آخر الموثقات

  • صادقوا الرومانسيين
  • ربي عيالك ١٠
  • من بعدك، كلامي بقى شخابيط
  • إيران من الداخل بعد الحرب.. 
  • معضلة فهم الحرب على إيران
  • نصر سياسي ايراني
  • قصة قصيرة/ وصاية الظل
  • ق ق ج/ سرُّ الشجرة والقوس
  • قليل من الحياة
  • حين كنت تحبني سرآ
  • رفاهية الضياع
  • وفتحوا المكاتب تخصص جديد
  • يمكن الطريق موحش!
  • الخلل
  • لا أعيش مع بشر
  • اسئلة عقدية خليلية 
  • جرح الكلمات
  • الصالونات الثقافية ...... هل هي بدعة جديدة ؟
  • الحب الصحي
  • المولوية
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة ياسمين رحمي
  5. الخلاص ، رواية

بسم الله الرحمن الرحيم

القصة مستوحاة من سيرة قرية سدوم

خيوط الميه شبه الماس، اتنين راقيين ماشيين جنب النهر، أشكالهم ولبسهم بيقول إنهم عايشين في رفاهية...

الموسيقى رايقة، زيها زي أهل القرية، هادية، تشبه موج النهر الهادي، وهناك على المسرح عروض، أراجوز ومشاهد تمثيلية، ضحك وفرفشة، نقاشات ودودة ووشوش منورة لونها وردي مليانة، بتعكس العز اللي كلهم فيه....

بعد شوية الكل سكت، بصوا في اتجاه واحد، وسعوا لشخص بعينه...

الشخص ده قال:

-من 20 سنة بس كان في أكتر من سجن ، الزنزانات كانت زحمة ، الجرايم كانت منتشرة ما بين قتل وسرقة واعتداءات وقطع طرق ، وفجأة مع اتفاق ضمني ووعي من السكان الجرايم بدأت تقل... في الوقت اللي الفقير قرر يرضى باللي ربنا قسمه ليه الغني قرر يتضامن أكتر مع الفقير ومعاهم العصابات اتخلت عن إرث الأجداد الإجرامي ودوروا على طريق جديد لأكل العيش.... التكافل والوعي وإعادة التأهيل والتعليم، كلهم ساهموا في ولادة مجتمع جديد، مجتمع سوي، مجتمعنا...

اللي ميعرفوش كبير قضاة القرية اللي كان لسه بيقول خطبته إن في نفس الوقت ده إختلطت مية النهر بحاجة تانية، مادة لزجة، تقيلة، غنية باللون الأحمر، دم....

كمل خطبته:

=وبكده السجون اتقفلت، مبقاش في حاجة ليها، أول قرية خالية من السجون...

مصدر الدم المخلوطة بالميه كانت جثة ممددة على الطرف، يدوبك لامسة الموج الصغير اللي كل شوية بيخبط فيها، النزيف مستمر، اللون الأحمر بيزيد كل مدى...

= وبكده قررنا من زمان نخصص أوض في بيوت المسؤولين في القرية وده عشان لما يظهر من وقت للتاني مجرم يتحبس فيها بدل السجون، كان كل فين وفين بيظهر حد خارج عن القانون لحد من عشر سنين فاتوا....

جنب الجثة كان قاعد شاب مكملش العشرين، إيديه بتنقط دم، وفي بقع من الدم في وشه الأبيض الشاهق وعلى شعره البني الفاتح....

=من عشر سنين محصلتش جريمة واحدة ، ولا جريمة، ولا حتى شتيمة ، بقى القاضي، اللي هو أنا كل شغلته يصلح ما بين الجيران ويفضي خناقات المتجوزين....

القاضي كان صوته كله تحمس، واصل لأطراف القرية...

واحد مد إيده بيغرف من النهر عشان عطش، كان سرحان، مش باصص للمية، بيسمع خطاب القاضي، لدرجة إنه مخدش باله من الدم المخلوط بالميه، وأخيرًا ومع سكوت القاضي للحظات الراجل بص للنهر وشاف اللي فيه، وقتها سمع صريخ من كذه حد:

-قتيل، قتيل...

ملامح القاضي اتبدلت، عنيه وسعت عالآخر، وقال:

=في ايه؟

رد عليه واحد من اللي شافوا الجثة:

-غريب.

=القاتل ولا المقتول؟

-الاتنين!

بعد حالة الشلل القاضي اتحرك بسرعة ومعاه عدد لمكان الجثة...

الشاب كان لسه قاعد بنفس الوضعية ، لا بيتحرك ولا بيرمش حتى، منظره وملامحه الحادة والجثة المشوهة المتقطعة بشكل بشع كإنها اتعرضت لهجوم حيوان مفترس خلت الرعب يسري في كل الحاضرين، وفي القاضي كمان اللي أخيرًا ظهر...

القاضي سأل:

=إيه اللي حصل؟ أنت اللي عملت كده؟

رد الشاب بصوت واطي وحاد:

-أيوه!

=أنت مش من هنا.

-أيوه.

=منين؟

مردش عليه...كمل وسأله:

=سنك؟

-هتفرق؟

=لأ...امسكووه.

الشاب مقاومش، اتحرك مع اللي مسكوه كإنه قطعة صلصال مرنة ملهاش إرادة.

فضلوا ماشيين لمكان الاحتفال...

القاضي سأله:

=أنت مدرك أنت عملت إيه؟

-قتلت

=لأ، مش بس قتلت، أنت دمرت سلام قرية كاملة، زلزلت أرض مستكينة...هتتحاكم، هتدفع تمن اللي عملته.

الشاب كان جامد، ملامحه مش بتتغير مهما كان الكلام اللي اتقال ومهما بصله الناس واتكلموا عنه، لكن مع نهاية كلام القاضي يدوبك شفايفه اتحركت سنه، عملت شبح ابتسامة.

القاضي بكل ثقة وجه كلامه لكبار القرية، قال إن الولد هيتحبس مؤقتًا في بيت واحد فيهم عبال المحاكمة.. لكنه ملقاش رد ، مسؤولين القرية دلدلوا راسهم وكتافهم ومنطقوش..

أخيرًا واحد من التجار الكبار قال:

-أنا ممكن أخده.

القاضي "عباد" وقتها رد:

=لأ، أنا اللي هاخده!

وده عشان حس بخوفهم، حتى التاجر اللي عرض ياخده عرضه كان من باب الإحراج مش أكتر...

............................

"عباد" مكنش يتخيل إن هييجي اليوم اللي يفتح فيه أوضة الحبس في بيته مرة تانية....

بصوت مهزوز قال للمجرم:

=آسف على التراب، إحنا منضفنهاش من فترة، مكناش عاملين حسابنا.

-معلش.. هو المجرم أصلًا ميستاهلش مكان نضيف مش كده؟ عادي أن التراب يتسلل جوه صدره، اللي جواه كده كده فاسد متعكر.

.......................................

فجأة الجو بقى برد، كل كبار القرية وصلوا تقريبًا في نفس الوقت، قعدوا على الحشيش الأخضر الرطب وحواليهم الأشجار الضخمة العتيقة، وسطهم كان القاضي "عباد"...

واحد فيهم قال:

-هنعمل ايه مع الولد؟

رد القاضي بنبرة واثقة:

=هنحاكمه طبعًا وفي أسرع وقت.

-إحنا فاهمين ده، ايه الحكم اللي ممكن نحكم عليه بيه؟

=أقصى عقوبة!

ساعتها "جاسم" لف ل"عباد" وقال:

-ده طفل، مكملش العشرين.

"عباد" رد بحزم:

=دي مش جريمة طفل، الوحشية كافية إننا منتعاملش معاه برحمة.

-واحنا خلاص عرفنا وقيمنا حالته العقلية والنفسية؟ بالعكس بقى، طريقة القتل مع سنه الصغير دليل أنه مش متزن أبدًا، مشفتوش وشه وثباته لحد ما اتقبض عليه؟ كأنه مش مدرك فداحة اللي عمله.

واحد تاني علق:

-وبعدين من حقه نسمع منه ظروف الجريمة، حصلت ليه؟ وليه نفذها بالبشاعة دي؟

"عباد" سكت للحظات وبعدين قال بعصبية:

=ماشي، وفي الآخر القرار ليا!

مستناش رد منهم، اتنفض من مكانه ووراه الباقي، كانوا ناويين يروحوا بيوتهم لولا إن في مشهد وقفهم...

 القمر والسحاب اتحجبوا، وده عشان آلاف الطيور انطلقت في نفس واحد، غطوا السما كلها كإنهم ستارة!

