بسم الله الرحمن الرحيم
القصة مستوحاة من أحداث حقيقية
في اليوم ده كان لازم يبقى في وقفة...
زيي زي ناس كتير كنت بنكر، بتجاهل ولما حتى بعترف بوجود مشكلة، بكابر وبقول إني هحلها مع نفسي، قادر أتخطى اللي عندي...
فكرة إني الجأ لحد متخصص دي كانت مستحيلة، مش اختيار أصلًا، دكتور نفسي إيه ده اللي أروحله، وهيساعدني إزاي يعني؟ مهو يأما هيسمع مشكلتي وهو حاطط رجل على رجل وميعلقش غير بكلمتين لا هيودوا ولا هيجيبوا وابقى أنا اتعريت قدامه واحتمال انهار ومعرفش أرجع أتماسك تاني، يأما هيديني حبوب، أدوية يبقى ليها أعراض جانية وأحس بعد فترة إني مدمنها ومقدرش استغنى عنها ويظهر مرض جديد، مرض الهوس بالادوية دي وإحساس إني مقدرش أعيش من غيرها...
دي للأسف كانت فكرتي عن العلاج النفسي، زي ما هي فكرة ناس كتير، والمفروض كلنا متعلمين وواعيين وعارفين إننا كلنا عندنا أمراض نفسية مختلفة، والمرض ده زيي زي أمراض الجسم، مع الاختلاف إن مش كلنا بيبقى عندنا أمراض جسدية طول الوقت لكن كلنا محتاجين بشكل منتظم نتأكد من سلامتنا النفسية والعقلية لإننا مرضى بأشكال وأعراض مختلفة وكل واحد فينا شايل هموم أو بيعاني من حاجة معينة مسبباله أزمة...
اللي خلاني أغير رأيي هو إني في يوم ما في شهر نوفمبر رجعت بدري من الشغل، الجو شجعني أعمل كوباية شاي انجليزي وافتح البلكونة، نسمة الهوا كانت حلوة أوي، جو مش بيتكرر غير نادرًا، لا منه حر ولا منه برد، منعش، وعشان كده قررت أطلع على سطح العمارة أكمل كوباية الشاي هناك..
لبست قميص بكم بسرعة وطلعت السلالم لحد السطح ومعايا الكوباية، منظر الشمس كان رهيب، الوان كتير كانت داخلة في بعض وعملت الضوء المنتشر في السما كلها، وقرص الشمس نفسه كان برتقاني هادي أوي مريح للعين والأعصاب، حسيت بحالة سلام محستش زيها قبل كده، ومع الإحساس ده فجأة جالي إحساس تاني، قد إيه الهدوء ده غالي أوي والدنيا ودوشتها صعبة ومتستهلش، كنت قربت من حرف السطح وعيني جت على الأرض البعيدة تحت العمارة، يا سلام لو الهدوء ده مكنش حالة وتروح لحالها، يا سلام لو فضل مستمر، مفيش دوشة تاني، مفيش مسؤوليات ولا اتهامات ولا سوء ظن ولا سعي ولا قلق من بكره ولا اشتياق لحاجات بقت مستحيلة، لا زعيق ولا خناق ولا غيرة ولا إثبات ذات، خطوة واحدة بتفصلني عن السلام ده، خطوة سهلة أوي، مديت رجليا الاتنين وفي لحظة رفعت واحدة منهم، مبقتش لامسة الأرض، في الهواء الطلق، وبعدين رجعت بسرعة، إيه ده؟!
إيه اللي كنت هعمله ده؟ أنا بجد كنت هعمل كده؟ سلام إيه ده اللي كنت متخيله لو نطيت، أنا كنت هموت كافر، خلصت حلول الدنيا، هيأس من رحمة ربنا، لجأت لكل السكك، خبطت على كل الأبواب عشان استسلم؟ الواحد رجله ممكن تتجر بالسهولة دي؟ ومفكرتش في اللي هسيبهم ورايا، ولو كان شخص واحد مهتم بيا؟ إيه الأنانية دي؟ مفكرتش الشخص ده ممكن يحصل له إيه بسبب موتي وبالطريقة دي؟ مفكرتش في الصدمة اللي هتصيبه وتوابعها عليه؟ وضميره اللي في الغالب هيأنبه بدل المرة مليون كل يوم عشان اكيد هيحس أنه خذلني وكان مقصر معايا، مكنش كفاية؟
انفجرت في العياط، متهيألي العمارة كلها والشارع سمعوا نحيبي، أهي جت لحظة الانهيار، مش زي ما أنا بسذاجتي كنت متخيل وخايف إنها تحصل قدام دكتور متخصص، جت وأنا كنت على وشك إني أعمل أغبى خطوة في حياتي، هخسر دنيتي وأخرتي، نزلت من السطح اللي كنت لسه شايفه أجمل مكان للاستجمام والفصل من الدوشة وبقيت شايفه مكان مرعب، كهف فيه قوة بتندهك عشان تقضي عليك..
فورًا، أول ما نزلت قررت إني هروح لدكتور نفسي، لازم أتعالج أو على الأقل أحاول...
ده اللي فاكره كويس، بعدها الدنيا بقت منغبشة شوية، فاكر مثلًا إني قعدت على اللاب توب 10 دقايق، كنت بشيك على الإيميل بتاع الشغل عشان كان المدير قال لي هيبعتلي شغل بسيط أخلصه من البيت واللقطة اللي بعدها كنت بتكلم مع صديق على الموبايل، حكيتله على النوبة اللي حصلتلي، الأفكار السودة والخطوة اللي كنت هعملها واتراجعت في آخر لحظة، الصديق اتخض، أول رد فعل إنه صرخ وقال:
-"يا خبر اسود، كنت هتعمل إيه يا مجنون؟ معقول يا "سليم"، أنت اتجننت؟
قلتله إني فعلًا عندي مشكلة، عقلية بقى أو نفسية معرفش، أنا فعلًا مش كويس ومش متزن، وعشان كده محتاج مساعدة، فضل مبلم لحظات وبعدين قال بتحمس أنه يعرف حد يعرف حد...
