الفصل السابع
أثارَ وصولَ الخطاب للمنزلِ ضجةً كبيرةً، وتردد أحمد هل يفتحه أم ينتظر عودةَ والدِه وعمّه؟ كاد الفضولُ يقتُله، ولكن والدته أمرتْه بالصّبر والتّأني وألا يفتحَه، حتّى يصل والده وعمّه من العمل .في المساء أخذ والده الخطاب بغضب، وشرع في تمزيقه، لولا أن أمسك عمّه يده، وأخذ الخطاب قائلا: - أمّا آن الأوان للتسامح أخي؟ إنّ الله غفور رحيم، فلماذا لا ترحم رحمكَ وتصلهُ بعد سنواتٍ من القطيعةِ والغربةِ؟ سامحه ليعود إلينا أخي، ألم تشتق إليه، أليس عبد الرحمن بأخيك الأكبر؟! يجب أن تنسَى وتسامحَ، فالتّسامح والعفو من شّيم الكرامِ، وليس أكرم منك على الجميع، فلماذا تحرمُ أعزَّ النّاس من كرمك؟! لقد رحل من رحل وتبدّلَت الأحوالُ، وآن الأوانُ للصلحِ وجمعِ شملِ العائلةِ. تعجبَ الجميعُ ممّا يسمعُون، عبد الرحمن سافر إلى ألمانيا، رغمًا عن والده وتزوّجَ هناك، ومنذ ذلك الوقتُ منعَه والدُه من العودةِ لزيارتِهم، وأمرَ إخوتَه بمقاطعتِه، انفعلَ عبد الله وترك عبد القادر غاضبًا منه وذهب إلى غرفته وخلفه سناء، وتركُوا الجميع في ذهولٍ ممّا سمعُوا. خرجت سمر مع أحمد للحديقة، وكان حوارهما عن العمّ المُهاجر، والمفاجآت الّتي تتوالى عليهم كلّ يومٍ، نادتْ عليها خالتَها منال فذهبت بينما ظّل أحمد يفكرُ، شعرَ كأنّه يرى فيلمًا طويلًا أحداثُه لا تنتهِي، فتارةً يظهرُ خال من الصّعيد، وتارةً أخرى عمّ بألمانيا، وهمس إلى نفسه: - ماذا تخبأ لنا الحياة في جعبتها بعد، وماذا سيحدث في الأيّام المقبلةِ؟ ولماذا غضبَ جدي من عمّي، لهذا الحدِ الّذي يجعلُه يحرمُه من رؤيتِه ! ويحرمُ نفسَه من ابنِه، لم يكن جدي قاسيًا، أشعرُ بأنّ هناك في الأمر سّرُ كبيٌر. طالَ الخصامُ بين الأخوين، وأخيرًا جلسَا في صالون البيت معًا، ليتناقشَا في الأمر، وتعاهدَا أن يصلا بهدوء إلى قرارٍ في أمر أخيهم عبد الرحمن. بينما أحمد لم تهدأ فوضى فضوله لحظةً واحدةً، ودَّ لو دخل وجلسَ معهما، أو وقف ليسترقَ السّمعَ؛ لولا خوفه من الله وعلمِه بعقابِ التّجسسِ، لمّا تراجعَ لحظةً فالأمر يشغلُ تفكيرَه كثيرًا، ولكنّهُ يعلمُ أن الأيّام ستكشفُ الغموضَ وتزيلُ الغيمةَ وسيعرفُ آجلًا أم عاجلًا. وانتهى الاجتماع المغلق، وقرّرَ الأخوان أن يأتي عبد الرحمن للزيّارة، ولكن اشترط عبد الله شرطًا غريبًا، ألا يجلب عبد الرحمن أي هدايا معه، وطوال فترة إقامته لا ينفق أيّ مالٍ خاصٍ به، تعجبَ الجميع مما سمعوه ولكن لم يستفسر أحدٌ عن السّببِ، فلقد وافق عبد الله بصعوبةٍ وبعد عناءٍ طويلٍ، فخشي أحمد أن يسألَ حتّى لا يثيرَ المتاعبَ والخصامَ مرةً أخرى، ولكن ظّل أحمد مشغول البال . بدأ الجميع يستعدُ لاستقبال الضّيوف، وتّمَ تخصيص شقةً بالدورِ الأخير لهم فسيحضر جاسر و مايا أبناء عمّهم معه، جاء اتصال من عبد الرحمن، ردّ عليه الحاج عبد القادر، ورحّبَ به ترحيبًا شّديدًا، وكيف لا! وقد اشتاق لأخيه الّذي غاب عنه سنواتٍ طويلة، وأخبره بوصوله صّباح الغد بمطار الإسكندرية ، واتفقا على انتظارِه هناك. جهّز أحمد السيارة وسافر مع والده الحاج عبد القادر؛ لاستقبال عمّه وأبنائه، أمّا عبد الله ففضلَ الانتظارَ بالمنزلِ. وفي المطار استقبلَ عبد القادر أخيه بالأحضانِ القّويةِ والقبلاتِ الحارةِ، كان لقاءً مولعًا بالأشواقِ والتّرحيب بين أخوين طالت غربتهما، سنواتٌ من الشّوق والحنينِ، ثمّ سلمَا على مايا وجاسر أبنائه. ولكن كانت مفاجأةً كبيرةً عندما أخبرهم أنّ زوجتَه جين رفضتْ الحضورَ معهم، وطلبت الطلاقَ بعد أن علمتْ برغبتِه في الاستقرارِ بمصرَ، صمتَ عبد القادر ممّا سمعَ وهو لا يدرى ماذا يقولُ له، هل يفرحُ لاستقرارِه بمصرَ أم يواسيه لطلاقِه، ولكن أحمد تدخلَ كعادتِه لينقذَ الموقفَ لمَّا رأى حيرةَ والده، وتحدّثَ مع عمّه عن تجارتهم و دراسته وقلقه من نتيجة الامتحانات، تشاطرا الحديث لمدة طويلة حول مواضيع مختلقة، وسرقهما الحديثَ إلى أن وصلَا المنزلَ بسلامٍ. ومَا إن دخلَ عبد الرّحمن المنزلَ، حتّى خانتْه دموعُه ومرّ شريطُ الذّكريات أمامَ ناظريه كأنه حدث أمس، وتذكرَ والدَه ووالدتَه كيف رحل دون وداعهما، واليومَ عادَ ولم يجدْ أحدًا منهمَا يستقبله، فقد رحلا دون وداعه ورحيلهِما دونَ عودةِ، سرقَهم منه الزّمن كأنّه ينتقمُ منه لرحيلِه عنهم واختيارِه الغربةَ بدلًا عنهُما. أمّا عبد الله فرُغمَ رفضِه وعنادِه وغضبه من أخيه إلا أنه لم يسيطر على دموعه ما إن رآه؛ فقد اشتعلت نيران الشوق داخله وكبله الحنين ليجد نفسه ينقادُ لحبّه لأخيه ويهِمُ ليرتًمِي بين أحضانِه، تارةً يعاتبُه على الفراقِ وتارةً يرحبُ به لعودتِه، لم يكنْ حضنًا بل عناقًا للقلوب والتقاء الأرواح الّتي عانتْ ألمَ الغربةِ والشوقِ والحنينِ سنوات عجاف، لكن سنابلَ الحبِ ظّلت بقلوبِهم ليعود بهم الوصالُ يومًا ما. وقف أحمد يتأملُ المشهدً ويردّدُ داخلَه: إ نّها صلة الرّحم، فمهما تباعدتْم سيظّل الدّمُ نهرًا واحدًا في عروقكُم، فالأخوةُ شريانٌ ينبضُ بداخلِنا، وهي نبضُ الحياةِ لو قطعتَ لجفَ نهرُ الودِ وفقدْنا الحياة .