطبعا ليس كما تصوره الشائعات التي ضخمتها الدراما بأنه صنبور من الدماء يسيل, بل هو نقطة دم يسيرة قد تذوب في الإفرازات المهبلية, وتزول أثرها فلا يراها أحد من الزوجين فاستعنت بالله, واقتبست شعلة نور من هذا الكتاب المبارك, وألقيت منه محاضرتين في مسجدي, وهذا هو تلخيص الكتاب, والذي يتناول ستة مسائل مهمة, وهي:
1ـ أسباب زوال البكارة.
2ـ الأشياء التي يثبت بها الزنا.
3ـ حكم رتق غشاء البكارة.
4ـ حكم زواج الزاني من زانيته.
5ـ حكم إسقاط جنين المغتصبة .
6- حكم تنسيب ولد المغتصبة .
أما عن أسباب زوال البكارة: فقد تولد الفتاة أصلا من غير غشاء, أو يزول بالوثبة والقفزة, أو الحيضة الشديدة, أو طول العنوسة, فلا يلزم من عدم وجوده أن الفتاة زانية.
وأما الأشياء التي يثبت بها الزنا, فيذكر الفقهاء منها ثلاثة, اتفقوا على اثنين منها: الأول: الإقرار والاعتراف بالزنا كما في قصة ماعز والغامدية, الثاني: البينة المؤكدة بأربعة شهود عدول؛ صيانة للأعراض, وإلا فالعقوبة هي حد القذف إذا لم يكتمل نصاب الشهادة, والأولى بهذه العقوبة مَن طلق عروسه ليلة زفافها وقذفها واتهمها بالزنا وبعد الكشف عليها طبيا, وُجدت أنها لا زالت بكرا, وأن العيب فيه, لا في هذه البريئة.
واختلفوا في الثالث: وهو الحمل قبل الزواج, وإذا اختلفوا في الحمل هل يثبت به الزنا قبل الزواج أم لا؟ فقد اتفقت كلمة الفقهاء والعقلاء على أن زوال غشاء البكارة لا يدل على الزنا ، ولايسوغ اتهامها في عرضها ولا عرض أهلها, فما أحوج الشباب المقبل على الزواج التعرف على هذه الحقائق! والتي بجهلها قد تُهدم البيوت, وتتحول الأفراح إلى أحزان وعداوات بين الأسر والعائلات.
أما عن حكم رتق غشاء البكارة بعملية جراحية, فقد اتفقت كلمة الفقهاء على عدم جواز استرجاعه لمن اشتهرت بالفحش والبغي, لما فيه من غش وتدليس على الزوج, واختلاط للأنساب, وتشجيع على الفاحشة, وكشف للعورة, وفي مثلهن كما يوضحه سبب النزول نزلت الآية {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } [النور: 3], وليس المراد من الآية الزانية التائبة, ولهذا اختلف الفقهاء في استرجاع الغشاء بالجراحة لمن أقلعت عن الزنا, ورجح الكتاب الجواز؛ لما في ذلك من الستر عليها وعلى أهلها, وفتح باب التوبة لها, ومنع سوء الظن بها, وهو ما فعله عمر بن الخطاب في حضرة الصحابة من غير نكير, حيث جاءه رجل يخبره بأنَّ ابنته قد أصابت حداً, وإنها خُطبت إليه, قال الرجل: أأذكر ما كان منها, فقال عمر: هاه لئن فعلت لأعاقبنك عقوبة يتحدث بها أهل الأمصار أنكحها نكاح العفيفة المسلمة.
وإذا ترجح هذا في التائبة من الزنا وهي مختارة فجوازه أولى في حال المغتصبة المكرهة على الزنا, أو من زالت عُذْرَتُهَا بمرض, وليس في هذا تدليس على الزوج, ولا يعد عيبا شرعا أو عقلا, ومثله كمثل أي جرح أخر تصاب به الفتاة فتتداوى منه, وعليه فلا حرج على وجود الطبيب الذي يقوم بمثل هذه الجراحة للمصالح والاعتبارات السالف ذكرها.
أما عن حكم زواج الزاني من زانيته: فجمهور الفقهاء على الجواز, وزاد الشافعية جواز الزواج منها مباشرة حتى ولو كانت حاملا؛ لأن ماء الزنا هدر لا قيمة, ويؤيد هذا أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي لا تمنع يد لامس قال: "غربها" أو قال: "طلقها" قال: أخاف أن تتبعها نفسي، قال: "فاستمتع بها", ولو كان يحرم الإبقاء على الزانية, ما أباح النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ له الاستمتاع بها, وإذا ترجح جواز زواج الزاني من زانيته فمن باب أولى أولى القول بجواز ذلك من مغتصبته بشرط التحقق من رضاها, حيث إن رضاها عن الزواج والعيش مع غاصبها أمر يصعب ويعسر عليها.