يمعنى يعرف واحد لجأ لدكتور نفسي معين، الحد اللي عرفه كان مريض جدًا، عنده وسواس قهري مزمن وبيتخيل إن علطول في حد بيراقبه وناويله على شر، مش حد واحد، لأ ده جاره وصاحب البقالة اللي تحت بيته، وبياعة الخضرة اللي على أول الشارع وعشرات الوشوش الغريبة في المواصلات وفي المترو والشوارع الجانبية وتحت الشغل وعن طريق وسايل التواصل الاجتماعي، غير مراقبة الموبايل و..و
وقال كمان إن صاحب الحالة اتحول تمامًا وبقى زي الفل بعد كام شهر بس، وده عشان راح لدكتور معين، شاطر جدًا ومتمكن ومختلف، وإني لازم، لازم أتعالج عند الدكتور ده بالذات، بس أنا مش فاكر إيه الكلام اللي دار ما بينا بعد كده، كإنه إرسال راديو مشوش لحد ما قفلنا المكالمة، كل اللي كان عمال يتردد في بالي دكتور "محسن فؤاد"، لازم أتعالج عند دكتور "محسن فؤاد"، الرقم لقيته متسجل وجاهز قدامي في جهات الاتصال، سجلته إمتى؟ قلت في نفسي أكيد يعني صاحبي هو اللي ملاني الرقم، بس مش فاكر ابدًا الفقرة دي، أكيد يعني كنت ملهي في اللي ملهي فيه، في الكلام الخطير اللي كنا بنقول له، طبيعي!
وكلمته...
مرة لحد ما الموبايل فصل، والتانية والتالتة والرابعة والخامسة، كنت هتجنن!
دكتور "محسن" لازم يرد عليا، ما هو أنا مش هتعالج عند دكتور تاني، هو الوحيد اللي هيقدر يساعدني، فضلت وراه، كنت مستعد أقعد في الركن اللي كنت فيه إلى ما لا نهاية لحد ما يرد، مش مهم افوت الشغل تاني يوم، افوت مصالحي، أفوت حياتي كلها، مهو كده كده حياتي في خطر، لازمته إيه الشغل أو أي حاجة تانية؟
وفي المرة السادسة الدكتور أخيرًا رد، كان باين عليه مخضوض ومتضايق، ساعتها بس أدركت إن الساعة كانت 1 بعد نص الليل، اتبسطت أوي كإني لقيت القشة اللي هتعلق بيها وهتنقذني من الغرق، وأكيد برضه كنت محرج، لكن فرحتي غطت إحساسي بالإحراج ، لكن...بعدها تشويش، مش فاكر تفاصيل المكالمة، فاكر بس الملخص، الجلسات مش هتبقى في عيادته عشان الوباء المنتشر، هتبقى أون لاين، عن طريق تطبيق معين، هشوفه وهيشوفني ويسمعني وبعدها ابقى أحول له فلوس الجلسة على حسابه في البنك، أصر إن التحويل في أول 3 جلسات يبقى بعد الجلسة مش قبلها....
هل أنا بدأت أتكلم معاه عن حالتي في المكالمة؟ حكتله عن اللي حصل يومها وخلاني مُصِر أكلمه بالشكل ده؟ مش فاكر...
أول جلسة بعد يومين...
يومين عدوا عليا كإنهم عمر بحاله، كنت أغلب الوقت ساكت في الشغل، مش بتكلم غير لو ضروري، لما برجع البيت بمد رجلي على الطرابيزة قدام الكنبة وبراقب عقارب الساعة، باكل بس لما الجوع يقرص بطني، مش برد على مكالمات ولا عايز أتعامل مع حد، البواب لما كان بيخبط على الباب عشان ياخد الزبالة كنت بتجاهله، وأنا اللي بنزلها بنفسي الصبح وأنا رايح الشغل..
مكنتش مستني غير حاجة بس، حاجة واحدة مركز عليها، الجلسة الأولى...
جريت على اللاب توب قبل المعاد ب 10 دقايق، كل شوية كنت بقوم اتأكد إن لمبات الراوتر كلها منورة، وبولع وأطفي النور عشان اتأكد إن الكهربا مش قاطعة وإن البرنامج اللي احنا هنتكلم من خلاله شغال، بعتلي على الواتس آب عشان نبدأ الجلسة، أنا أصلًا كنت قاعد مستني قدام اللاب توب، البرنامج فتح والدكتور ظهر..
=أنا متوتر أوي، عمري ما عملت كده، مش عارف ابدأ منين..
-أبدأ من أي حاجة عايز تبدأ بيها، من أول يوم في المدرسة، من وقت ما مشكلتك بدأت من وجهة نظرك، من أول علقة فاكرها من والدك، من نص ساعة فاتت، أي حاجة، أنا معاك.
كنت هبدأ لكن سكتت لحظات، سرحت، أخدت بالي من موسيقى هادية شغالة عند الدكتور، كانت مريحة أوي، بعد ما كنت متوتر لدرجة إن صوابعي كانت بتترعش، هديت، صوابعي ثبتت، دقات قلبي انتظمت، جفوني بطلت تفتح وتقفل كل شوية، كإني روحت قدام بحر، قاعد على أحلى واهدى شط في الوجود، وانطلقت في الكلام..