بكى الجميع شوقًا وفرحًا، وجلسُوا على مائدةِ الذّكرياتِ، يتذكرُون كيف كانَ لعبهم وسمرهم في كلّ ركنٍ، وحتّى شجارَهم الّذي كان لا ينتهي أبدًا، تارةً يبتسمُون وتارةً أخرى تدمعُ عيونُهم، مرّت ساعاتٍ طويلةً كلمحِ البصرِ لم يشعروا بها، وكان الأبناء مجتمعون بالحديقةِ يتحدثون بكلّ حبٍ وسعادة. أمّا أحمد فجلسَ، يراقبُ الأحداثَ بشغفٍ وسعادةٍ؛ حيثُ تجمعَ الإخوةُ الثلاثَة بعد شقاقٍ، ومن حولهم أبناءهم، ثم دعا الله أن يديمَ عليهم الهدوءَ والسّكينةَ، والسّعادةَ الّتي تلمعُ في عيونِ الجميع .مرَّ يومان بهدوءٍ وسلامٍ، حتّى سألَ أحمد عمّه عن عملِه بألمانيا، فغضبَ والد أحمد وفزعَ، وكأنّ أحمد ارتكبَ جريمةً هادئةً دونَ ضحية، بسؤاله الّذي نزلَ كالصّاعقةِ، على الإخوةِ الثلاث، وبالأخصّ عبد الله والد أحمد. خيم صمت رهيب على الجميع مع نظرات استغراب ودهشة لبعضهم، ونظرة غضب اتجاه أحمد من أبيه وعمّه، لم ينقذه منها سوى رنَّ جرسُ البابِ رنّات سريعةً ومتتاليةَ، فأسرعَ الجميعُ بتوجسٍ وترقبٍ، واتجَه أحمد مسرعًا ليرَى من الطّارق، وهو يردّدُ ستركَ يا رّب. فتحَ أحمد البابَ فاندفعَ أصدقائه، وعلاماتُ السّعادةِ تكسُوا وجوهَهم، معلنينَ نجاحَ أحمد وتفوقِه. امتلأ المنزلُ بالفرحةِ وتعالت الزغاريدُ، وباركَ الجميعُ لأحمد وأصدقائه، وقرّرَ الحاج عبد الله إعدادَ وليمةٍ كبيرةٍ؛ فرحًا واحتفالًا بتفّوقِ ابنه الوحيدِ أحمد. تدخلتْ سمر بخفةِ دمهَا قائلة -:أنا أيضًا نجحتُ، وأريدُ أن تذبحُوا لي بقرةً، وتحتفُلوا بنجاحي، إذا كان أحمد له بقرتان، يكون لي بقرة، وهذا شرع الله ( فللذكر مثل حظ الأنثيين ) كما قال تعالى. ضحكَ الجميعُ ووعدها والدها الحاج عبد القادر بذبح ِبقرة من أجلها فليس عنده أعزَّ منها على قلبهِ.
كانتْ أيّام كلّها سعادةً وأخبارُ سارةٌ، بينما ظل أحمد مشغولًا بالسّر الّذي يخفيهِ الإخوة، بخصوصِ عمّه عبد الرحمن، وأيضًا قلقه بخصوصِ دخولِ الجامعةِ، فأين سُيلقي به تنسيقُ القبولِ بالجامعاتِ. ظهرتْ نتيجة التنسيقِ الجامعِي، وكانتْ طب أسيوط، فرحَ والد أحمد بالخبرِ، وعبَس وجهُ أحمد لمَا علِم الخبرَ وكذلك والدته حزنتْ بشّدةٍ، فكيفَ سيبتعدُ عنها وهو ابنها الوحيدِ، أمّا أحمد فكان مَا يشغلُ بالُه ليسَ فقط ابتعادُه عن أمّه، بل عن حبيبتِه سمر. أسيوط تعنِي ابتعادِه شهور، وهذا ما لا يقوى قلبُه عليه، فلن يتحملُ الفراقَ أبدًا.