واحد منهم قال:

-ده مش موسم هجرة الطيور، رايحة فين؟!

محدش كان عنده رد....

...........................

"عباد" أول ما وصل البيت دخل على أوضة بنته، حس إنه محتاج يتطمن عليها، راقبها وهي ممددة، اتأكد إنها كويسة وبعدين راح على أوضته، قرب من مراته واتأكد إنها هي كمان كويسة، سمع صوت أنفاسها وهي نايمة، وبعدين خرج من الأوضة...

برغم خوفه الشديد لقى نفسه بيتشد لمصدر الرعب، ميعرفش امتى، بس فجأة إكتشف إنه على عتبة الباب، باب الزنزانة....

-كنت مستنيك!

=مستنيني؟؟ ليه؟

-قررتوا ايه ؟

=ايه القرار اللي المفروض ناخده؟

الشاب ضحك ضحكة مكتومة، مشي في دايرة صغيرة ورد:

-اللي تشوفوا اني استحقه، ليكم مطلق الحرية.

=ايه الهدوء اللي انت فيه ده؟ أنت مش مدرك اللي عملته؟

القاضي اتهز، اتلفت بالشمعدان اللي كان شايله واستعد يمشي من الزنزانة...

التفت للمرة الأخيرة ناحية الأوضة وهو بيقفل الباب بس ملقاش الدنيا عتمة، لقى دايرتين صغيرين بيخرج منهم ضوء بنفسجي محمر، دي كانت عيون السجين، وكانت طبق الأصل عيون قط بري، البؤبؤ عمودي والعين بتلمع، كإنه بيستعد للصيد....

.................................

 "عباد" صحي مع خيوط الفجر، نقى أول جلابية شافها، لبس وخرج من بيته في اتجاه النهر...

خلع الجلابية ونط في النهر، مكنش في مخلوق غيره، مفيش غير الشلال البعيد والجناين المحاوطة للنهر، كان محتاج للروقان ده قبل المحاكمة...

ساب الميه تغمره، غمض عينه وفتحها من تحت الميه...لمح حاجة، دراع، الدراع اتمدت في اتجاهه، صاحبها كان عايز يشده، يمكن افتكر إن "عباد" في خطر، افتكره بيغرق...

المشهد ده خلاه يخاف على نفسه، حس إنه ممكن يكون بيغرق وهو مش داري، لازم كان يخرج إيده على الأقل من الميه عشان صاحب الدراع يشده، بسرعة، لازم يطلع إيده بسرعة...

أول ما خرج إيده في جسم تاني خبط فيه، حد غيره كان في النهر، الحد ده شده جامد، مكنش عايزه يستجيب للدراع اللي بتحاول تطلعه!

بص بذعر للي جنبه في النهر، لقاه "نفسه"!، نسخة تانية منه، وصاحب الدراع كان الشاب، القاتل...

قام وهو بينهج، كان كابوس بشع...كابوس مش مفهوم، "عباد" مكنش لسه اتحرك من بيته، كل ده كان مجرد حلم...

كل ده هيروح قريب...تأثير الشاب عليه هيختفي لما المحاكمة تتم....ده اللي كان فاكره عباد...

.....................

حسب الاتفاق جم شوية رجالة أخدوا الشاب من الزنزانة، مشيوا بيه من بيت القاضي لموقع المحكمة....

الشاب كان منساق تمامًا، عنيه مفيهاش استعطاف، مش بيقاوم، كإنه كتلة من الإزاز البارد الحاد....

وصل الشاب للمكان المقصود، وقف وقدامه الناحية التانية كان قاعد "عباد" في كرسيه الكبير...

بعد سكوت دام لثواني أخيرًا نطق:

=انعقدت المحكمة!.... أنت عارف أنت هنا ليه؟

-أكيد!

=طب ما تشرح، قول أنت هنا ليه؟

-عشان جريمة القتل اللي حصلت على ضفة النهر.

=أنت اللي ارتكبتها؟

-ايوه.

=وضح التفاصيل.

-بآلة حادة عملت شق في بطنه كان كافي يشله وبعدين وسعت الشق بإيدي، فضلت أحفر وأحفر لحد ما طلعت كل امعاءه بره.

هنا فقد "عباد" السيطرة على نفسه، الهيبة اللي كان راسمها وهو جواه مهزوز، بص الناحية التانية، هرب من نظرات الشاب...

-فضل عايش لوقت، حس بالألم في كل المراحل...

ابتسامة خفيفة اترسمت على وش الشاب كإنه حاسس بفخر ونشوة...كمل:

-بعد كده مسكت راسه وخبطتها على صخرة، صدره كان لسه بيتحرك ، بواقي أنفاس، بواقي حياة، موته كان بطييييء...

=بس كفاية! ايه دافع الجريمة؟

-رغبة.

=رغبة؟!

-حسيت أني عايز أعمل كده.

=ايه علاقتك بالمجني عليه؟

-معرفوش!

=من غير دافع يعني؟!

-مين قال كده؟!

"عباد" جاب أخره، اتنفض من مكانه وزعق:

=حكمت عليك بالإعدام، والتنفيذ كمان 7 أيام!

-وليه ال7 أيام، مهلة عشان أتوب قبل الموت؟ ، التوبة وقتها فات من زمان، مفيش توبة.

أول لما خلص جملته أصوات الخيول عليت، كانوا في حالة هياج، الأصوات قربت من الجمع في ساحة المحكمة، وقبل ما يدرك الناس اللي بيحصل، اقتحمت الخيول المهولة الساحة، كانت كل خيول القرية! كلهم انطلقوا في نفس الوقت في اتجاه واحد من كل مكان، محدش من صحابهم عرف يسيطر عليهم...

الناس اتفزعوا، حاولوا يهربوا، ومنهم اللي نجح في الهروب وكتير...كتير اتسحقوا تحت أقدام الخيول ومن دفع الباقي ليهم،"عباد" اتلم حواليه عدد من الرجالة عشان يحموه، كان عمال يلف في كل الاتجاهات زي الممسوس بيراقب المشهد....

بعد مرور الخيول وبعد ما التربة اتصبغت بلون الدم، كملوا جريهم لحد النهر وبعدين نطوا فيه وغرقوا، كانوا عايزين يهربوا من القرية بأي شكل حتى لو ده معناه موتهم!

...............

"عباد" رجع على بيته مع عدد من الرجالة وكبار القرية، كان تايه، فاصل عن الدنيا...

"جاسم" بص له بقلق وقال:

-"عباد" أنت كويس؟ أنت سامعني؟

"عباد" هز راسه من غير كلام..."جاسم" قال:

-أنا هاخده عندي لحد تنفيذ الحكم، أنت مش مضطر تخليه عندك.

هنا فاق من غيبوبته وقال:

=لأ، مش هيروح ف حته، أنا المسؤول عنه.

"كنان" كبير العطارين اتدخل وقال:

-لانت ولا هو، السجن ف بيتي جاهز، دي مش أول مرة استقبل فيها سجين!

=الشاب بتاعي أنا! أنا اللي مسؤول عنه، محدش هيسجنه غيري، الموضوع ده محسوم.

"جاسم" سأل:

-"عباد" هو ايه اللي حصل للخيول؟!

مردش عليه، مشي في اتجاه الزنزانة....

الرجالة اللي جروا الشاب للزنزانة كانوا لسه معاه، "عباد" قال لهم يمشوا ويسيبوهم لوحدهم...

خرج من جيبه مفتاح الزنزانة الضخم، كان عايز يعرف الشاب مين اللي ليه السيطرة، إنه هو "القاضي" اللي ليه السلطة الأعلى...

-متقوليش أنك متخيل أن ليا دخل في هياج الأحصنة ودهس الناس، أنت راجل مؤمن ومتعلم، مش كده يا "قاضي"؟

"عباد" بص له من أطراف عنيه من غير كلام، مقدرش يأكد أو ينفي اللي قاله، سابه ومشي...

*****************

الأفكار كانت زي الوحوش، اتكاترت على دماغ القاضي وفضلت تنهش فيه، فات الليل والشمس ظهرت ولسه مكنش جايله نوم ولأول مرة ياخد باله من حاجة....

الشاب من وقت ما اتحبس مكلش!

محدش قدمله أكل، إزاي فاتت عليه لأ والتاني مطلبش ياكل...

حتى لو كان مصيره الإعدام من حقه ياكل، من حق أي بني آدم ياكل لو سفاح أو مجرم حرب....

ملى طبقين بأصناف مختلفة ونزل للسرداب....