=معرفش البداية امتى وإيه السبب بالظبط، فجأة الدنيا ضلمت في عيني، كل حاجة فقدت بريقها، مفيش حاجة من اللي كانت بتبسطني قبل كده بقت تبسطني، لا الأكل اللي بحبه ولا الأماكن المفضلة عندي ولا الموسيقى اللي متعود عليها ولا الكمنجا اللي لعبت عليها من وأنا طفل واللي المفروض كانت أكتر حاجة بتبسطني، ولا السباحة ولا أصحابي اللي كنت بحب قعدتهم، بالعكس كل ما أشوف وش من وشوشهم كل لما التقل بيزيد عليا، كل لما بخرج للشوارع اللي كنت زمان بحبها بتزود الكآبة وضيق النفس اللي عندي، أي حد وأي حاجة بتزود الضغط، كإني في أوضة عمالة تضيق، جدرانها بتتحرك وبتضيق عليا، هربت لركن ومبقاش في مكان تاني ولسه الجدران بتضيق لحد ما مبقتش عارف أتنفس، عضمي بيتكسر، دماغي هتنفجر...
تشويش...
مش فاكر تعليقه على كلامي، إذا كان أصلًا علق ولا لأ، في شوية وقت حلوين واقعين، اللقطة اللي فاكرها بعد كده هو إني سألته إذا كنت بعاني من مرض الاكتئاب المزمن، واللي ليه علاقة بخلل في العقل، افرازات كيمائية أو حركة غير معتادة في المخ وفي الحالة دي يبقى مرض عضوي ومحتاج دوا ، ولا اللي أنا فيه مرض نفسي ملوش علاقة بخلل في الكيميا، رد وقال إنه مش هيقدر يحدد غير لو عملت تحاليل معينة لكن تقييمه المبدئي إنه خلل نفسي، وفي الغالب ليه سبب، نقطة انطلاق أنا مش عارف أحددها، السبب ممكن يكون موقف حصل وذاكرتي دفناه، موجود في اللا وعي، ويمكن الموقف حصل من زمان، من وأنا طفل ويمكن أيام مراهقتي او من 10 سنين، 20 سنة، قال إن في ترسبات بتحصل من التجارب بتاعتنا مش بنبقى واعيين ليها، زي كده جرايم القتل اللي المجرم فيها المفروض بينضف ساحة الجريمة وبيخلي المكان على سنجة عشرة لكن الخبرا لما بيرشوا مادة معينة في بقع في ساحة الجريمة بتنور باللون الأزرق وده بيبقى مكان الدم اللي اتمسح، ترسبات، ذاكرة الزمن اصلها مش بتتمحي تمامًا، ومفيش حاجة اسمها خيوط اتقطعت وعجلة مشيت، في أثر، دايمًا في اثر.
الجلسة خلصت على إيه، إيه آخر حاجة الدكتور قالها، إيه آخر حاجة أنا قلتها، مش قادر أفتكر..
فاكر إننا حددنا معاد الجلسة التانية، اسبوع من بعد الجلسة الأولى...
كنت متحمس جدًا للجلسة التانية، كإنه أكبر حدث في حياتي، مستني المعاد بفارغ الصبر، والدكتور ظهر في المعاد اللي حددهولي بالظبط، المرة دي انطلقت أكتر في الكلام، قلت إيه بقى؟ معظم الكلام مش فاكره، فاكر كويس الموسيقى الهادية اللي كانت في الخلفية، وإني اتكلمت في مواضيع كتير ملهاش علاقة ببعض ويمكن تبان تافهة، بس إيه هي المواضيع، إيه هي؟
بعد ما الجلسة خلصت حسيت بنشوة عجيبة، فاصل عن الدنيا ومبسوط بكده، عقلي نايم، في حالة خمول، معقول موضوع العلاج النفسي بيبقى فعال بالسرعة دي؟
من تاني جلسة بس حسيت إني واحد تاني، الدنيا مبقتش مضلمة، دي بقت بمبي، لقيت نفسي عندي رغبة أروح الشوارع اللي كنت بتمشى فيها، اللي كنت بلاقي روحي فيها، نزلت من بيتي الساعة 11 بليل على مصر الجديدة اللي هي الناحية التانية من البلد بالنسبة لي، روحت على الكربة، ركنت العربية ونزلت اتمشى، أحلى وأنقى هوا وأرقى شارع وأحسن ناس، نفس إحساسي بالكربة زمان قبل ما يصيبني اللي صابني، ببص في الساعة لقيتها 5 الفجر! أنا فين، فين، أنا في البيت، وصلت إمتى؟ قاعد هنا بقالي كتير؟ من الساعة 11 ل5 إيه اللي حصل، أنا كنت فين؟ بعمل إيه؟ مش فاكر...
مش مهم، المهم إني بقيت أحسن، يمكن الفجوات دي كانت موجودة من قبل كده وأنا اللي مكنتش واخد بالي، يمكن كون إني بدأت أخد بالي معناه إني فعلًا على المسار الصح، بتعالج...
ومع الجلسة التالتة مش مجرد رجعت تدريجيًا لحياتي القديمة، لأ، ده بقى في تغيير كمان، نفسي اتفتحت على حاجات مكنتش بعملها قبل كده، زي إني أعمل حاجات بشكل عفوي من غير تخطيط أو حساب للتوابع، مثلًا دخلت على مديري وطلبت إجازة، وده عشان طلعت في دماغي أسافر، أسافر مكان جديد مروحتوش قبل كده، أنا أصلي مكنتش بحب أسافر غير لأماكن محددة، هي اللي كنت برتاح فيها، معرفش جاتلي منين الرغبة دي، صوت في دماغي بيزن عليا أروح المكان الجديد ده..
ودي كانت بس البداية، مع تكرار الجلسات السفريات اتكررت ومش جوه مصر بس لأ، براها كمان، رصيد اجازاتي خلص فمكنش قدامي غير إني أقدم استقالتي عشان أكمل سفر، اليونان، فرنسا، إيطاليا، فلسطين، أمريكا، مالطة، الفاتيكان..
