نحن المتصوفات
نحنُ لا نُشبهُ أحدًا.
نحنُ الصدى إذا تاهَ الجبل،
ونحنُ المعنى إذا خانتهُ العبارة.
نحنُ الذين ينامُ الحبرُ في أصابعهم،
ويستيقظُ الوطنُ على حافةِ دفاترهم.
نحنُ أبناءُ الشِعر وأمّهاتُ القصائد،
نخيطُ للغيمِ أرديةً،
ونعجنُ المجازَ بالحنين.
نحنُ من تعلّمَ أن يقيسَ المسافةَ
بين القافيةِ والقيدِ بأنفاسه.
نحنُ لا نقيمُ في اللغة،
نحنُ من يسكنها.
نحنُ الذين تنامُ المجازاتُ في أعينهم،
ويوقظون الكنايةَ بأهدابٍ من ندى.
نحنُ أوتارُ الناي حين يئنُّ الوطن،
وملحُ الحرفِ حين يجفُّ البحر.
لا نكتبُ لنتجمّل،
بل لنصرخَ ببلاغةِ الخوف
في أفواهِ النساء،
ولنُخفي دمعةً
في جملةٍ مفخّخةٍ بالحنين.
نحنُ لا نحتمي بالمعاني،
نحنُ من يصنعُ لها درعًا
من ظلِّ زهرةٍ تنمو
فوقَ أنقاضِ الوقت.
نحنُ لا نرثُ الأرض،
لكننا نرثُ صوتها.
لا نحملُ مفاتيحَ البيوت،
لكننا نفتحُ أبوابَ الذاكرة.
نحنُ
ماءُ الأغنيةِ إذا جفّت الأعراس،
وعيونُ العائدين
حين تُغمضهم المنافي.
نحنُ أبناءُ الشِعر،
والشِعرُ منّا يتعلّمُ أن يبكي واقفًا،
وأن يُقبّلَ يدَ الأمّ
حين تكتبُ أسماءَ الشهداء
على رغيفِ المساء.
نحنُ أمهاتُ القصائد،
نرتّقُ بها الفُقد،
ونضفرُ في ضفيرتها
صلواتِ من لم يُصلّوا،
وغصّاتِ من لم يبكوا،
ونُعلّقها على حبالِ الغيم،
فتنزلُ أمطارًا
من ذاكرةٍ لا تشيخ.
نحنُ
أكثرُ من ضميرٍ متكلّم،
وأقلُّ من خريطة.
نحنُ المنسيُّ في النشيد،
والمكسورُ في رفعِ السلام.
نحن، إذ نُولدُ في القصيدة،
ننسى أن نكبر.
نحنُ ما قبلَ الحرف،
وما بعدَ الختام