وقفت أمام المرآة تحملق في إنعكاسها، تنظر بإعجاب إلى نفسها، ، الكون مثالي إعتقدت، الكون كله يقبع في عينيها، مجرات وكواكب وشمس وقمر وأسرار وغموض وبراءة وجرأة وخجل، كما أن الشمس في أوج قوتها، هذا النهار لم تنجح أي سحابة في حجب نور الشمس فأمتلكت السماء وحدها وأخترقت النوافذ لتضيء الغرفة والمرآة وإنعاكسها، لتضيئها هي بالتالي، إنما إنشغلت الفتاة كثيرًا، إنشغلت بصورتها ولم تلحظ ما يدور حولها، لم تدرك أشواك الحديقة حول بيتها وهي تكبر وتتوغل وتنتشر وتتسلل داخل البيت وحتى غرفتها، لم تستمع إلى نبيح كلبها ولم تشعر بالشوك وهو يتلمس أطرافها حتى علا وعلا ولف ساقها. في البداية لم يختلف شيء، لم تشعر بأي ألم، فقط حولت نظرها من المرآه إلى تحتها في هلع وإندهاش، ثم...خط صغير رسمته الأشواك على ساقها، قطرة من الدم ظهرت، تسللت قليلًا قليلًا تبعتها قطرة ثم قطرة وقطرة حتى سالت خيوط الدم ، جرت بقوة وإندفاع منها إلى أسفل حتى لم تعد الأرض تحتمل، إنشقت لتستوعب السيل ومن مجرى الدم صار نهرًا، تفجر خلال الطرقات وحتى خارج البيت وحتى حدود القرية وما بعدها ، لم تلتفت الفتاة عن رجلها وسبل الدماء، ظلت كهذا مكانها، فات زمن حتى أدركت، خطؤها كان سد آذانها وحواسها عن شرور الحديقة وظنها أنها تحمل فقط الورود ثم أدركت أيضًا أن الأشواك لازالت تلتف بساقها ومازالت ترويها بصمتها، مدت كفيها وأخذت تفكها، نزفت المزيد من الدماء إنما في النهاية تخلصت منها، نظرت إلى نهر الدم فوجدته تحول إلى ماء عذب ووجدت عليه إنعكاس ذهب فعلمت أن الشمس قد عادت وأشرقت، نظرت فوق إليها ثم إلى المرآه، أمسكتها وكسرتها ثم توجهت إلى خزانتها وأخرجت مرآه أصغر ووضعتها مكان المرآه الأصلية...