أيام كتير كنت بقوم أعمل الشاي بتاعي وأقف في البلكونة، اسرح في الناس اللي ماشيين في الشارع وبعدين ألاقي نفسي في سفارة البلد اللي هروحها عشان الفيزا وأي ورق تاني محتاجه، إيه اللي حصل من الصبح، من ساعة ما كنت براقب الناس في الشارع؟ معرفش!
اشمعنى البلد دي اللي قررت أروحها، معرفش، جبت الفلوس منين، معرفش، إزاي اصلًا عارف أعيش وانا عاطل، بصرف منين؟ معرفش، معرفش!
الموضوع ده بدأ يزعجني، صحيح منكرش التحول الإيجابي الرهيب في حياتي، لكن معاه في علامات استفهام كتيرة ظهرت، وش سعادة والوش التاني علامة استفهام كبيرة، كان لازم أتكلم مع دكتور " محسن" في المسألة دي، زي ما عالجني من الاكتئاب لازم كان يعالجني من التوهة اللي أنا فيها، يخليني افتكر، أسد الفجوات..
المشكلة كانت لسه موجودة لكن التوتر خف جدًا أول ما الدكتور ظهر قدامي على الشاشة وسمعت الموسيقى الهادية..
-الموضوع ده مسببلك إزعاج؟
=مش إزعاج بس، ده مسببلي رعب، أنا إيه اللي بيحصل لي، هل ده عرض من أعراض الاكتئاب؟
-اه طبعًا، الاكتئاب بيسبب التشتت والنسيان، عشان في هرمون معين اسمه الكورتزول ده بيخلي الجزء المسؤول عن الذاكرة في الدماغ بينكمش، لكن الخبر الحلو هو إنك لما تتعالج تمامًا المشكلة دي هتروح..
=ولحد ما اتعالج من الاكتئاب؟ الفجوات دي هعالج توابعها ازاي؟ حضرتك مش فاهم، أنا مش عارف أنا عايش ازاي، في كميات فلوس رهيبة معايا مش عارف جبتها منين؟ هل ورثت مثلًا؟ كان في أرض أو بيت كبير لحد قريبي مات والملكية دي اتباعت واخدت نصيبي منها؟ لو كده يبقى خبر جميل، مش الوفاة طبعًا، ربنا يرحم أمواتنا، قصدي إني معايا الفلوس بشكل...
-بشكل شرعي تقصد.
=مظبوط، مش الفلوس في حد ذاتها، ميهمنيش الفلوس على قد ما يهمني إن مصدرها يكون شرعي، مكونش عامل مصيبة أو حد عامل مصيبة اداني الفلوس دي، أو كانت متاحة بطريقة ما قدامي واخدتها من غير ما أحس، تكون مش بتاعتي أصلًا، وبعدين، مش المفروض اننا قطعنا شوط وإني تقريبًا مبقتش مكتئب؟ أنا حاسس إني اتعالجت، بقيت إنسان سعيد، إزاي كل الفجوات دي لسه موجودة ومش بتخلص؟
-خلينا متفقين يا "سليم" انك متعالجتش 100%، مش سحر هو، احنا يدوبك بقالنا 4 شهور مبتديين الجلسات، وإلا تبقى بتخدع نفسك، اه، في تحسن ملحوظ، لكن لسه، وإياك تفرح بالنتايج فتنسحب وتقول كده تمام، ممكن جدًا يحصلك انتكاسة ونرجع تاني لنقطة الصفر، وعشان متفتكرش يا سيدي إني عايزك تكمل عشان انا استفيد، فبقولك لو مش مرتاح كمل مع دكتور تاني، المهم انك تكمل، الحالة اللي كنت فيها في أول جلسة متقولش ابدًا انك تبقى زي الفل في أربع شهور ولا حتى سنة..
"دكتور تاني إيه ده اللي أكمل معاه، مظنش ابدًا إن كان في دكتور هيعمل معايا نفس النتايج اللي دكتور "محسن" حققها ولا كنت هرتاح بالشكل ده لحد غيره، لو كنت هكمل علاج كان هيبقى معاه هو وبس، وفعلًا كان لازم أكمل، لازم اتخلص من مشكلة النغبشة، الصور المهزوزة، الفجوات، الأحداث والأيام اللي بتقع ومعرفش بيحصل فيها إيه، ده غير إني لازم أفتكر كل اللي فات، عشان احنا بنتكلم في ثروة معايا معرفش مصدرها، مش مجرد حالة نفسية يعني، ممكن يكون وراها مصيبة..
على الجانب المشرق ومع مودي اللي كل يوم بيتحسن وسعادتي اللي بتكبر قابلتها..
الشمس اللي نورت القمر وخلته ينور السما العتمة في عز الليل..
وزي تأثيرها كان اسمها: "شمس"، الحمد لله إنها ظهرت في المرحلة دي، مش بس عشان تخلي حياتي أحسن وتخليني أنا أحسن نسخة من نفسي، لكن كمان لو كانت ظهرت قبل كده بكام شهر بس مكنتش هتبصلي أو تفكر فيا ولا حتى كصديق!
أنا كنت انسان كئيب فاقد للشغف، معنديش رغبة أعمل أي حاجة، معنديش رغبة في الحياة كلها أصلًا، لو كانت شافتني كانت عدت من جنبي ومبصتش وراها، أو عدت من خلالي لإني كنت زي الطيف اللي ملوش أي تأثير، الناس تقريبًا مش شايفاه ولا حاسة بوجوده...
اتقابلنا بعد ما قطعت شوط كويس في العلاج بتاعي، بقيت فيما يبدو بني آدم طبيعي زي الباقي، لأ وكمان عندي الثقة الكافية اللي تخليني أخد خطوة مع البنت اللي عجبتني وأقرب منها وأخليها تعجب بيا أكتر يوم عن يوم..
