كلنا ينتابنا أوقات نختنق؛ نغلق أبوابنا؛ ندير ظهورنا للحياة ونختلي بأنفسنا؛ نبتعد عن الجميع؛ نرتاح قليلا من عناء السفر وأعباء الحياة، فترة نقاهة نحتاجها بعد كل مرض، تعب، خذلان، فشل، أوعمل شاق.فترة ننعم بالهدوء بعيدا عن ضجيج الحياة؛ نفكر ونتأمل ونصفي أذهاننا، قد تطول بنا أوتقصر، نتعافى بعدها ونعود لحياتنا، أقل تعبا وأكثر نشاطا، وقد نعود بنفس شغفنا أوأقل علي حسب ما مررنا به ودرجة تعافينا منه.
الأهم أننا نعود أكثر نقاء، أصفى روحا، وأكثر أملا في بداية جديدة وأحلاما أخرى ولعل هذا ما تحتاجه الأرض؛ لعل ما يحدث رسالة منها، أنها متعبة، مرهقة؛ أصابتها وعكة، وتحتاج بدورها عزلة وفترة نقاهة. استراحة لتتعافى مما أرهقها. تحتاج أن تتنفس بنقاء بعدما لوثتها أنفاس البشر وعوادمها من ثاني أكسيد الحقد،أول أكسيد الغل، فوق أكسيد الغباء، بخار الشر، وأكاسيد البذاءة والطمع والظلم، ونواتج عوادم القلوب المشتعلة حقدا وغلا وقسوة، تحتاج الأرض راحة من أقدامنا التي أتعبتها ذهابا وإيابا، تحتاج هدوء وسكينة تعيد لها اتزانها، وجمالها ورونقها. الطبيعة كانت تصرخ، الغابات تحترق، البحار والأنهار تغضب بأمواجها وتفيض، السماء برعدها وبرقها، الأعاصير تغرق البلاد، الأرض تتصدع وتحدث زلازل وتنفجر براكين هنا وهناك، ثقب الأوزون، والاحتباس الحراري كلها من ملوثات البشر . سنوات ونحن لا نفهم كل إشاراتها لنا واستغاثتها، أي لغة تروي أوجاعها وأحمالها ؟!. كادت أن تلفظ أنفاسها الأخيرة ويذوب الجليد عند القطبين ويغرق الجميع؛ لكن رحمة الله بنا منحتنا فرصة أخيرة عندما فاض ألمها فلفظتنا عنوة بعيدا.
بدأ كل شيء يغلق تباعا،مساجد وكنائس،مدارس وجامعات، حدائق عامة ومتنزهات، محلات ومطاعم، حظرتنا جميعا من أن نخطو عليها،أعطتنا فرصة لنتغير لنكف عن الأذى،منحتنا ما نراه محنه وحظر، لنختلي بأنفسنا ونتفكر، للجلوس مع عوائلنا فترة طويلة، كم أب كان لا يرى أولاده لعودته وهم نيام، كم أب لم يحتضن أبنه لغيابه شهورا في دراسته أو عمله، كم أم بعدتها مسئوليتها عن أولادها، كم كنا نفتقد دفء العائلة، تجمعنا واقترابنا هذا!. كم كنا نحتاج فسحة من أعمالنا المرهقة، كي نلتقط أنفاسنا وتنعم أذهاننا بهدوء وسكينة، هذه المحنة ما هي إلا منحة لنا جميعا، وهدنة للأرض لعلها تستريح من ضجيج البشر؛ لتعود بعدها أكثر جمالا ونقاء وصفاء.