فتح باب الزنزانة الضخم، وكالعادة لقى الشاب فايق، كان واقف في ركن من الأركان بيبص ناحية الباب كإنه مستنيه...

-أنت كده فاكر أنك بتعمل اللي عليك؟! كده ادتني الحقوق الإنسانية الكافية؟

=قصدك ايه؟

-بتريح ضميرك بفتات عيش بترميهولي وتمشي؟ مانت لو لقيت حيوان، هترميله برضه شوية أكل وتسيبه، إيه بقى الفرق بيني وبين الحيوان؟!

=الحيوان معملش اللي أنت عملته.

-أنت غضبان مني، مش عشان الجريمة اللي ارتكبتها، أنت شايف أني جبت النحس لقريتكم مش كده؟

=المفروض أعمل إيه عشان أديك حقوقك الإنسانية؟!

-الواحد لو ملاقاش تواصل إنساني بينه وبين غيره بيدبل، بيتحول لكائن أدنى.

=تواصل؟!

-كلام، حد ياخد ويدي معاه، دي أدنى الحقوق، دي اللي بتحافظ على السلامة العقلية وتخلي البني آدم عارف يفرق بين الواقع والخيال.

"عباد" اتصطدم، الكلام ده خارج من مين؟ من نفس الشاب اللي قتل واحد غريب عنه بوحشية من غير سبب؟

=وأنت هتستفيد إيه؟

-عشان يعني نهايتي قربت، ساعة رملي بتنقص؟ ومين يقدر يعرف نهايته امتى، مش يمكن نهايتكم تبقى قبلي، ده كله غيب!

=عايز تحكي ف إيه؟

-مش حاجة معينة، ممكن نبدأ بالوشوش.

=الوشوش؟

-وشوش السكان هنا، عليها ضلمة غريبة، الناس مش مبسوطة يا "عباد".

"عباد" قال بتهكم:

=يمكن سلامهم اتزعزع من وقت جريمتك البشعة مثلًا؟

-لا، لأ، الموضوع أبعد من كده، من ساعة ما خطيت القرية وأنا ملاحظ الضلمة دي، دي بتتسلل من سنين، الخطوط المحفورة على وشوشهم هي اللي تحكي، زي خطوط الكف بالظبط، أتمنى الضلمة تنسحب قريب.

*****************

"عباد" وللمرة التانية قام مع الفجر، بدري عن المعتاد، واضح إن ده هيبقى الوضع الجديد، لسه الرؤية مكنتش واضحة، ومع ذلك لمح حاجة في ركن الأوضة، هيكل، قام ببطء ومشي ناحيته، شوية شوية الرؤية بقت أوضح، الهيكل اتجسم، كان...السجين! نفس وقفته وهيئته وابتسامته الباهتة، فضل الوضع ساكن لحد ما مد إيده بعنف ولفها على رقبة "عباد"!

"عباد" كان عاجز برغم جسمه الضخم وقوته بالمقارنة بجسم الشاب الرفيع الهزيل لكن الأخير كان عنده قوة غريبة قادرة تشل "عباد" وتخليه مش قادر يقاوم، أخيرًا إيد الشاب ارتخت و"عباد" قدر يتنفس....

في لحظة السجين فلت القاضي بعد كان رافعه في الهوا، القاضي وقع على الأرض وفضل يكح، رفع راسه ملقهوش، لكن أخد باله من الباب، كان لسه بيتحرك كإن في حد مشي من الأوضة وقتها...

نزل السرداب، وصل للزنزانة وهو بينهج، الباب كان مقفول بالمفتاح، مستحيل السجين يقدر يفتحه!

إزاي هرب؟

"عباد" طلع تاني يجيب مفتاح الزنزانة ورجعلها، حط المفتاح، دوره وفتح الباب....

وهناك في الركن وقف السجين وقفته المعتادة بنفس النظرات اللئيمة!

=أنت!

-مال وشك مزرق ليه، زي ما تكون شفت عفريت؟

"عباد" كور إيده وضرب السجين ضربة خلته يرجع ويخبط في الحيطة، السجين معملش أي رد فعل، مدافعش عن نفسه، مكنش باين عليه الخضة أو الخوف....

=ازاي؟

-ازاي ايه؟ اهدى وفهمني!

=كنت ف أوضتي، كنت عايز تموتني.

-كنت ف أوضتك إزاي؟ هو ينفع حد يبقى ف مكانين في نفس الوقت؟!

كلامه منطقي، إيه اللي بيحصل بالظبط؟

-شكلك لسه صاحي، أوقات بيختلط الحلم بالواقع في آخر مراحل النوم، البرزخ، العالمين بيتداخلوا وصعب تفرق بينهم.... "عباد" بأكدلك أني متحركتش من الزنزانة ، أنا كده هبدأ أقلق عليك.

كان لازم يتحرك من البيت وفورًا!

قلع الجلابية اللي كان لابسها، فتح دولابه عشان يجيب جلابية تانية، لكنه اتسمر مكانه، وده عشان لمح انعكاسه في المراية، شاف نقط حمرة واضحة محفورة على رقبته، من أثر الخنقة اللي اتعرض عليها!

*****************

راح لصاحبه "كنان"، كان لازم يحكيله.....

من غير مقدمات قال:

=في حاجة حصلت النهارده، لأ مش النهارده بس، في حاجات بتحصل... كنت لسه قايم من النوم، مدروخ، لقيته في الأوضة معانا.

-مين؟

=السجين!

-ازاي؟ هرب؟

=حاول يخنقني، قدرت أقاومه وأول ما فوقت ملقتوش، دورت عليه ف كل حته، مكانش ليه أثر، لما نزلت السجن وفتحته، لقيته قدامي، متحركش، بس أنا متأكد من اللي شفته.

"كنان" أخد نفس عميق وقال:

-أنا كمان يا "عباد".

=أنت كمان ايه؟

-أنا كمان شفته!

=شفته إزاي؟

-كان في إحساس خانقني ومطادرني، إني لازم بنفسي أروح الأوضة اللي كنت مخصصها للسجن في بيتي، لازم أبص واتأكد أن مفيش حد فيها..... استنيت لحد ما اتأكدت ان الكل نام، شلت الشمعدان ومشيت في الممر الطويل اللي بيأدي للسرداب ، وانا في الممر سمعت همسات، اترعبت بس كملت، كنت كل ما أقرب أميز اكتر الأصوات دي، مكنتش غريبة أبدًا عليا، عارفها، عارفها كويس، أصوات سمعتها من سنين كتير فاتت ، دي كانت أصوات مساجين قضوا عقوبتهم عندي، مع أنهم متحبسوش ف نفس الوقت لكن كنت سامعهم كلهم مرة واحدة! برغم الرعب اللd كنت فيه، اتقدمت لحد ما وصلت للزنزانة، فتحت بابها، ملقتش غير ضل واحد، في الأول كان مجرد ضل وبعدين اتجسد وبقى واضح....

=ضل مين؟

-سجينك!... كان عندي في الزنزانة بملامحه القاسية وعينيه الباردة والإحساس اللي بيرمي بيه أي حد قريب منه، الرعب واليأس ممزوجين....صحيت بعدها مفزوع!

-كان حلم؟!

=مكنش حلم، أنا متأكد ، لما قمت...مش عارف أوصفلك إزاي، حسيت...حسيت بنفس الحضور، حضوره، السجين كان موجود معايا في الأوضة أو خدني للسرداب بطريقة ما أو قصد يوريني كل ده، مكنتش بحلم يا "عباد" زي مانت مكنش بيتهيألك!

*****************

برغم كل حاجة، رعب "عباد" من السجين والحيرة اللي فيها لقى نفسه بيحضر وجبة السجين وبيوديها ليه، كان قاصد يبين ليه الثقة والقوة وانه مش مش مأثر فيه....

السجين أول ما شافه قال:

-كلمني عن بنتك.

=بنتي؟!

-انت راجل كبير على أن يكون ليك بنت واحدة وسنها صغير كده، أكيد في قصة ورا ده، خصوصًا بالنسبة لراجل في وسامتك ووجهاتك ومكانتك.

=مش عايز hتكلم عن بنتي.

- احكيلي، ورانا إيه، رفه عن سجين مستني الإعدام.

"عباد" اتنفس بصوت عالي، عايز يقول "اللهم طولك يا روح" وبعدين قال:

=اتجوزت مراتي عن حب، كنت مخطط معاها hننا هنخلف عيال كتير هيملوا القرية، اشتريت الدار ده عشان يرمحوا فيه، عدت سنة ورا سنة وسنين كتير بعد كده ، في حاجة جوايا اتطفت، منكرش اني كان نفسي أكون أب، من أكتر الحاجات اللي اتمنتها، بس مكنتش اقدر اسيبها أو اتجوز عليها، لو كنت عايز ولاد كان هيبقى منها هي، لحد ما صحيت ف يوم ملاقيتهاش، ملهاش أثر في الدار، كإنها اتبخرت.......