كانَ النّقاشُ طويلٌ مع والده وعمّه، انتهى بأن يصلي استخارة، ليختارَ الله له الأفضلَ، قبلَ أن يأخذَ قرار التّحويل لكّلية الهندسةِ بالإسكندريةِ، حزنَ أحمد على حلمِه بأن يكونَ طبيبًا، ولكنّه كان أمامَ خيارينِ، كلاهما أصعبُ من الآخرِ، إمّا البعادِ وتحقيقَ الحلمِ، أو القربَ والتنازلَ عن حلمِه، رغمَ أنَّ كلا الخيارين كانا من أجل سمر، لكنّه توقّف عن الّتفكير وصلى استخارة وفوضَ أمرَه لله وسيرضَى بقضائه. بعد أيّامٍ أنهَى أحمد ورقَ التّحويل وكلّه أملٌ أن يكونَ مهندسًاً ناجحًاً. وفي الحديقةِ كانت سمر تجلسُ كعادتها تقرأ رواية، رآها أحمد من نافذةِ غرفتِه؛ فقرّرَ الذّهابَ إليهَا ليتسامرَا كالعادةِ و يتبادلانِ القّصصَ والحكاياتِ، ولكن سبقَه (جاسر) ابن عمّها عبد الرّحمن، وجذبَ منهَا الكتاب بعنفٍ ممّا أغضبَ سمر، لكنّه تمادَى ممسكا الكتاب بيده، قائلا:- رواية (رُد قلبي)، وضحكَ بصوتٍ عالٍ واستطرد كلامه: - سمعتْ أن المصّريين عاطفيين، خصوصًا النّساء يعشقن الرومانسية والخيّال والقّصص، وأنتِ هل وقعتِ في الحب أم لا؟ وقبل أن تردَ سمر، استرسلَ قائلًا: - إذا كنتِ لا تعرفينَ ممارسة الحبِ، ليسَ لديَّ مانع أن أعلمكِ، وابتسمَ بوقاحةٍ ونظرَ لسمر، واقتربَ منها ليمسكَ يدهَا، ولكن لم يجد غيرَ صفعةً مدويةً على وجهِه. كانَ أحمد الّذي ظهرَ في الوقتِ المناسبِ، ودارَ بينهما نقاش طويلٌ، تطّورَ لصراعٍ عنيفٍ . حاولتْ سمر أن تُهدأ أحمد ولكن فشلتْ، وتلفَظ جاسر بكلماتٍ جارحةٍ:-عظيم! أنت فارس الأحلام إذا وعشيقها الولهان، فلماذا الضرب؟ أبلغني أنّها لك وأنا أنسحبُ في هدوء، أنتم العربُ أغبياء، تنساقونَ للعاطفةِ ولا تستعملون عقولكَم، سلاحكُم أياديكم وتفضلون العنفَ والهمجيةَ؛ لذا ستظّلون في جهلٍ وظّلامٍ وتخلفٍ لا ينتهِي. أسرعت سمر للداخل باكية، وخرجَ الجميعُ على صوتِ أحمد وجاسر، محاولِين التهدئةَ ومعرفةَ ما حدثَ ولكن كلاهُما ذهبَا دون أن يعرفَ أحد ما جرَى هنا في ساحةِ المعركةِ .وقف الجميعُ في ذهولٍ، متسائلينَ ماذا حدثَ لكلّ هذا الصراع؟! ولكن عبد الرّحمن ترجَى الجميعَ ألّا يخبرُوا الحاج عبد الله بما حدثَ، وسيجتمعُ بالشّبابِ ومعهم عبد القادر؛ ليحلُوا الأمرَ ويعالجوا الموضوع. أمّا سمر فكانت بغرفتِها منهارةً، احتضنتْها منال وبجوارِها سناء تحاولان أن تهدئَا من روعَها ويشدُدنَ أزرَها، ولكن شلالات الدموعِ تتساقطُ من عيونِها دون توقفٍ، وقلبُها الضّعيف ينبضُ بقّوةٍ، وجسدُها النّحيلُ يرتجفُ خوفًا، بينما أحمد دخل غرفتَه وبداخله بركانُ غضبٍ يكاد ينفجرُ، أخذ يدورُ داخلَ غرفتِه كالثّور الهائجِ في حلبةِ السّباقِ، ولم يطفأ ناره غير حمامِ دافئ، توضّأ بعده وصلى ركعتين، راجيًا رحمةَ الله، وجلسَ يقرأ القرآنَ، دقّ بابَ غرفتِه ودخل عمّه عبد الرّحمن ومعه عبدالقادر، سردَ أحمد عليهما كلَّ ما حدثَ بالحديقةِ، فاستنكرَا فعلةَ جاسر وقرّرَا الذّهابَ له؛ لمحاسبتِه على فعلتِه المخجلَة، قبَل عبد الرحمن رأسَ أحمد فابتعدَ أحمد رافضًا، فليسَ لعمّه أيّ ذنبِ ولكن عمّه قال غاضبًا:- بلى أنا السبب، لم أعُلم جاسر الفرق بين الحلالِ والحرامِ، لم أفقهه بأمورِ دينِه، شغلتْني الحياةُ بجمع الأموالِ فقط، ليتني سمعتُ كلامَ والدي وما سافرتُ وفقدتُ رضاه، بل فقدتُ الأمانَ والدفءَ الأسّري، العالمُ الغربيُّ جميلٌ ومغري لكنّه مُلهي؛ ألهانِي عن أهلي وعن تربيةِ أولادِي بمَا يرضي الله ورسولَه، الثروةُ ليست كلّ شيء، المبادئ والقيّم أهم، انجرفتُ خلفَ متاعِ الحياةِ و دوامةِ العملِ وجمع المالِ، ونسيتُ الأهّمَ وهو تربيةَ أولادي وتعليمِهم دينَهم كان عليَّ تعليمَهم تعاليمَ الإسلام، إنّ الإسلام ليس فقط نطقُ الشهادتين، هذا ما كانَ كلّ همِي فعلَه. لقد أخطأتُ، وحانَ وقتُ إنقاذِ ما يمكن إنقاذُه، فعلة جاسر أنا أوّل من يحاسبُ عليها لعلّه إنذار لي، للاستيقاظ من غفوتي العميقة والعودة من غياهب الجب لنورِ الله ورضاه، أخشَى أن يكونَ قد فاتَ الأوانُ. وأستمرَ بالبكاءِ مرددا:- يا رّب رضاك، يكفيني موتُ أبي غاضبًا عليَّ. حاولَ أحمد وعبد القادر تهدئةَ عبد الرحمن قبلَ أن يذهبَ لجاسر، حتّى لا يزدادَ الأمر سوءًا وتوترًا. في ذلك الوقت جاءت (مايا) مسرعةً، تنادي والدَها وتخبرُه بأنّ جاسر جهزَ حقيبتَه وقرّرَ أن يعودَ لألمانيا. أسرعَ الجميعُ وأمسكَ عبد الرّحمن جاسر بقّوةٍ وكاد يضربُه، لولَا أنّ منعَه عبد القادر، ولكن جاسر قالَ غاضبًا: -هل ستضربنِي؟ لقد تغيّرت منذ قدومِنا إلى هنا، كانت والدتي محقّةً برفضِها القدومَ معنا، وصدقتْ بكلامِها، بلدُ الجهلِ والتّخلفِ، لن أبقَى هنا وأسير مع القّطيع، ضربٌ وعنفٌ و إهانةُ لن أكونَ إرهابيًا مثلهم. واشتّدَ الصّراعُ وتعالتْ الأصواتُ، حاولَ الجميعُ إطفاءَ ثورةَ جاسر وعبد الرّحمن، ولكن دونَ جدوَى، كان الصوتُ مرتفعًا، لحظةَ وصولِ الحاج عبد الله، صمتَ الجميعُ عند وصولِه وأسرع َجاسر للخارجِ تاركًا حقيبتَه الّتي جذبَها والدُه من يدِه، هنا طلبَ الحاج عبد الله من الجميعِ الهدوءَ وإخبارُه بما يجري هنا، نظرَ الجميعُ إلى بعضِهم، ورد عبد القادر:- لا شيء أخي، أنّ جاسر يريدُ العودةَ لألمانيا؛ فهو مفتقدٌ لأصدقائِه ووالدتِه، ويصعبُ عليه التّكيفُ مع ظروفِ الحياةِ هنَا.
هكذَا ظّنَ الجميع أنّ المشكلةَ انتهتْ، خلدَ الجميعُ للنومِ بعد يومٍ عصيبٍ، باستثناء أحمد فقدَ جفاه النومُ وظّل كعادتِه يفكرُ، فجأةً دقّ جرسُ البابِ بطريقةٍ هستيرية، رناتٌ متتاليةٌ ومزعجة أصابتْ أهل المنزلِ بالفزعِ، نزلَ الجميعُ في هلعٍ وترقبٍ، فتحَ أحمد البابَ فسقطَ جاسر بين يديهِ مغشيًا عليه .