في فترة قليلة الإعجاب اتحول لحب، شعلة بتعلى وتعلى كل ما الوقت يعدي، طريقي مع "شمس" بقى واضح، "شمس" هي شريكة حياتي، مراتي المستقبلية وده مكنش هياخد وقت، أنا وهي أدركنا إننا مش هنقدر نعيش بعيد عن بعض..
أول مرة اتقابلنا فيها زي تاني وتالت وعاشر وكل المرات، الشغف واللهفة زي ما هي، لكن ده اتغير في مقابلة معينة، مش بتكلم عن احساسي تجاهها، قصدي على حالة السلام اللي كنت فيها...
اتفاجأت بيها بتقول لي:
-أنت نوباتك كترت اوي يا "سليم"، متابع مع دكتور بشكل منتظم؟
نوبات إيه، بتتكلم عن إيه؟
مسألتهاش علطول، وشي كان عبارة عن علامة استفهام كبيرة، مستنيها تفهمني تقصد إيه..
-إيه يا "سليم"، حبيبي أنا بس قلقانة عليك.
=مش فاهم!
-مش فاهم إيه؟ بتكلم عن حالتك.
=حالة إيه؟
-معقول، إحنا مش تخطينا المرحلة دي؟ هتتحرج مني؟ أنا أقرب واحدة ليك في الدنيا؟
=لأ بجد مش فاهم.
-النوبات اللي بتجيلك، لما بتفصل، بكلمك مش بترد عليا، بتعمل تعبيرات غريبة بوشك، وأوقات ترفع صوباعك وتعمل زي دواير في الهوا وتتكلم مع حد مش موجود وتضحك، وتقف في مكانك متتحركش، الحاجات اللي زي دي، دي نوبات صرع مش كده؟ مش مشكلة يعني الحاجات دي بيبقى ليها أدوية وعلاج، أنا بس قلقت عليك عشان الموضوع كتر في الفترة الأخيرة، لا يكون عشان خطوبتنا قربت ولا حاجة، متوتر مثلًا؟
عيني زاغت، بصيت الناحية التانية وبعدين رجعت بصيت ليها، نوبات؟ أنا بيجيلي نوبات؟ من إمتى؟ عندي صرع وأنا معرفش؟ لكن هي دي أعراض الصرع أصلًا؟ ولا دي أعراض ليها علاقة بالفجوات اللي بتحصل لي؟ وهل كل ده ليه علاقة بحالتي النفسية ولا.. مصيبة لو ده عرض جانبي للحبوب اللي باخدها، مع إني مش باخد كتير، دي جرعات قليلة والاعتماد الأكبر على الجلسات نفسها مع دكتور "محسن".
كل الأصوات سكتت من حواليا، مبقاش في غير صوت أنفاسي العالية، رديت:
=أنا لازم أقول له.
-تقول لمين؟
=دكتور "محسن"، لازم أقول له.
.........................
حاسس إني منهك أوي، جسمي كله مكسر، فارد جسمي على الكنبة وببص للسقف، إيه اللي جابني هنا؟؟
المفروض إني كنت فاعد مع "شمس" بنتغدا مع بعض وقالتلي على موضوع النوبات اللي بتجيلي، وآخر حاجة قلتها إني لازم أقول للدكتور "محسن" عشان يساعدني، إيه اللي حصل بعد كده؟ مش فاكر...
ليه تعبان كده، مش بس مهدود، عضمي بيوجعني، والصداع، اااااه...
قمت ومشيت بصعوبة لحد الحمام، وطيت في الحوض وغسلت وشي وبعدين رفعت راسي وبصيت في المراية لنفسي، في كدمة تحت عيني، أنا وقعت ولا إيه؟
عيني لمحت في المراية حاجة غريبة ورايا، ستارة البانيو كانت مقفولة، ليه مقفولة؟ لكن فيه حته صغيرة مكشوفة، وفي حاجة شايفها، حاجة مدلدلة من البانيو للأرض، قربت واحدة واحدة وفتحت الستارة، اللي مدلدل كان دراع بني آدم، بني آدم غرقان في دمه وممدد في البانيو!
اترميت في الأرض وخرجت مني صرخة مكتومة، أنفاسي بقت سريعة، عيني وسعت، حاسس إن قلبي هيقف، في قتيل في الحمام بتاعي، مين؟ ليه؟ إيه اللي بيحصل؟
الجرس قدامي، مشوش.. الصورة بتتهز، لقيت نفسي قدام باب بيت "شمس"، فجوة تانية! مش فاكر إمتى جيت، آخر حاجة فاكرها الجثة والدم اللي مغرق البانيو والستارة..
رفعت صوباعي ودوست الجرس، "شمس" فتحت، مكنتش مبسوطة كالعادة لما شافتني، عشان مش فاهمة إيه اللي جابني، واضح كده إني مكلمتهاش قبل ماجي، وإن شكلي باين عليه إني مش مظبوط..
=لازم تيجي معايا، مش هينفع أحكي، لازم تشوفي بنفسك.
مسألتنيش، محاولتش تفهم، لبست هدومها ونزلت معايا، وصلنا لبيتي، اعتذرت ليها، هي طبعًا عمرها ما دخلت البيت عندي زي ما أنا عمري ما روحت بيتها لوحدي، روحت بس مع خالي عشان نتقدم لها، لكن هي كانت مدركة الحالة اللي فيها وقدرت وفهمت إن في سبب قوي يخليني عايزها تيجي.