- لقيتها فين؟

=دورت عليها في أماكن كتير، عند معارفها، في الجناين، في الدكاكين والسوق ، وأخيرًا جالي خاطر، مش عارف إزاي مفكرتش فيه قبل كده...النهر.

-إشمعنى النهر؟

=معرفش، أهو الواحد لما بيبقى حزين أو محتار أو فرحان بيلجأله، بيبص فيه ويسرح، ده تأثير الأنهار والبحور، كإنها بتجدد الروح....

السجين عقد دراعاته وابتسم ل"عباد" ابتسامة طمنته وشجعته يكمل:

=كانت من أكتر اللحظات المرعبة ف حياتي، لما لمحتها واقفة على الشط، ما بينها وبين النهر خطوة، بسهولة جدًا وبحركة خفيفة ممكن تقع ويومها الرياح كانت شديدة والتيار جامد... اتلفتت وبصتلي، كانت عارفه اني هنا، اني أنا، لحظتها اتشجعت وقربت واحدة واحدة والدموع بتنزل من عيني، كان عندي شبه يقين إنها مكانتش جيه تشتكي للنهر ، وقفتها دي كانت استعداد للتسليم، كانت هتنتحر، يمكن حتى من غير إدراك منها.. قالت إنها مذنبة، إنها مكانتش المفروض تظلمني معاها، كانت متأكدة أن العيب منها، قالتلي أنها ضيعت سنين من عمري، إنها أنانية وتستحق أي عقاب ينزل بيها، حاولت أعبر لها عن اللي جوايا، أنها أهم ما في حياتي وإني مش عايز ولاد لو مش منها، مديت دراعي وشدتها ليا ، لو كنت اتأخرت بس لحظات، كنت هخسر أهم حاجة ف حياتي، كنت هخسر حياتي... تعرف ايه اللي حصل يومها بليل؟ اشتكت من ألم وناديت الطبيب، لما جه وكشف عليها وسألها عن أحوالها طلعت حامل! أنت بتصدق في المعجزات؟

-بصدق في الفرص.

= عشان كده بنتي مميزة، بعتبرها معجزة، جبتها وأنا كبير ورجعلي شبابي لما شفتها ، اتنفخت فيا الروح، طاقتي وصحتي اتجددت ومراتي حصل لها نفس الشيء...كان عندك حق لما قلت أن بنتي وراها قصة مختلفة، وأنت؟

-أنا ايه؟

=ايه قصتك؟

-سقراط..

=سقراط؟!

-تعرف سقراط؟

=اه طبعًا.

-كان عنده رسالة وهدف سامي ومات عشان الناس مكنتش فاهماه، الناس بتترعب من أي حد يختلف معاهم، وبتسعى تتخلص منه، تزيح التهديد اللي بيأرق الروتين بتاعهم.

=قصدك أن أنت سقراط مثلًا؟ عندك رسالة يعني؟ هدف فيه مصلحة وإصلاح المجتمع؟

-يمكن...

المرة دي كانت مختلفة، "عباد" مخرجش بنفس الأحاسيس بتاعة المرات اللي فاتت، أكيد لسه في رهبة، لكن ممزوجة بحاجة تانية...راحة، راحة غريبة، سكون السجين وحركاته، سكوته وردوده وتفهمه....

في لحظة كل الأسئلة اللي كانت بتدور في دماغ "عباد" وبتنهش فيه اتبددت، زي هو مين الشاب؟ إيه اصله؟ جه منين؟ قصته؟ إيه اللي رماه على قريتهم بالذات؟

كل ده مش مهم، المهم هي الجلسة اللي جايه!

"عباد" كان مستني على أحر من الجمر اللقاء اللي بعده، جرعة تانية من مزيج الأحاسيس الغريب بعد النقاش معاه...

*****************

بعد يوم طويل في دكان العطارة بتاع "كنان" كبير العطارين، كان لسه فيه 2 عمال جوه الدكان بيحسبوا الإيرادات، ده الروتين، مهما اتأخر الوقت مش مسموحلهم يروحوا غير لما يحسبوا الايراد ويسجلوه...

كانوا أخين، شباب صغيرة، الكبير فيهم عنده 18 سنة....

الصغير صوته كان حلو، عادة بيفضل يدندن في المرحلة دي من اليوم، عشان الوقت يعدي، والمهمة التقيلة تهون، الكبير "معن" كان مدرك قد إيه صوت الصغير حلو وبيستمتع بيه بس كان بيناغشه، يفضل يقول له صوتك مش حلو، مزعج، حاد، وده اللي عمله برضه المرة دي، "كنان" كان سامع مجادلتهم من بره الدكان وبيبتسم، لكن ابتسامته ضاقت لما حس إن في حاجة مش مظبوطة، ليه الولدين سكتوا فجأة؟ بعد الضحك والهزار والكيد، ليه الصمت الرهيب؟

دخل الدكان لقى البخور متنتور على الأرض...

الأخ الصغير "نوفل" كان واقف متجمد قدام شوال البخور اللي على الأرض...

"كنان" سأله وهو مذعور:

-مالك، حصل ايه؟

مد إيده وبصوابع ببترعش شاور على أخوه....

"معن" كان زيه زي "كنان" مصدوم مش فاهم أخوه بيشاور عليه ليه...

"كنان" أخد نفس عميق وسأله:

-شفت إيه؟

-ميهمش، أكيد بسبب التعب.

-شفت إييه؟

-كان....في شق عريض في بطن "معن"، الدم بينزف منه من غير ما يقف، الأرض اتغرقت بدمه، ووشه اتحول لوش...السجين.

*****************

المرة دي "عباد" كان بيحضر الأكل بمزاج، بيفصل ما بين الأصناف، بيرتب شكل الطبق، بيدندن،كإنه متحمس للقاءه مع السجين،صحيح عنده نفس القناعة، إنه مجرم شرس، لكن برضه... عنده حكمة غريبة...

فتح الزنزانة، حط الصحن على الأرض ببطء...

السجين ابتسم وقال:

-شوف يا أخي سخرية القدر، اللي حكم عليا بموتي وهيجرني ليه هو اللي بيأكلني وهو اللي أوييني وهو اللي بياخد باله مني، زي الدبيحة اللي بيعلفوها قبل ما يقتلوها وينهشوا في لحمها.

=الدبيحة هي اللي جبته لنفسها.... هو أنت قصدك ايه بأن الناس في القرية مش مبسوطين؟

-هما بيقنعوا نفسهم أنهم مبسوطين، بس هم عايشين ف خدعة كبيرة، عارف اللي بيخدع نفسه كتير بيحصل له إيه؟

=بيحصل له إيه؟

-زي البركان المضغوط...بينفجر.

=وكل دول هينفجروا؟

-هينفجروا، كلهم، في نفس الوقت

=وأنت اللي هتمنع الإنفجار ده؟

-وامنعه إزاي وأنتوا مش مديني فرصة؟

=ااه، قول بقى، أنت شايف أننا لازم نمنع إعدامك، مش عشانك أنت لأ، عشان مصلحة القرية وأهل القرية.

-لأ، مش محتاجين لده

=طب ما تقولي يا "سقراط، يعني ايه خديعة؟ تقصد ايه؟

- المدينة الفاضلة، كل واحد فيكم شايف نفسه مثالي، يعلو عن البشر، مغرور، بيتصرف على أساس ده وبيهضم حقوق الناس وهو فاكر أنه بيحقق العدل.

=يااه إحنا وحشين أوي كده؟ طب إزاي قعدنا سنين في سلام ، مفيش جريمة واحدة ، مفيش أبواب بتتقفل بإقفال ، مفيش خوف ولا خيانة، لحد ما انت جيت.

-مفيش جرايم مفضوحة لكن ما خفي كان أعظم وبكره تشوف.

*****************

"آمنة" مرات "عباد" مكنتش نايمة بعمق، دماغها شغالة وبالها مشغول، قلقانة، قلبها بيتنفض من سبب مجهول...

وده اللي خلاها تستجيب بسرعة للي خبط على بابهم في الفجر...

فتحت الباب بحذر ولقت شاب غريب مش من القرية، قال لها إن أمها عيانة عيا جامد..

هزت راسها وهمست له إنه يستناها...

