تعددت الأعمال السينمائية التي تناولت موضوع قوة إرادة الحياة في مواجهة الموت، وكشف الحجاب أمام الشخصيات عما قد تؤول إليه حيواتهم إذا ما أقدموا على إنهائها في لحظة يأس، وربما أشهرهم وأفضلهم هو فيلم
it ‘s a wonderful life للمخرج فرانك كابرا
ولكن تتشابه حكاية الفيلم الإيطالي
اليوم الأول من حياتي)، للمخرج والكاتب الإيطالي بأوللو جينوفيز، مخرج ومؤلف أفلام)
perfect stranger، the place
مع سطور أقصوصة (مأساة مجهول) لجابريل جارسيا ماركيز عن:
مأساة اليائس الذي ألقى بنفسه من الطابق العاشر إلى الشارع وبينما كان يهوي رأى من النوافذ حياة جيرانه الحميمة. مآسيهم المنزلية الصغيرة. الغراميات القسرية. لحظات السعادة القصيرة… وكل تلك الأمور التي لا تصل أخبارها قط إلى درج البناية المشترك. وهكذا تبدل مفهومه تماما عن العالم في اللحظة التي ارتطم فيها برصيف الشارع.
ولكن تتمثل حالة السقوط هنا في الفيلم لشخصياته الرئيسية الأربع بعدما أنهوا حيواتهم في قضاء سبعة أيام برفقة شخص مجهول يصحبهم إلى فندق يتولى إدارته، ويمنحهم فرصة للعيش بين الموت والحياة سويا ليتداركوا ما فقدوه، وما قد يفقدونه بسبب قرارهم المصيري
تنوعت الشخصيات ما بين شرطية ثكلى تخطت الخمسين فقدت ابنتها ولم تتجاوز فقدانها، وخبير في التنمية البشرية استنزفه تقديم حلول لمشاكل الاخرين في سعيهم لتحقيق امانيهم، وفي المقابل تحولت حياته الي هوة سحيقة لا قرار لها، ولاعبة جمباز شابة انطفأت جذوة الحياة لديها بعد تكرار محاولاتها الفاشلة في تبوء المركز الاول في المنافسات الرياضية ولم تستطع مواجهة الفشل، اما الشخصية الاخيرة فكان طفل صغير يعاني من البدانة ومصاب بداء السكري، استغل والداه حبه للأكل، ودفعوه لتناول كميات كبيرة من الاطعمة وتصوير نفسه اثناء تناولها ليحصد مشاهدات على شبكة الأنترنت ويدر عائد مادي لعائلته، فأقدم الطفل على الانتحار بعد تعرضه للتنمر بسبب ذلك
أفلام المخرج تعتمد بدرجة كبيرة على الحوار، ودفع الشخصيات بعضها البعض نحو مواجهة حقائق وأسرار يتعمدون إخفاءها، تواجد الشخصيات هنا في كثير من الأحايين مع بعضها دفعتهم للحوار، واكتشاف أمور عن أنفسهم وعن الآخرين، ولكن ظلت أكثر شخصية مثيرة للاهتمام وهو (الرجل الغريب) الذي اصطحبهم بعد الموت غريبة عن المشاهد، لا ندرك حقيقته، إذا ما كان ملك الموت، أم أحد الملائكة، ورغم أنها شخصية أحادية تلعب دور المحفز للشخصيات المحيطة بها، إلا أنها كنت بالنسبة لي أكثرهم غموضا، وبسبب الممثل القدير توني سيرفيلو الذي قام بأداء هذا الدور، وكنت أنتظر ظهوره على الشاشة من مشهد لآخر لأنه ممثل قدير يمسك بتلابيب الشخصية التي يلعبها أي كانت، حتى مع قلة سطوره، وقلة عدد مشاهده مقارنة مع مشاهد باقي الممثلين إلا أن شخصيته وابتسامته الهادئة واسلوبه الرزين في الحوار بما يتناسب مع طبيعة الشخصية التي يقوم بها منحها غموض وألق كان يستحق القاء الضوء اكثر عليها، لذا كان من أفضل مشاهدة المشهد الذي كان يعلق فيه صوره مع بقية الشخصيات على جدارية تمتلئ بصور تعرف
المتفرج على تاريخ الشخصية مع شخصيات اخرى وقعت حكايتهم قبل حكاية هذا الفيلم
وفيلم اليوم الأول من حياتي لا يختلف كثيرا عن الأفلام الأخرى التي تتشابه معه في الموضوع، سواء في نمطية تطور الشخصيات، وحتى نهايته المتوقعة، أما العناصر السينمائية الأخرى لم يتفرد أي منها لإنقاذ الفيلم من عاديته، اللهم إلا مشاهد قليلة من الساعتين مدة الفيلم التي تميزت بدفء العلاقات التي توطدت بين شخصياته يتخللها حوارا يشبه الحوارات التحفيزية للتنمية البشرية. وربما كان أفضل اختيارا إبداعيا هو اختيار نوع السيناريو الدائري لسرد القصة بمعنى الرجوع في نهاية الحكاية إلى النقطة التي بدأ منها الفيلم، على عكس أقصوصة ماركيز الذي لم يمنح فرصة ثانية لبطله البائس، لأن دائرية الحكاية هنا جاءت مناسبة مع موضوع الفيلم في أهمية الفرصة الثانية والأمل في الحياة
الفيلم للأسف ليس على مستوى أفضل أفلام مخرجه وهو فيلم
perfect stranger
فيلم (اليوم الأول من حياتي) يصلح لمشاهدة هادئة قد يتخللها أحيانا الملل، ولكنه رغم ذلك يصرخ عَالٍ بقوة إرادة الحياة مقابل الموت، وفي نفس الوقت لم يغب عنه أيضا أن لنا في الموت حياة