دخلت (أمل) النت وقد قارب عمرها الثلاثين .. ولم تكن تعلم أسراره ومخاطره لكنها انبهرت بصفحات الفن والموضة والملابس والعروض ، فصارت تتجول بين صفحات وصفحات وصور ومقاطع .. تنشر بين الحين والأخر منشورا ، ولا تهتم بمن يعلُق ، فهى لا تفهم ما يدور في هذا العالم الرهيب !
بعد شهر تقريبا ، يصلها رسالة صباحية على الخاص (صباح الورد يا سيدتي) ومعها صورة لباقة زهور جميلة ، ظلت شهرا تصلها نفس الرسالة مع تغيير باقة الزهور! ، لم تهتم بصاحب الرسالة ، لم تفكر في الرد لأنها لا تعرف كيف تصلها ولا كيف ترد عليها !! ، لا تنكر فرحتها بالرسالة ، وانتظارها بشغف كل صباح ، كأنها أكسير الحياة لها ، ما أن تقرأها حتي تبتسم و تملؤها السعادة ، تستنشق أريج زهورها وتتنفس عبيرها ، لتبدأ يوما جديدا ، إلى أن ظهر صاحب الرسالة علي صفحته .. معلقا على منشورلها ، بنفس الكلمة " صباح الورد" ! شغلها الأمر فتدخل صفحته لتجد آلاف المنشورات وآلاف باقات الزهور !!
أحبت كلماته كما أحبت رسائله ، إلى أن كان يوم نشرفيه أنه سيتغيب ليؤدي فريضة الحج ، أحبت أن تباركه وتسأله الدعاء ، لكنه دوما يغلق التعليقات بمنشوراته ، وكعادته أرسل رسالة الصباح والزهور ، لترد عليه بعد أن تعلمت كيف ترسل الرسائل ، وبعد أن طمأنت نفسها .. ووثقت به واحترمته لأنه سوف يؤدي فريضة الحج ، ارسلت رسالة تسأله : " من أنت ؟؟ " ، لماذا تبعث لي رسائلك ؟؟ ، رجاء أن تدعو لي وأنت في رحاب الكعبة .. فأنا أمر بحالة نفسية سيئة للغاية !!
بعد يومين ..استقبلت رسالة منه : " صباح الورد يا صديقتي الرقيقة ، أنا صديق بالنت وأرسل الزهور لجميع الأصدقاء ، من أمام الكعبة أدعو لك من كل قلبي ، بالسعادة لروحك وقلبك وراحة البال " .. طارت فرحا ، شعرت براحه وسعادة فهناك في هذا العالم الشاسع من يهتم بأمرها و يفكر فيها .
مرت أيام تعلقت (أمل) أكثر بالأمل البعيد ، واشتاقت شوقا جارفا لصباحات الورود ، التي تنتظرها كل يوم بلهفة وشوق ، تمنت أن تعرف عن صاحب الورد أكثر، حتى جاء يوم أشرقت شمسه في روحها .. عندما حادثته ببراءة ..
لف ودار بها وعليها ، حتي أرسلت له صورتها ، وأرسل لها صورته ، كان رجلا قد تعدى الخمسين ، رغم ذلك عشقت روحه وأشعاره وورده ، عشقته قبل أن تراه ، قد تكون تعلقت به والتعلق مرير !! تورطت معه وعشقت رسائله إلى حد الإدمان و صارت دائمة التفكير ليل نهار في كلامه !
و بدأ يرسل لها أغاني رومانسية تطير بها في فضاء الأحلام ، تعلو وتهبط بقلبها البريء ، المتعطش للحب الذى افتقدته في حياتها ..كان ينصحها بالحذر من النت ومواقعه و من الذئاب البشرية ، لم تفهم معني كلامه .. استفسرت منه ، فلم يجبها إلا بالحذر !! فبراءتها لا تنفع بالنت ، ظل يعلقها به حتي أحبته حقا ، لكنها تذكرت أنه متزوج ، فابتعدت عنه ، متمنية له السعادة !!
عادت حزينة تكبت مشاعرها ، خرجت من عالمه ضعيفة هزيلة .. ليلتقطها ذئب أخر ، يستنزفها عقليا وعاطفيا ويحركها كدمية ، فعلت كل ما أمرها دون تدبر أو تفكر، لقد سلب عقلها ، تعود إلى نفسها لحظات تتساءل : أين وضعت نفسي ؟! أين عقلي ؟!.
فعادت لصديقها صاحب رسالة الورد ، استنجدت به لينقذها من مخالب الذئب ، تنَكر لها ورد ببرود مدعيا إنه مشغول !!؟
أخيرا فهمت معنى الذئاب الذين يتربصون بكل فتاة علي النت ، يبهروهن بكلمات الحب والأشعار، برسائل الورد وصباحات الزهور، حتي تقع في الفخ ، ومن فخ الي أخر ومن ذئب لأخر حتي يتم افتراسها !!
فتخرج هشة خاوية على عروشها ، بلا قلب ولا حياة .. بائسة يائسة ، تعيش بجروح لا تلتئم ولن تُشفي بمرور السنين ، تظل تبكي ليل نهار ، لا تعرف كيف تعود إلى نفسها القديمة ، فقدت الأمل بعد أن غلبها اليأس .
ولا تقوى علي الاستمرار في العبث والخطيئة ، يعذبها ضميرها .. تموت ألما كل ليلة ، تعرف أن الجزاء من جنس العمل ، فقد اتبعت هواها ، وانقادت خلف أوهام الرسائل والورود ، التي تحولت إلى أشواك وأفاعي .
يموت قلبها وروحها ، لتصير بقايا أنثي محطمة .. أنطوت على نفسها أكثر من عامين ..
لا تكف عن البكاء والندم والتفكر فيما حدث .. وهل لها من توبة !!؟
يتقبلها الله ويلهمها أمرا ، لعلها تكفر به عن ذنوبها ، نفضت غبار الألم لتعود بقوة لتفتح صفحة جديدة على النت ،هدفها إرشاد وتنبيه كل فتاة بمخاطر النت ، تروي قصص عن الذئاب البشرية و تقدم نصائح وتحذيرات للمترددات على هذا العالم المخادع ، يتابعنها ويدعون لها ، فتحمد الله على ما هداها إليه فهي تنشر لتوعيتهن وإرشادهن حتى لا يذقن ما ذاقت من عذاب !!