لبست بسرعة ومشيت معاه...

الأرض كانت عبارة عن جمرة تحت رجليها، كانت مهزوزة، مش بس عشان مرض أمها اللي في قرية تانية، كانت حاسة إنها بتساق لقدر مظلم، رايحة للهاوية برجليها وإن الأيام الجاية شايلة مفاجآت مش هتعجبها...

لما "عباد" أدرك حركتها فاق وسألها رايحة فين، حكت له...

وشه اصفر، مش بس عشان مرض حماته ولا إن مراته هتمشي من البيت والله أعلم هترجع إمتى، لكن عشان كان شايف نبوءة بتتحقق...

السجين، قال له في مناقشة من المناقشات انه هيلاقي نفسه فجأة لوحده وهو مش متعود على الوحدة، مراته هي اللي بتطبخ وبتنضف البيت وحتى بتنظمله جدوله وحياته كلها وأفكاره، هي المستشارة الأقرب ليه، اللي بياخد رأيها في كل صغيرة وكبيرة، وأهو حصل!

يعني إيه، ممكن...يكون كلام السجين التاني برضه صح، كلامه عن البركان اللي هينفجر وحال القرية اللي هيتقلب...

"عباد" و"رقية" خرجوا يودعوها، "آمنة" ركبت الحصان، كانت مديالهم ضهرها وأول ما الحصان انطلق التفتت ، طولت النظرة ليهم وبعدين بصت على البيت برضه بصة طويلة، كإنها حبت تطبع المشهد ده كويس في ذاكرتها...

*****************

بعد ما مشيت "آمنة" "عباد" راح على الزنزانة علطول...

السجين لما شافه قال:

-مش حرام عليك، جوهرتك مش تحافظ عليها؟!

= جوهرتي ؟

-الشيء المميز ف حياتك.

=بنتي؟ مالها؟

-متعودتش أمها تغيب عنها، عادة بتاخدها معاها ، آخر مرة سابتها كانت صغيرة.

في رعشة مشيت في جسم "عباد" كله، ده حقيقي، "رقية" مفترقتش عن أمها غير مرات قليلة ومن أيام ما كانت طفلة صغيرة أوي، لسه مش بتمشي ولا تتكلم...

- وديها مكانها المفضل، تقعد على شط النهر، تتفرج على الميه الجارية اللي بتلمع زي الدهب والسمك الصغير بيرمح جواها، أنا ليك ناصح أمين.

=يعني لما اخد بنتي في نزهة على النهر، القرية مش هيحصل فيها الانفجار اللي قلت عليه والسلام هيرجع؟

-اهي بداية.

*****************

"رقية" فاقت من النوم وهي مبتسمة لما حست بأبوها جنبها على السرير بس الابتسامة رجعت انكمشت لما لمحت الغيمة السودة اللي بتحاوطه...

=مالك يا حبيبتي؟

-حواليك

=حواليا إيه؟

-سواد؟

=سواد؟!....معلش يا حبيبتي، عشان بس لسه صاحية، الأضواء والرؤية بتبقى غريبة،عندي ليكي مفاجأة، النهارده هنخرج للنهر أنا وأنتي وبس.

حركت راسها بتوتر وردت:

-لأ، خلينا، بلاش نخرج!

=معقول؟ دي خروجتك المفضلة.

-بلاش النهر، بلاش النهارده.

كان هيستسلم ليها لولا انه افتكر كلامه مع السجين، السجين قال لازم يخرجوا النهارده للنهر ودي بداية مقاومة اللعنة اللي هتصيب القرية، لو عمل اللي قال عليه مش هيبقى في لعنة ، عشان كده صمم على رأيه، هيروحوا النهر يعني هيروحوا...

*****************

"عباد" مكنش شايف ولا سامع حاجة، مش مركز غير على هدفه وهو الوصول للنهر، تجاهل بطء "رقية" ووشها المسحوب منه الدم واي حاجة في الطريق للنهر....

مسكها وجرها وراه لحد شط النهر، ولما وصلوا موجهلهاش أي كلمة ولا بصلها حتى....

هناك ورا الشجرة، في حاجة، في حد قاعد وراها، حد مألوف...

"عباد" قام وساب بنته وراه...وصل لحد الشجرة، لف لحد ما بقى في مواجهته، وشه نور بابتسامته، اللي قاعد كان السجين...

مسمعش بنته اللي بتندهله وهي مذعورة، الكون كله فضي عليه هو والسجين...

السجين قال وهو بيبتسم:

-خلاص قربنا

=قربنا؟

-التغيير جي.

=التغيير للأحسن؟

-التغيير جي.

أخيرًا "عباد" فاق من غيبوبته، فاق على صوت الميه، كإن جسم تقيل خبط فيها...

التفت بسرعة للنهر ملقاش حد، مكنش في غيره في المشهد هو والسجين...

هو فينه، فين السجين؟؟

مش صحيح، كان في حد تاني قبل كده، بنته!

بنته كانت معاه على الشط قبل ما ييجي يقعد مع السجين، راحت فين؟

فجأة افتكر، افتكر صوتها وزعيقها وهي بتترجاه ميسبهاش، هي راحت فين؟

السؤال اتبخر لما لقى جسمها طافي على الميه، مقلوب، والحياة مسحوبة منه...

كان عايز يصرخ بس الصوت اتحبس جواه، شفايفه اترعشوا والدموع فضلت تنزل في صمت، مد دراعاته ومسكها، جرها ببطء لبره الميه ولحد الشجرة وسند الجثة عليها...

كان عاجز، مش عارف يتصرف ازاي، فضل قاعد وقت كبير قدامها بيحاول يستوعب، وفي الآخر سابها وراح على بيته!

نقط الميه كانت بتنقط من كمامه وأطراف الجلابية، صوتها عالي، بترج الأرض....

السجين فضل واقف في اتجاه باب الزنزانة مستني "عباد"....

"عباد" بص في وشه لقاه منور، مبتسم بطريقة مشافهاش قبل كده، كإنها...كإنها نظرة انتصار، القاضي حاول يتجاهل اللي شافه، حاول يقنع نفسه إنها ملهاش علاقة بموت بنته...

السجين سأل:

-مالك؟

=البنت...

-حصلها ايه؟

=ماتت!

-إزاي، ماتت إزاي؟

حرك راسه بطريقة عشوائية كإنه فقد الاتجاهات، عقله طار، وقال:

= غبت عنها دقايق رجعت لقيتها غرقانة.

-طيب اهدى أنت راجل مؤمن.

= هبلغ آمنة إزاي؟ازاي هقول لها إن اليوم الوحيد اللي سابتنا فيه موتت البنت عشان مكنتش واخد بالي منها، بسبب إهمالي.

-عشان خسارتك عايز القرية كلها تخسر؟أنت مدرك كويس أنك أنسب واحد تكون قاضي وأن لولاك مصالح كتير هتتعطل والقرية عمرها ما هتبقى زاهية وآمنة!

=قصدك ايه؟

-قصدي أنك باعترافك ده هتهز ثقة الناس فيك، مش بس فيك، في اللي بتمثله، في الخير والعدل ، في رجاحة الحكم والاتزان.... لما يعرفوا هيحكموا عليك أنك مش متزن ومتصلحش تكون قاضي وهيجيبوا حد بدالك، إذا مكنتش قادر تحافظ على حياة بنتك هيأمنوك على حياتهم؟! وأنت عارف زي مانا عارف أن ده مش صح، كانت حادثة، ومحدش غيرك هيقدر يحافظ عالقرية دي، القرية هتضيع من غيرك يا "عباد"!!

=طب ودي حاجة تستخبى، هقدر أخبي موت "رقية"؟

-وهو الموت بيستخبى يا "عباد"؟

=اعمل ايه، اعمل ايه، أنا مش قادر أفكر، مش قادر أفك ألغازك...

جري على السجين وتنى ركبته وقعد على الأرض، مد إيده ومسك دراعه وقال:

=أبوس إيدك انجدني، قول لي أعمل إيه.

-مش أنت السبب ، بالعكس أنت حاولت تنقذها، مكنتش متخيل أن بعد كل السنين دي، بعد السلام وانعدام الجريمة ييجي هو ويقتلها بالطريقة بالبشعة دي...

=هو مين؟ مفيش حاجة من دي حصلت.

السجين قعد قدام "عباد" على الأرض، بصله من غير ما يرمش ورد:

-مش مهم إيه اللي حصل، هو ده اللي هتقوله.

=عايزني أقول خلاف الحقيقة؟!

-أيوه.

