ها هي ليلةٌ أخرى تمضي،
تهربُ السّاعات والأيام منّي، حتى النوم الذي لطالما اخترته خليلاً لي، غدرني مثلك، ذهبَ إليك وتركَ جفوني مستيقظة، تتحدّث وحدها، وتُراقبُ مُضيّ الوقت.
ها هيَ هالةٌ سوداء جديدة تولدُ في وجهي، أنجبتها خيبةٌ جديدة، أظنّ أنها ليست الأخيرة، ولا هي الأولى.
كلُّ شيءٍ باتَ ضدي، حتى المرآةُ لم تَعُد تُجاملني، تُحدّقُ فيّ كأنها تذكرني بكل ما خسرته، بكلّ ما صمتُّ عنه، بكلّ ما سامحتُ عليهِ، أغضّ بصري عنها، كأنّي أهربُ منّي، من ظلّي، من وجهي، من تلك الهالة التي ما عادت تُخفيها المساحيق.
وحدتي تضجُّ بالصّمت، صمتٌ أثقل من أيّ ضجيج، يمزّقني بلا صوت، وكأنّي أُعاقَب على ذنبٍ لم أقترفه،
أو لعلّي اقترفته حين منحتُ قلبي لمن لا قلب له، فتتراقص الذكريات أمامي، تسخرُ منّي، من طيبتي، من تلك الرسائل التي كتبتها بصدق،
من الأحلام التي نسجتها على حافّة ابتسامة، كلّ شيءٍ كان كذبة، وأنا وحدي مَن صدّق، ماذا أبرّر لنفسي؟ لخوالجي؟ لعقلي الذي لم يكفَّ عن التفكير؟ هل سيسامحونني؟ أم أنّني سأعودُ وحيدةً مُثقلةً بالأوجاع كالعادة؟
لا بأس، فأنا لا، لن ألومهم بعد الآن، أرهقتهم بما يكفي، وتنازلتُ عن الكثيرِ من الأشياء الأخرى لأجله، لعلّه يجب عليّ الآن أن أرأفَ بنفسي، أن أحبّها قليلاً، كما كنتُ أحبّه، أن أعتادَ أيامي بدونه، أن أُرمّم ما انكسر بي بصمت، دون أن أشرح، دون أن أطلب تفسيرًا من أحد، أن أكتفي بالخذلان دليلاً، وبالغياب جوابًا.
ربّما آن الأوان أن أكتب لنفسي، أن أُهدهد هذا القلب المُتعب بكلمةٍ صادقة، لا بكذبةٍ جديدة.
لكن كيف أكتب لنفسي وأنا بالكاد أفهمها الآن؟ صارت غريبة عنّي، كما كنتُ غريبةً عنه في آخر الأيام.
أُحادثني كثيرًا، ولا أجدُ ردًّا، أصرخُ في داخلي ولا يصل صوتي إليّ،
كأنّ شيئًا انطفأ، كأنّ قلبي يُصفّق للحزن كلّما حاول الفرح الدخول،
أعرف أنّني لن أُشفى غدًا، ولا بعد غد، وربّما لن أُشفى أبدًا...
لكنّي على الأقل أُدرك أنّني ما عدتُ كما كنت، وهذا وحده وجعٌ آخر.