كانت مشبكة إيديها في بعض، خايفة ومتوترة، والموضوع بيزيد عشان لحد ما دخلنا البيت مقولتلهاش إيه اللي بيحصل، شاورت بإيدي عشان تيجي ورايا ، دخلت الحمام ودخلت بعديا، فتحت الستارة عشان أوريها المصيبة اللي في البانيو، اديت ضهري ليه، أعصابي مكنتش مستحملة.
-إيه يا حبيبي، بتاخد رأيي في البانيو؟ هو قديم شوية، بس ماشي، يعني مش لازم نغيره.
مش فاهم، إيه رد الفعل الغريب ده، دي الصدمة؟
-مشش..هو ده اللي أنت عايزني عشانه؟
ضيقت عنيها وحركت راسها وهي بتسأل، زي ما تكون مش فاهمة بجد، اتلفت وملقتش الجثة!
البانيو كان نضيف، متلمع وزي الفل، مفيش ولا نقطة دم...
لأ، لأ مكنتش بحلم ولا أنا بهلوس، كان في جثة أنا متأكد..
طب أقول لمين، أقول له هو، للدكتور؟ ودي خطوة صح؟ صحيح هو أكتر واحد بيساعدني، مفيش غيره اصلًا ممكن يساعدني، لكن أنا كده ممكن أورط نفسي، أنا مش عارف أنا عملت إيه، مش عارف، مش عارف..
قررت أتجاهل الموضوع ولو لكام يوم، أدي لمخي إجازة، أما بقى الجلسة اللي بعد كده فاتكلمت بشكل عام عن الفجوات وإنها كترت وكمان عن النوبات اللي اتقال لي إنها بتجيني وأنا مكنتش مدرك..
دكتور "محسن" أكد لي إني بشكل عام بتحسن، لكن عشان اتطمن أكتر كتبلي على حبوب أخدها جنب الحبوب المعتادة..
التشويش مقلش، بالعكس، زاد، والفجوات كترت، أنا مبقتش مركز ولا فاكر الأحداث بتاعة يومي معظم الوقت، بس في حاجة معينة أجبرتني انتبه، مشهد غريب شفته على النت، فيديو انتشر على اليوتيوب وفي كل السوشيال ميديا، ممثلة مشهورة كانت في مهرجان للأفلام وهي بتتكلم مع المذيع قدام الكاميرا فجأة فصلت، مسرحتش ثانية ولا اتنين، فصلت تمامًا بعد ما كانت بتضحك، سكتت وبصت في اتجاه معين، عنيها وملامحها ثابتين، المذيع في الأول ضحك، افتكرها بتهزر ، وبعدين بدأ يتوتر عشان لما ضحك وحاول يكلمها مستجابتش، هو كان قدام الكاميرا ومش عارف يتصرف ازاي فغلوش وقال أي كلام عشان ينهي الحوار وينتقل لحد تاني لكن قبل ما يعمل كده الممثلة ضحكت بصوت عالي مبالغ فيه، وفضلت تتكلم بنفس النبرة العالية وهي بتضحك، المشكلة إنها كانت بتتكلم مع الهوا، مفيش حد قدامها! وبعدين راسها فضلت تتهز بشكل مريب كإنها جهاز حصل خلل في برمجته، وبعدها سكتت خالص ولفت وبدأت تتحرك، كانت بتتحرك بشكل بطيء جدًا كإنها خاصية في فيديو، بترفع رجليها وتنزلها في وقت كبير، الممثلة دي حالتها زيي!
ده اللي جه في بالي، كنت متأكد، معرفش إزاي، النوبات اللي بتجيلي وحكتلي عنها "شمس"، وصفها تقريبًا هو نفسه بتاع نوبات الممثلة، أنا وهي بنتعرض لنفس الحالة..
تاني حاجة جت في بالي بقى هو إني أرمي الحبوب اللي عندي كلها في التواليت ومحضرش الجلسة اللي جايه مع الدكتور!
ليه برضه معرفش، الحدس بتاعي خلاني أعمل كده، مع إن ده مش منطقي على الإطلاق، دكتور "محسن" الوحيد اللي يقدر يساعدني، ليه عملت كده، ليه عملت كده..
حسيت بالتغيير تاني يوم علطول، النغبشة قلت، الدنيا كلها فجأة بقت أوضح، قمت بدري عشان الست اللي بتيجي تنضف جت، هو ده معادها من كل اسبوع..
وكالعادة مكنتش مركز معاها، بقعد في الأماكن اللي مش بتنضف فيها، لكن لاحظت إنها مجتش ناحية دولاب الكتب، اشمعنى ده اللي متنفضش، سألتها ليه منفضتهوش، استغربت، قالت إني منبه عليها متهوبش ناحيته وده في آخر كام شهر!
أنا قلت كده؟ مش فاكر، طب ليه، إيه اللي يخليني مش عايزها تيجي ناحية الدولاب، أول حاجة عملتها هو إني قلتلها تمشي ومتكملش تنضيف، إديتلها أجرة اليوم، كإنها نضفت الشقة كلها، وهي بتقفل باب الشقة كنت أنا فتحت الدولاب وبدأت أنزل في الكتب كلها وأرميهم على الأرض، التراب كان مغطي الكتب والأرفف، نزلت صف ورا صف لحد...
لقيت قماشة ملفوفة، جواها حاجات، نزلتها، كانت تقيلة، فتحت اللفة ولقيت..منشار!
منشار كبير فيه بقع دم ناشفة، ده غير جوازات سفر، 10 جوازات سفر عليهم صوري وبأسماء مختلفة..
كله ليه علاقة بيه، الفجوات والنوبات مبدأتش غير لما اتعاملت معاه، استغل مرضي وسيطر على دماغي، مفيش غيره، دكتور "محسن"!