=إزاي؟ محدش في قريتنا عملها قبل كده، محدش اتكلم بخلاف الحقيقة، ولا خطر على بالنا، إزاي ده يكون أساسًا؟

-مش قلت لك رياح التغيير جايه ومحدش هيقف قصادها؟

=وده إسمه إيه اللي بتطلبه مني، إدعاء حاجة محصلتش، واقع مزيف؟

-إسمه الخلاص....

=لأ...لأ ، احساسي انه غلط، ده غلط، مش ممكن أعمله، مش ممكن أزيف الواقع، وعلى فرض نويت اعمل كده، إزاي اقدر انفذه؟ مين اللي هيكون قتلها؟ الشخص ده مش موجود ، محدش قتلها، أنا اللي مسؤول عن ده.

-إحنا هنوجده!

=يعني ايه؟

-"عباد" لازم تشيل الحواجز، لازم تفتح عقلك لمعرفة وعالم جديد، معرفة هتنقذك وتنقذ القرية، أنت بنتك كان عندها كام سنة؟

=13.

-يعني خلال سنتين تلاته كانت هتتجوز، مش دي عوايدكم؟

=اه.

-قول لي أول إسم لشاب في سن الجواز أو قريب منه يخطر على بالك.

نطق علطول:

=معن!

-مين ده؟

=شاب صغير، سنه ميتعداش ال15 بيشتغل عند "كنان" كبير العطارين.

-جميل، "معن" هو الشاب المقصود.

=المقصود؟

-وبعدين معاك، مش قلنا نفتح عقلنا، معندناش وقت!

=يعني "معن" هو اللي المفروض قتلها، هقول كده؟

-"معن" و"رقية" كانوا بيعيشوا قصة حب ملتهبة، الحب الأول الطايش، الحب اللي ميعرفش حواجز وفوارق واعتبارات اجتماعية، الحب المتمرد المجرد من أي منطق.

=يعني انقذ نفسي وأجيب لبنتي العار، أقول عليها منحلة، هو ده الحل؟؟ أهون لي أقول اللي حصل، إني أنا اللي مسؤول عن موتها!

-وهو الحب عار؟؟!يعني عايز تفهمني وأنت قدها كده، مفكرتش ف أي ست؟ مفيش واحدة حركت مشاعرك، نار الحب أو الرغبة مقادتش في عروقك؟ دي مشاعر طبيعية ومعتادة، ده غير إن "رقية" رجعت في كلامها، فاقت وأدركت غلطتها، إنها مينفعش تعيش حب ولو بريء من غير علم ورضا أهلها، من غير رباط الجواز المقدس.

=وواجهته بكده؟

-مظبوط، قالتله إنه لازم يبعد عنها لحد ما يقدر يتقدم لها وهي هتتمسك بيه وقتها.

"عباد" لقط الخيط، حواجبه اترفعت وسرح بخياله وكمل:

=بس هو كرامته وجعته، مرضيش ومستحملش يبعد عنها وخاف يخسرها وهي أصرت، ومع إصرارها...

-ومع إصرارها...

=قتلها....بس أنا عرفت كل ده إزاي؟

-هي قالت لك على كل حاجة، كل التفاصيل وانت كنت ملاحظ تغيير عليها فسألتها.

=قالت لي إمتى؟ أصل مش معقول أعرف كل ده وأسكت، محاكموش.

-قالت لك ليلة إمبارح، لسه مكنتش قررت تعمل ايه.

=والنهارده؟

-النهارده وبسبب اللي قالته قررت تخرجوا على النهر لوحدكم، تفكر شوية مع نفسك وشوية معاها.

=وقعدت مع نفسي.

-عند الشجرة.

السجين ابتسم بلؤم عشان في الحقيقة هو اللي ظهر عند الشجرة وكان قاعد مع "عباد" بس "عباد" اختار يمحي الجزء ده، ينكره...

=طب إزاي "رقية" مستنجدتش بيا.

-مكانتش متخيلة اللي هيحصل بعد كده، اتخضت لما شافته ، اتكلمت معاه بصوت واطي عشان متسمعهمش، حاولت تقنعه يمشي، كانت مرعوبة منه وفي لحظة....

=زقها.. لحظة عدت فيها من بر الحياة للموت.

-انت سمعت صوت جسم بيقع في الميه، اتلفت مذعور، لقيته هناك، بيبصلها وهي بتلفظ أنفاسها، للحظة أنت اتشليت، وبعدين اتحركت بسرعة وهو حس بيك، شافك وجري بأقصى سرعة، نزلت النهر، عُمت كأن دراعاتك جدافات بتعاند التيار، جرتها، كنت متأكد أنها بتتنفس لسه ، خرجتها ، حطيت ودنك على صدرها، مفيش نبض، زعقت، ندهتها بأعلى صوت، مستجابتش، كان متهيألك إنها بتتنفس لسه، بس دي كانت رغبتك، "رقية" كانت ماتت جوه الميه....

=وده فرق ايه؟ في الحالتين مقدرتش أنقذها، كنت أب مهمل، برضه هيبتي هتتهز قدام الناس ومش هيثقوا في حكمتي وحكمي كقاضي، إزاي هيستأمننوني على أحوالهم؟

-بالعكس، الناس هتتعاطف معاك، شعورهم بالشفقة عليك هيطغى على شكهم في قدراتك وذكائك.

.................................

"عباد" رسم الغضب على وشه، خرج من الزنزانة وبره بيته، مشي في الطرق والشرارة بتطق في عينه، كل اللي شافه اترعب منه، فضل على حاله لحد ما وصل لدكان "كنان"....

دخل بسرعة للدكان، مردش تحية "كنان"، اتوجه لهدفه، مسك في جلابية "معن" من الصدر...

"كنان" اتحرك ناحيته بسرعة وقال في دهشة:

-جرالك إيه؟! سيب الصبي بتاعي!

=الصبي بتاعك قتلها!

-قتل مين؟

=بنتي!

-"رقية" ماتت؟

=اتقتلت!

-مين قتلها؟

=أنت مبتسمعش؟ أنا لسه قايلك؟ القاتل أهو!

-مش ممكن!

=هو ايه اللي مش ممكن؟ هو اللي قتلها!

-عرفت ازاي؟ وإيه مصلحته؟

=شفته.

-شفته بيقتلها؟!

=شفته.

-هي فين، "رقية" فين؟

=جنب النهر، سبتها هناك.

-سبت جثتها هناك؟

إيد القاضي فلتت "معن"، المشهد رجع تاني يدور في دماغه، مرة ورا مرة، "معن" مكنش فيه، لكن في مرة من المرات المشهد اتغير في خياله، "معن" اتسلل ، "رقية" مبقتش لوحدها على النهر، "معن" معاها، عينه كانت كلها شر ومعاها طبقة شفافة، دموع محبوسة، وشه بيقول إنها خذلته، زهقها، كان زي الصنم وهو بيتفرج عليها بتعافر عشان تعيش، بعدين اتلفت لما أدرك إن "عباد" شافه، وهرب بسرعة...

وهو ده بالظبط اللي القاضي "عباد" قاله، سكت للحظة وبعدين كمل:

=طلعت جثتها من النهر، حاولت أنقذها، بس جوايا كنت عارف، بنتي راحت، مقدرتش أدفنها جريت على هنا قلت أكيد زمانه بيتحامى فيك.

"كنان" مقدرش يتماسك، وقع على أقرب كرسي، قال بنبرة مهزوزة وعنين زايغة:

-مش محتاج يتحامى فيا، "معن" ميعملش....ميعملش كده.

=طيب يا "كنان" ، "معن" كان فين الصبح؟ كان عندك؟

-أي...

حصل حاجة غريبة، لسان "كنان" اتعقد وده لإنه مقدرش يفتكر! شوية ساعات بقوا مشوشين، كإنه كان غايب عن الوعي، مفتكرش حاجة عن "معن"...

و"معن" برضه لسانه اتعقد، المفاجأة شلته، مش عارف يقول ايه...

كل اللي قاله "كنان" بعد كده:

-لازم نروح نجيبها، لازم ندفنها.

أعداد رهيبة من أهل القرية مشيوا في حركة منظمة في اتجاه النهر، كإنها جنازة...

..................................

في واحدة كانت قاعدة على الشط، ضهرها محني، شوية وهتقع، ملتفتتش لما الجماهير وصلت، منظرها زود أجواء التوتر والرعب...

الست دي كانت "آمنة"، واللي قدامها جثة بنتها، لما شافت الناس سألت:

-حصل إيه؟

حد منهم رد:

-"عباد" بيقول حكاية غريبة كده...المهم أنتي لازم تكوني قوية ولازم ندفنها، الجثة بقالها وقت مينفعش كده.

-حكاية إيه؟

"عباد" أخيرًا جاتله الشجاعة يتكلم، قال:

=هنجيب حقها، هنجيب حقها يا "آمنة"..

قرب منها وأخدها في حضنه، هي بصتله في وشه وسألت:

-فين السجين؟عديت على البيت الأول، طليت على الزنزانة، كانت فاضية، فين راح السجين يا "عباد"؟

=مش مهم، سجين ايه دلوقتي.

ثبتت نظرها عليه، في حاجة مريبة، برغم الصدمة اللي كانت فيها، أدركت ده..

*****************

"آمنة" قالت لعباد وهي بتراقب بنتها بتتدفن:

-مسألتنيش عملت ايه مع أمي.

=عملتي ايه؟

-ماتت! ...ايه بقى حصل لبنتي؟ ايه "الحكاية" ورا موتها؟

=وده وقته؟

-استنيت كفاية، لازم أعرف حصل لها ايه.

اللوم كان باين في عنيها والشك...

=بنتنا اتقتلت يا "آمنة".

-بنتي أنا؟؟مين اللي قتلها وليه؟

="معن"...

-"معن"؟؟!

= قصة عشق كانت بتدور من ورانا، ارتوت وكبرت وإحنا ولا هنا.

-عشق؟

=ايه يا "آمنة" ، في إيه؟

-في إيه يا "عباد"، هي دي معلومات عادية، بتسردلي طلبات البيت مثلًا؟

=آسف، أنا كمان أعصابي بايظة، مش مصدق الكابوس اللي إحنا فيه.

-رقية ماكنتش بتغيب عن عنينا، حصل امتى ده؟

=لأ كانت بتغيب، أوقات ما كنتي بتبعتيها تروح تشتري لوازم الطبيخ والبيت، ومحل العطارة، وكنتي بتشتكي من تأخيرها، لو كنتي واجهتيها وسألتي بشكل مباشر عن سبب التأخير كانت اعترفت، إحنا اللي مسألناش!

-وإنت عرفت منين القصة دي؟

=هي حكتلي، وأنا شفته بعد ما قتلها، هيعترف أكيد في المحاكمة، مفيش حد في قريتنا بيقول خلاف الحقيقة.

بوقها اتفتح، استغربت كلامه، قصده إيه؟ وهو في حد بيقول خلاف الحقيقة؟ دي حاجة مفيش حد من العالمين عملها قبل كده...

*****************

نفس الحشد مشي لبيت "معن"، "كنان" كان ابطأهم، وجنبه كان "جاسم"...

عدد من الرجالة بيدخلوا البيت ويقبضوا عليه، هو بيستسلم، لسه ساكت، عنيه بس اللي بتتكلم وبتنزل دموع من غير تحكم منه....

"كنان" صرخ:

- ودوه بيتي، هيتحبس في الزنزانة عندي.

"معن" بص ل"كنان" بيتسنجد بيه، كإنه طفل بيتشبث في أبوه...

*****************

"عباد" استنى لحد ما رجع مع "آمنة" البيت وبعدين قال لها:

=أنا أخدت بالي إن السجين اختفى.

-إمتى اكتشفت أنه اختفى؟

=قبل ما نروح النهر علطول.

-من الصبح، من بدري يعني، عرفت أنه اختفى ومبلغتش حد، مسعتش تعرف راح فين؟؟

= كنت ملهي وسط الأحداث!

-أنهي أحداث؟

=القصة اللي بنتك حكتهالي، قصة الحب.

-يعني قدرت أن غراميات بنتك شأنها أهم من هروب قاتل سادي مش متزن محكوم عليه بالإعدام؟!

=اه يا ستي، بنتي عندي أهم.

*****************

"كنان" اتهرب من "معن" اللي الرجالة حطوه في الزنزانة، منطقش، قفل عليه الباب ومشي...

بس "معن" مفضلش وحيد كتير....أطرافه اترعشوا اتراجع لورا لحد ما خبط في الحيطة من الفزع...

 السجين الغريب كان معاه!

- ايه مالك؟

-أنت إزاي دخلت هنا؟

-مش مهم..

-إزاي؟...

-مش ده المهم، المهم وضعك يا "معن".

-دي مش أول مرة.

-قصدك إيه؟

-أخويا قال أنه شافك، وشي اتبدل بوشك، وانا مصدقتوش.

-حقيقي؟كل دي تفاصيل مش مهمة، مش هتنقذك.

-أنت ساحر؟ مخاوي؟

-برضه؟ مُصر تضيع وقت؟

-أنت جي ليه؟

-هنقذك!

-ليه، هو أنا ممكن يحصل لي ايه؟

-أنت متهم في جريمة قتل، تفتكر هيحصل لك إيه؟

-بس أنا مقتلتهاش.

-وتفتكر هيصدقوك؟

- يعني إيه ميصدقونيش؟

-أنت لسه محستش بالتغيير؟

-التغيير؟!

-شهادة أبوها "عباد"...

-ايوه صح، أنا مش فاهم، إزاي شافني بقتلها؟ شيطان؟ شاف شيطان مكاني ولا هلاوس وكوابيس؟

السجين ارتجف مع كلمة "شيطان"، قال بنبرة هجومية:

-كلام فارغ، لا شيطان ولا هلاوس ولا كوابيس.

-أمال إيه؟

-تزييف، كدب!

-كدب؟! يعني إيه كدب؟

-لسه قايل لك! تزييف الحقايق..

-لأ مش ممكن، محدش من قريتنا ولا من العالمين ارتكب فعل زي ده قبل كده ، البشر معندهمش القدرة دي.

-البشر عندهم قدرات أكتر من كده بكتير، قدرات على الدمار متتخيلهاش.

-طب وليه، أنا عملتله ايه؟

-هكون ليك ناصح، عكس "عباد" الخاين الجبان، هو عمل كده عشان يداري على إهماله وتقصيره.

-مش فاهم!

-هو اللي اتسبب في قتلها!

-أكيد لأ.

-يوووه، لأ، لأ، متتعبنيش معاك بقى، هو أنا يعني عليا بإيه، متروح ف داهية.

قالها بعصبية بعدين اختفى!

الدنيا ضلمت في عيون "معن" حس بتوهة شديدة مع اختفائه، بعدين الأمل اتولد من جديد لما شافه مرة تانية

-حسيت بإيه لما اختفيت؟

-كأني ف قاع بير مظلم..

-هتسمع اللي هقول لك عليه؟

هز راسه موافق...

*****************

"آمنة" خرجت من البيت، راحت على بيت تاني، فتح لها صاحبه، متكلموش كلمتين على بعض، مشي ومشيت وراه لحد أوضة عتيقة متربة...

رفعت سلسة المفاتيح التقيلة، نقت مفتاح منهم ودخلته في فتحة الباب...

بعد ما دخلت رفعت الشمعدان عشان تقدر تشوف اللي قاعد جوه الأوضة..."معن"!

قالت له:

-اخرج معايا، النهارده أول يوم في حياتك الجديدة، هتهرب ومش هتبص وراك....

-ايه اللي بيحصل؟

-بهربك، هتهرب من هنا.

-طب و"كنان"؟

-تفتكر من اللي فتحلي ودلني على سكة السرداب والزنزانة؟

-متفقين تهربوني؟

-متفقين على أن في لخبطة ولغز كبير ومصير بشع مستني القرية لو مقدرناش نحل اللغز ونقف في مواجهة اللي مش مفهوم.

"آمنة" و"كنان" كانوا لابسين جلابيات بأغطية للراس مغطياهم، مشيوا، و"معن" مشي وراهم، لكنه في مرحلة ما وقف من غير ما يخدوا بالهم، وقف لما شاف تجمع، صرخ بصوت عالي:

-يا أهل القرية، أنا عايز أتخلص من الحمل ، مبقتش مستحمل....أنا قتلتها! بعدها، فقت، أول ما بطلت تتنفس ومبقتش تقاومني، لما أدركت إنها ماتت، مبقتش موجودة بجد، أدركت البشاعة اللي ارتكتبها أنا وهو!

-هو؟

سألته "آمنة" والدموع بتنساب على وشها...

-"نوفل"، أخويا! هو اللي أقنعني، كان زي الوسواس مبيفارقنيش....

عينه وسعت وهو بيحكي كإنه سرح هناك، في الرواية المزيفة اللي بيحكيها، بقت حية ومليانة تفاصيل...

