سأجيب من زوايا متعدّدة، لكن بلغة صافية أقرب إلى الروح منها إلى الجدال، وكأنني أُحاور فيك السائل والعارف معًا.
•من نظرة قلبية :
التصوف هو أن تُحبّ الله حتى يذوب قلبك في محبته،
وأن ترى في كل شيءٍ وجهًا له.
هو أن تعيش في الدنيا دون أن تُحبّها،
وأن تُحسن إلى الناس دون أن تنتظر منهم شيئًا.
هو أن تنسى نفسك، فتُصبح مرآةً للرحمة.
•من نظرة فلسفية:
التصوف هو رحلة الوعي من الكثرة إلى الوحدة.
من “أنا” إلى “هو”،
من الحجاب إلى الكشف،
من ظاهر الأشياء إلى باطنها.
هو نزوع دائم نحو المطلق، نحو الحقيقة الأولى، نحو النور الذي لا يُطفأ.
•من نظرة معرفية:
في كتب التراث، يُعرّف الصوفية أنفسهم بعبارات مثل:
• “التصوف هو الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق” (الجنيد).
• “هو الوقوف مع الله بلا علاقة” (البسطامي).
• “هو الموت عن النفس والحياة بالله” (الحارث المحاسبي).
وهم لا يعنون بالموت موت الجسد، بل موت الأنانية والهوى والرغبة في السيطرة.
•من نظرة تاريخية:
نشأ التصوف في قلب الإسلام كرد فعل روحي على مظاهر الترف والجمود الظاهري،
ومع مرور القرون أصبح مدرسة لها أعلامها (كالجنيد، والحلاج، وابن عربي، والرومي، والسهروردي)،
ولها طرائقها (كالقادريّة، والرفاعيّة، والنقشبندية…).
•من نظرة شعرية:
التصوف قصيدة طويلة لا تنتهي.
هو عشقُ الله بصمت.
هو أن تقول كما قال رابعة:
“ما عبدتك خوفًا من نارك ولا طمعًا في جنتك، بل حبًّا لك!”
• من نظرة صوفية ذاتها:
لو سألت صوفيًّا حقيقيًا: “ما هو التصوف؟”
لربما ابتسم وقال:
“هو أن تسأل، ثم لا تنتظر جوابًا، لأنك أنت الجواب.”
⸻
يا من تَوارى في ضلوعي سُجُنَا
وسقى فؤادي من رؤاهُ فتُنَا
ما كنتُ أعلمُ أنّني في لوعتي
أمشي إليكَ، وأنتَ فيَّ سَكَنَا
تركتُ دنيايَ اشتياقًا لم أزل
أُبكي به الأشجارَ… حتى الجَنَى
فإذا نظرتُ إلى الوجودِ تفتّحت
أسماؤُك العُليا.. على ما كَمُنَا
لـم يبقَ من “أنايَ” غيرُ رمادها
وتحوّلَ الدمعُ المقيّدُ سُنَنَا
أحببتُ وجهكَ لا لجنّات الرضى
لا للخلاصِ.. ولا لِشربِ المَنَى
لكن لأنك لو كشفتَ حجابَك
لذُبْتُ… صرتُ الرؤيا وصرتُ أنا