في مجتمعاتنا، كثيرًا ما نرى محاولات للصلح بين طرفين متخاصمين، لكن المشكلة ليست في الصلح بحد ذاته، بل في الطريقة التي يُدار بها. فغالبًا، لا أحد يطالب الظالم برد الحقوق أو الاعتذار عن خطئه، بينما تُوجَّه الضغوط كلها نحو المظلوم كي "يتنازل" ويسامح، بحجة إنهاء النزاع.
هذا النمط في إدارة الخلافات يحمل خللًا عميقًا. إذ يتحول الصلح إلى أداة لتكريس الظلم بدلًا من إنهائه. فالظالم يخرج من الموقف بلا حساب ولا ردع، والمظلوم يُترك بجراح داخلية مضاعفة: جرح الظلم، وجرح التخلي عن حقه بإجبار اجتماعي.
المجتمع هنا يفقد ميزان العدالة، ويزرع رسالة خطيرة: أن القوة والسطوة تحمي المعتدي، بينما الصبر والتنازل يُفرض على الضحية. ومع الوقت، يتحول هذا السلوك إلى ثقافة عامة، تُغذي الاستبداد وتكسر إرادة الضعفاء.
الصلح الحقيقي ليس في الضغط على المظلوم، بل في إلزام الظالم بإصلاح خطئه ورد الحقوق إلى أصحابها. وحده هذا الصلح يحقق سلامًا عادلًا، ويُعيد التوازن إلى العلاقات الإنسانية، بدلًا من إنتاج جروح جديدة تحت غطاء "الود" و"المحبة".
فالمجتمع الذي يُساوي بين الظالم والمظلوم في لحظة الصلح، هو مجتمع يفتح الباب لمزيد من الظلم، ويغلق باب العدالة.