وقف الناس في الطريق في إنتظار الموكب العظيم حتى ظهر الملك في موكب مبهر فخم يسابق الأساطير جمالاً وما إن ألقوا النظر حتى خروا راكعين له حتى غابت عربة الملك وسارت إلى المعبد. عند وصول الملك ووقوفه أمام الأصنام في المعبد سجد لها وسجد معه الفتية الذين كانوا في صحبته إلا واحداً، وقف يشاهدهم في عزة، إستقام جسده ولم يحنِ ظهره لكن الملك لم ينتبه إليه حيث إنشغل بالطقوس والسجود أمام الأصنام أما بقية الفتية فانتبهوا إلى من أبى السجود وأثار ذلك فضولهم دون أن يقتنوا أمره إلى الملك.
إلتفوا حوله بعد أن تمكنوا من الإنفراد به وطلبوا منه التحدث معه فدعاهم إلى بيته في ذات الليلة.
سألوه عندما إجتمعوا "لما لم تسجد إلى الأصنام؟" فجاوبهم بأنه وإن دفع نفسه لم يتمكن من السجود أمام ما صنعوه بأيديهم وأنه ما إن خرج إلى الخلاء، ما إن تمعن في الجبال المنصوبة والأرض الثابتة والسحب المتحركة والنجوم التي نهتدي بها حتى ايقن أن خالقهم واحد ، لا نراه لكنه يرانا، لا نتلفت إلى تحذيراته إلا عن طريق إشارات تهز وجودنا ونقشعر لها مثل هزة أو رعد أو سيل أو بركان بينما لا نغيب نحن عليه، لا تغيب عنه همساتنا وما نبقيه في الصدور هو من خلق الطينة التي صنعوا منها ما يعبدون دونه!
سكت الشباب قليلاً يتأملون كلامه ثم نظروا إلى بعضهم وتواردت خواطرهم، أومأت رؤوسهم وإتسعت إبتساماتهم وأنيرت وجوههم حيث إتفقوا دون كلمات كثيرة على إتباع الدين الحنيف وعبادة الله سبحانه وتعالى دوناً عن الأصنام يخالفون بذلك مجرى الأمور، الروتين القائم والعبادة السارية ليصبحوا مختلفين.
صاروا يجتمعون كل ليلة في بيت أحدهم، يتعبدون، يمتثلون لله وحده. حتى كانت تلك الليلة، دخل عليهم أحد أعوان الملك وضبطهم يصلون بطريقة مختلفة عن التي إعتاد رؤياها. حاولوا إقناعه بالدخول في ملتهم، إنما عاند وأبى وتعهد أن يفضح أمرهم للملك ليرى ما يفعل بشأنهم.
إستعدوا في أسرع وقت للرحيل ولم ينتظروا حتى يبطش الملك بهم ركبوا خيولهم وإنطلقوا. حل الليل ووجب أن يجدوا مكاناً للمبيت ثم لمحوا كهفاً في قلب الجبل، دخلوا فيه وقرروا قضاء الليل هناك. في خلال ذلك إنطلق الملك بنفسه بفرسانه بحثاً عمن خرجوا عن المألوف؛ المخطئون. إهتدوا إلى الكهف، وقفوا أمامه ولكن الله بث في قلوبهم الرعب فعكفوا عن الدخول وبدلاً منه بنوا باباً يسد الكهف حتى يموت الفتية جوعاً. غابوا هم عن الوجود وغطوا في النوم لليلة واحدة......
إستيقظوا في اليوم التالي فسأل أحدهم الباقي "كم لبثتم" قالوا "لبثنا يوماً أو بعض يوم" ثم شعروا بالجوع فخرج أحدهم ليجلب طعاماً وعندما سار إلى الطريق وجده مختلفاً، تغيرت ملامح الأرض، الوجوه، الأزياء، حتى المناخ وكأنه تحول إلى بعدٍ آخر، ربما كوكباً بعيداً أو حلماً يأبى أن يتركه يستيقظ إلى العالم البديل.
أخرج قطعة من النقود وسلمها للخباز فنظر إليها وإليه بإستنكار ونادى الشرطي ليأخذه بعد ذلك إلى الملك. ولكنه عندما وقف أمام الملك لم يجده الملك؛ لم تكن تلك ملامحه ولا جسده ولا مشيته ولا نبرته، لم يكن هو! وعندما سأله عن قصته قال :"بتنا ليلة في الكهف هرباً من دقيانوس" وسرد له الأسباب فأخبره الملك بأنه قد مات منذ ثلاثمائة عام! إستنكر الفتى بداية ثم وقف، نظر حوله وإلى يديه وهيئته فوجد أنه لم يعد فتى وإستوعب أن الليلة التي قضوها في الكهف لم تكن ليلة إنما غفوا ثلاثمائة عام وعادو إلى حقبة زمنية غير تلك الحقبة.
البارحة خافوا من ظل الكهف وإحتسبوه شراً مسيطراً، ظنوا أنه من سوء قدرهم، لم يدركوا حينها أن ظل الكهف، ذلك الشر سيدفع عنهم شروراً أكبر وأخطر بكثير. كان الظل هو القدر الذي نظن بأنه الأسوأ جاهلين بأن القدر قد قطع الطريق ووقف يتلقفنا من مصير لو أكملنا الطريق اليه لعانينا أضعاف قدرنا المظلوم.