لازم أفوق، أربط الخطوط ببعضها، أنا كنت ماريونيت في إيده، وفي الغالب الراجل ده يأما مش مصري، يا مصري بس بيشتغل لصالح جهة أجنبية، يا بلد تانية، يا نظام معين، نظام ليه أجندة تتعدى حدود دولة بعينها ومصالحها، أنا حصل لي غسيل دماغ وبقيت جاسوس من غير ما أدرى...
جريت على الموبايل، دورت على اسم صاحبي اللي رشحلي الدكتور وكلمته..
=أيوه يا "أمير" معلش أنا كنت عايز أوصل لصاحبك اللي كان بيتعامل بشكل شخصي مع دكتور "محسن".
-دكتور "محسن" مين؟
=الدكتور اللي أنت قلتلي عليه لما حكيتلك عن حادثتي عالسطح.
-حادثة إيه؟ "سليم" أنت كويس؟ انت حصلك حادثة؟
أدركت حاجة مرعبة اكتر، المكالمة محصلتش أصلًا، لما حكتله على حالتي وقال لي على الدكتور اللي صاحبه لجأله وساعده وعالجه من الوسواس القهري، المكالمة دي مزيفة، حد أوحالي بيها، أنا اتلعب في دماغي وذاكرتي أكتر مما أنا متخيل، حتى الطريقة اللي وصلت بيها للدكتور زيفوها، عملوا سيناريو كامل في دماغي ملوش أساس..
أنا عرفته إزاي؟
مخدتش وقت، بعد ساعات افتكرت، لما نزلت من السطح وقعدت على اللاب توب فتحت موقع معين وظهرلي إعلان، إعلان عن خدمة علاج نفسي، وصورة دكتور، الصورة تحتها كلام جذاب، من نوعية "إحنا هنا عشان نساعدك" و"مشكلتك حلها عندنا" و "لسه في أمل" و"مفيش مستحيل أنت تقدر" ودوست على المربع اللي ظهر فيه الإعلان وفورًا اتبعتلي رسالة من الموقع، رديت وبعدها وصلتلي رسالة على الواتس آب تلقائيًا كده من غير ما ابعت الرقم.
واتحدد معاد الجلسة الأولى ومن بعدها باقي الجلسات...
الموسيقى اللي في أول الجلسة، هي دي كانت البداية، الطلقة اللي خدرت عقلي، سمعت قبل كده زمان عن الموضوع ده بس مكنتش مصدقه..
في ذبذبات معينة بتسبب الإدمان وبتخدر العقل، في حالتي كانت الموسيقى الهادية اللي بتقلب حالي كل مرة مع بداية الجلسات، قبلها كنت بحس إني متوتر لدرجة إن قلبي هيقف، في حالة رهيبة من التخبط وعلى وشك الانهيار، أول ما اسمعها بيحصل لي خمول، عقلي بينمل، مش مجرد كانت بتغير حالتي، دي كانت جزء من عملية التنويم، أيوه، أنا بنسبة 100% كنت بتعرض لتنويم مغناطيسي، وبعد الموسيقى كانت الحبوب، أقوى حبوب تغيب العقل، أقوى من المخدرات! اه صحيح، أنا كنت بجيب الحبوب دي منين؟ مش فاكر وأكيد الحبوب كانت بتتحط في علب أدوية تانية، ده غير تأثير الدكتور في حد ذاته، كلمات معينة كان بيقولها، نبرة صوت، إسلوب...
حاجات كتير جت في دماغي مرة واحدة كإنها بيانات من جهاز كمبيوتر، ربطت صور ومواضيع كتير ببعض، كان في برنامج قريت عنه وشفت برامج وثائقية، برنامج اسمه "إم كيه الترا"، كان مشروع سري في جهة ما في أمريكا في السبعينات، المشروع ده كان الغرض منه التلاعب في عقول البشر اللي بقوا فيران اختبار، وإعادة برمجته، الجهة أدت إشارة الانطلاق للمشروع والنتيجة إن عدد كبير جدًا من الناس اتعرضوا للتجربة، أظن في الأول كانوا اللي في المصحات النفسية والمساجين وبعدين فتيات الليل وبعد كده الموضوع وسع والتجارب بقت على اللي بيلجأوا لدكاترة نفسيين وتقييمي إنهم ممكن جدًا يكونوا استغلوا الناس اللي عندهم حاجة مادية ودول اتطوعوا للتجارب ومكنوش عارفين بالظبط إيه نوع التجارب والتأثير البشع عليهم، والله أعلم عدد المواطنين اللي اتعرضوا للتجربة بعلمهم أو من غير علمهم، وبعدين افتكرت كلام بيتقال هناك عن المشاهير، المغنيين والممثلين وحتى بتوع السياسة، إنهم ولحد دلوقتي بيتعرضوا للتجربة دي وإن المشروع لسه شغال، وده عشان المشهور بيبقى عبارة عن واجهة، حواليه ناس كتير مستفيدين من شغلته وشهرته ومقابل الشهرة دي بيبع نفسه للي بيعملوا التجارب وفي الآخر بيبقى عبارة عن عروسة من غير روح ولا عقل، بيتعمل له غسيل دماغ كامل، مش بيفكر ولا بيتصرف بنفسه، والدليل على كده مناسبات كتير المشاهير اتعرضوا فيها لنوبات مش مفهومة، مش نوبات الصرع المعتادة، نفس أعراض..الممثلة إياها اللي الفيديو بتاعها انتشر ، وأنا متأكد إنها حضرت جلسات مع نفس الدكتور بتاعي، الدكتور "محسن"، لو ده كان اسمه اصلًا، ويا ترى هي من أنهي فئة؟ زيي، من الناس اللي معندهاش فكرة إنها من ضمن مشروع ما علمي أو مشروع متقدم عن كده، مش مجرد تجارب، دي أجندة عشان تنفيذ عمليات معينة؟ ولا من الفئة التانية اللي عارفه إنها هتبقى حبة من عقد، لا تعرف تنفصل ولا يبقى ليها كيان مستقل؟ وحتى في الحالة دي متأكد إن اللي بيوافق مقابل شهرة وفلوس مش بيبقى واعي إنه فعليًا مش هيبقى ليه أي تحكم في نفسه وإنه هيبقى محبوس جواه، بيصرخ وشايف من القضبان صورة بالحجم الصغير عن اللي بيحصل ليه ولا عارف يخرج ولا حد سامعه...