وأما عن حكم إسقاط جنين المغتصبة, فرجح الكتاب جواز الإجهاض قبل نفخ الروح في الجنين إن كان لعذر أو ضرورة؛ لأنه ارتكاب لأخف الضررين, ولأن الجنين بمثابة عضو من أعضاء أمه, وقد أباح الشرع قطع عضو متآكل حماية لباقي الجسد, أما بعد نفخ الروح أي بعد مائة وعشرين يوماً فلا يصح ولا يجوز إجهاض الجنين ولو كان من سفاح كما في قصة الغامدية, وقد حَرص النبي صلى الله عليه وسلم على حياة الجنين الذي في بطنها، ولو كان يجوز الإجهاض بقصد التستر، لأمر الغامدية بإجهاضه.
وبالنسبة لحكم تنسيب ولد الزنى أو المغتصبة: فقد رجح الكتاب صحة تنسيب ولد الزنا إلى الزاني مطلقا ويؤيد هذا القول ما جاء عن عمر بن الخطاب أنه كان يليط أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام, وأيضاً معاقبة الآثمين بنقيض قصدهم, فمقصود هذا الذئب البشري هو قضاء وطره فحسب ثم التنصل من كل مسئولية تجاه هذه النطفة والجنين الذي هو من صلبه, فينسب إليه هذا الجنين إجبارا, ولهذا أصل في الشرع, كما يعاقب قاتل مورثه بحرمانه من الميراث.
وقد رد الكتاب على من منع تنسيب ولد الزنا بحجة عدم التيقن من أن الزاني هو صاحب ماء الحمل أم لا؟ بأن الشرع يعتبر في إثبات النسب بأيسر الأدلة حتى ولو كانت مظنونة كالقيافة, أما اليوم فيمكن الوصول لليقين, أو ما يشبه القطع عن طريق تحليل (DNA)أو البصمة الوراثية, فإذا ثبت أنه منه فينسب إليه إجبارا وبذلك تحفظ الأنساب, وتصان الأطفال عن تربية الشوارع, وعن تهمة تلتصق بهم طيلة العمر من دون جريرة.
وفى حال الاغتصاب يتأكد القول بذلك سترا على المغتصبة، وعلى طفلها البريء، وإنقاذا له من تعييره بنسبه المجهول طيلة حياته، ولكن ذكريات الاغتصاب القاسية تجعل من الصعب إقامة حياة زوجية مع الوحش الغاصب؛ ولذا فإن للقاضي الحق في التفريق بينهما للضرر بعد تنسيب الولد إلى أبيه, وللمغتصبة الحق في أن ترفض تنسيب ولدها إلى أبيه، إن رأت أن سترها متحقق في عدم نسبته إليه، بأن كان أبوه ممن اشتهر بالإجرام، وللأم أن تنسبه إلى نفسها، أو إلى أي اسم مركب يعرف به، والمجتمع حينئذ مسئول مسئولية كاملة عن حسن تربيته وتنشئته تنشأة صالحة .
أما المشتهرة بالزنا فهذه لا ينسب طفلها إلى أبيه؛ لأنها بمجاهرتها بالزنا أصبح مقصد الـستر منتفيا عنها، وتنسيبه إلى أبيه لن يدفع عنه معرة زنا أبويه؛ لاشتهار أمرهما وافتضاحه.
ويبقى حكم الأصل التي تتشوف إليه الشريعة دائما وهو الحفاظ على النسب, وتنسيب الأولاد إلى فراش الزوجية الصحيح, الذي هو غاية العدل والقسط, {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ } [الأحزاب: 5], وما شرع الزواج، وإشهاره إلا من أجل هذا المقصد العظيم, والذي فيه تستظل الأسرة بظلال الأمن والأمان والمودة والرحمة, وينعم فيه الأولاد بالتربية الحسنة والتنشئة السليمة.
وبعد هذا العرض والتلخيص لهذا الكتاب العظيم النفع ـ رغم صغر حجمه ـ تأكد لدي بعد قراءة جل كتابات فضيلة الدكتورة أن مجرد قراءة مجهوداتها العلمية الدقيقة والعميقة لا يغنى عن دراستها ومذاكرتها وتلخيصها ونشرها بين الناس, بارك الله في أستاذتنا الكريمة, وفي علمها, وفي عمرها, وفي وقتها, وفي مدرستها, آمين آمين يا رب العالمين.