أنا بقى أدركت بالظبط دوري في المشروع، أنا اتحولت لجاسوس لصالح جهة أجنبية، إيه جنسيتهم، إيه غرضهم، إيه أنواع العمليات اللي بيطلبوها، الله أعلم، بس برضه أنا متأكد إن اللي قتلته وحطيت جثته في البانيو مش الوحيد، أنا بقيت قاتل متمرس بدليل إني قدرت اخفي الجثة وأنضف ورايا والمنشار اللي خفيته وعليه دم ناشف، لكن كل ده هيتغير، مش هحضر جلسات ولا هاخد حبوب تاني..
روحت لشمس وحكيتلها كل حاجة، اديتها تفاصيل عن ملامح الدكتور، أصلها رسامة شاطرة، رسمته بالقلم الرصاص على ورقة بيضة..
مكنتش عارف بالظبط ممكن أعمل إيه بالرسمة، هبتدي منين؟ ولو لقيته هعمل إيه معاه؟ هعرف أعمل حاجة أصلًا؟
وصلت تحت العمارة بتاعتي، تليفوني اتهز وسمعت رنة الواتس آب، كانت رسالة من واحد صاحبي، مكنش عندي مزاج أفتحها ومع ذلك فتحتها..
عديت المدخل ووقفت استنى الأسانسير، واحدة جارتي كبيرة في السن وقفت جنبي، عنيها جت على الورقة اللي ماسكها، قالتلي:
-ياااه، إيه اللي فكرك بيه؟
=آسف، تقصدي مين؟
شاورت براسها على الرسمة، رفعتها وبصيت فيها وبعدين بصيت ليها وقلت:
=حضرتك تعرفي مين ده؟
-أيوه طبعًا، ده جارنا اللي كان ساكن في الدور السابع، مات من 25 سنة كنت أنت 6 سنين وباباك ومامتك كانوا لسه عايشين! إيه اللي فكرك بيه؟
جارنا! يا الله، حتى شكله زيفوه! ركبوا ملامح مزيفة، وش مدفون في الذاكرة بتاعتي على وش الدكتور، أوحولي إن دي ملامحه، إن ده دكتور "محسن" وفي الحقيقة دي ملامح حد كان في حياتي من سنين طويلة، وده معناه إنهم وصلوا لحاجات في دماغي، ذكرى، وشوش، أحداث، إمتى وإزاي؟
أكيد شفت الوش الحقيقي للدكتور في الأول لكن في مرحلة ما لعبوا في صورته وحطوا وش بدل الوش في دماغي وخلوني اقتنع إن جارنا هو الدكتور وده برضه سبب من الأسباب اللي خلتني أرتاح ليه واثق فيه أكتر، ملامح مألوفة وشخص كان مريح بالنسبة لي وأنا طفل!
سألت البواب وعرفت إن شقة الجار متباعتش من وقت وفاته، اتأجرت بس من وقت للتاني، الورثة اتفقوا على كده والإيجار راح لحد منهم كانت ظروفه صعبة، لكن في الوقت ده الشقة كانت فاضية مش متأجرة، ضحكت على البواب وقلتله إن في ناس تبعي عايزة تأجر في العمارة، طلعت معاه الشقة وفضلت أمشي فيها، لمحت صورته متعلقة في الصالة، حاجة مرعبة! أنا كنت بتعامل مع حد ميت طول الوقت، وش اتدفن من زمان ربطته بحد حي واتعاملت مع الحي على أساس إنه الميت، واللي بيحصل لي كله مرعب أكتر بكتير من الوشوش اللي اتبدلت، ده أنا حتى مخدتش بالي قبل كده إن الحدث اللي الدكتور المزيف قال لي عليه وإنه ممكن يكون السبب في اكتئابي عمره ما حاول يعرفه، يعني محاولش في أي مرحلة يعالجني بجد، إزاي كده، إزاي مخدتش بالي؟
وبس..
دي آخر حاجة فاكرها!
آخر لقطة المفروض كنت في شقة الجار الميت ببص على صورته، إيه اللي جابني هنا؟
في ريحة قوية، شبه الصديد بتاع الحديد، لكن.. دي ريحة أنا عارفها كويس، دم!
أنا ماسك حاجة في إيدي، ساطور، الدم لسه لزج عليه، نقط بتنزل على الأرض، نقطة ورا نقطة صوتها عالي أوي، في حد ممدد على الأرض قدامي، قربت من الجثة، متشوهة، بس قدرت أتعرف على صاحبها، دي، دي شمس..
إيه اللي حصل؟ مش فاكر.. إيه اللي حصل؟
المفروض إني بطلت الحبوب وقطعت الجلسات، لكن، رسالة الواتس آب!
الرسالة اللي فتحتها قبل ما أطلع العمارة، اللي المفروض كانت جايالي من واحد صاحبي، كانت رسالة صوتية، سمعتها، موسيقى، موسيقى هادية ومريحة للأعصاب وجواها كلام بنبرة هادية، أوامر، إني اقتل شمس..
يا ترى "شمس" كانت مهمة من مهماتي من الأول ولا خلوني أقتلها عشان عرفت أكتر من اللي المفروض تعرفه، بقت خطر وكان لازم نتخلص منها، مش مهم، انا دوري أنفذ المهمات، دوري أنفذ المهمات، دوري أنفذ المهمات...
"تمت"