-كان بيقول لي أنها مش طفلة ، إنها عارفه يعني إيه راجل وست ، يعني اتخطت البرزخ ما بين الطفولة والأنوثة الطاغية المكتملة، وكانت بتلعب بيا، معتبراني الدُمية بتاعتها، بتشبع رغباتها وبتستغلني من غير ما تحبني بجد.

"آمنت" سمعته كويس، كإنها بتسمع أسطورة عن ناس في زمان ومكان تاني...

كمل وقال:

-وسواس كان وسواس، وزي كل مرة مقدرتش أقاوم، لسه بضعف، لسه ضعيف....

وقبل ما يكمل جملته شلال من الدم اتحدف على "آمنة" غرق وشهها والنص الفوقاني من جسمها، غمضت عنيها، مستوعبتش اللي حصل إلا بعد حبه...

"معن" مكملش جملته عشان واحد من وسط الزحمة رفع فاسه ونزله على راسه وفصلها عن جسمه!

القاتل الدم غلي في عروقه، بسبب قتل الطفلة البريئة، كإن "رقية" بنته هو، مقدرش يستنى المحاكمة، أعصابه فلتت ولقى همس في ودانه، وسواس "اقتله، اقتله حالًا، حالًا ، حالًا"

*****************

"عباد" انتبه لوجود "آمنة" أخيرًا بعد ما قعدت جنبه في أوضتهم، أصله كان غرقان في همومه، بصلها وهو مذهول ، أسئلة كتير كانت في باله ، بالذات مع سكوتها المريب.

سألها:

=حصل ايه؟؟

-"معن" اتقتل، محاكمة سريعة ، أعدمه واحد من أهل القرية..........

التفت ليه وبصت في عينه من غير ما تطرف وكملت:

-أنا عارفه أنك ليك يد في الموضوع، ليك دور في كل اللي بيحصل، أنت حلقة من الحلقات المفقودة، موت بنتي و"معن" والفوضى والهلع، حتى الطيور اللي هاجرت والخيول اللي هاجت، ليك دور في كل ده، وأنا مش هسيب قريتي تدبل وتغرق في بحيرة الدم، القرية مش هتموت، ، بلغ سجينك بكده.

لكن هو فين، فين وشه المضيء، فين نبراس الحكمة والعلم؟ فين الصديق الأوحد والمنقذ؟

ياريته كان عرف مكانه، مكنش ده هيبقى حاله، كانت نفسه اتطمنت وروحه الهايمة رجعت ليه!

*****************

زلزال هز بيت "كنان" أقدام كتير دبت بالقرب منه، أصوات عليت بتطالبه بالخروج!

خوفه من عدم الخروج زاد عن خوفه من الخروج من المواجهة، "كنان" مشي بره البيت بإرادته ومعاه "جاسم" المذهول من كل اللي بيحصل....

واحد من الجمهور زعق:

-أنتم قاعدين بتتسامروا هنا لحد ما الواد يهرب؟ما أخوه اعترف عليه! إحنا مرضيناش نتخطاكم برغم أنكم خذلتونا، بس مش عاوزين ننخر في نظام القرية، الأوامر لازم تصدر من الكبار.

واحد غيره قال بنفس الغضب:

-وبمناسبة الكبار القاضي بتاعنا فين؟

"جاسم" اتجاهل السؤال الأخير وقال:

-طبعًا هنقبض على "نوفل" وهيبقى في تحقيقات وبحث كتير.

-تحقيقات وبحث؟! ما أخوه اعترف ، ايه لازمة الأدلة قدام الاعتراف؟

- احنا مسمعناش منه.

-مسمعناش؟ هو أخوه او أي حد فينا يقدر يقول حاجة تخالف الحقيقة؟

-ممكن يكون في لبس، احنا هناخده في زنزانة بيتي أو بيت "كنان".

-مع احترامي ليك و"لكنان" محدش فينا بقى حاسس بأمان ، بيوتكم مفيهاش قضبان كافية.

-تقصد ايه؟

-أقصد أن "معن" هرب من سجن "كنان"، يمكن اخترق الحيطة ولا دوب السقف..."نوفل" هيتحبس في البير القديم..

الوش ده كان جديد، "جاسم" مشافوش قبل كده، غريب عن القرية، صاحب الاقتراح الأخير واللي قاله بتحمس، عيون الغريب لمعت، كان طالع منها زي ضي بنفسجي محمر، وشكل البؤبؤ مختلف، عمودي، كإنها عيون قط بري...

****************

باب بيت "نوفل" اتهز جامد من كتر التخبيط، الأم فتحت ولقت "آمنة" وراه...

-جايين..

-مين اللي جاي؟

-كلهم، كل القرية، جايين يخدوا "نوفل"!

-نوفل؟! ليه؟ مش كفاية "معن" ، عايزين التاني ليه؟

-"معن" اعترف على "نوفل" قبل ما يموت، قال إنه شريكه، إنه حرضه على قتل بنتي.

الأم و"آمنة" ملحقوش يحذروا "نوفل" اللي كان قاعد في الأوضة غرقان في همومه...

كتيبة الإعدام وصلت ومعاهم "جاسم" و"كنان" اللي كانوا زي الأسرى، لا حول لهم ولا قوة...

كسروا الباب واقتحموا البيت، "آمنة" في محاولة بائسة فردت دراعاتها على باب أوضة "نوفل" وهي بتواجه الجمهور الغضبان والأم قعدت على الأرض وحطت راسها ما بين رجليها وهي بتفقر...

واحد منهم شد "آمنة" ووقعها على الأرض وهي صرخت فيهم:

-هتاخدوه على فين؟

-البير القديم، عبال ما ييجي معاد إعدامه.

-مفيش غير السجين، والداء اللي دخله علينا، قلب الحقايق والتزييف!

واحد تاني وطى ليها وضربها بالقلم وبوقها نزف...

المرعب أن المسألة مش بس تار ورغبة في القصاص، الغضب اتشعب، خرج عن السيطرة لدرجة إن أهل القرية تقريبًا نسيوا السبب الأصلي لثورتهم أو مبقاش مهم! الغضب بقى كيان مستقل، قوة مدمرة في حد ذاتها...

......................................

كانت زي السكرانة وهي راجعة بيتها...

"عباد" ريحته فاحت، مغيرش جلابيته من مدة، دقنه طولت من غير تهذيب، كان سارح في ملكوته، منفصل عن الدنيا...

لما شافها فاق للحظات وسألها بقلق:

-أنتي بتنزفي؟

رجع تاني لسرحانه وقال:

=هو فين؟ راح فين السجين؟ أنا خيبت ظنه؟ عملت حاجة تزعله؟ الفجوة اللي في روحي هتتملي امتى؟ هيرجع إمتى؟؟!

-فوق، فوق، فووووق

=افوق ازاي؟

-اتوجه ليه، اطلب مشورته، من غير وسيط، كلمه، جرب تكلمه.

=اكلم السجين؟!

-لأ، كلم رب السجين وربك، رب القرية والكون!

اتهرب بعنيه منها وقال بنبرة مهزوزة:

=خايف

-من ايه، ايه أسوء من كده ممكن يحصل لك؟

= من الإجابات... عارف إنها مش هتعجبني، وخايف من عتابه، أنا خايف أواجهه باللي عملته واللي صار ليا.

-أنت عارف المفروض تعمل ايه، مش كده؟

=عارف...

..................

ياريته يموت جوه الجدران الضيقة المدورة، جوه البير المضلم قبل المحاكمة، هو ده اللي بيسموه الموت الرحيم...ده اللي كان بيفكر فيه "نوفل" وهو جوه قاع البير، سجنه المؤقت...

-دي مش غلطتك!

رفع راسه لمصدر الصوت، لقى وش بيطل عليه من بره البير...الوش ده مألوف، شافه قبل كده، السجين!

في هالة نور ساطع حواليه بتنور البير...

نوفل قال وهو بيتشحتف:

-مش غلطتي...

-أيوه، أنت ملكش ذنب، اتجريت لفوضى مش بتاعتك، أنت برىء من كل ده....

-عمال أقول لهم كده بس هما مش راضيين يسمعوا.

السجين بيمد ايده، بتلزق في جدران البير الملزقة كإنه من الزواحف، بينزل لحد القاع، لحد "نوفل"

-مفيش خلاص من اللي أنت فيه...

-يعني ايه، خلاص كده؟ أنا مش عايز أموت.

-حسموا أمرهم والجلاد سن سلاحه والناس مشتاقة لدم تاني... يا عزيزي، محدش من القرية يهمه أمرك، الكل باعك حتى الأهل والصحاب...

بيبص فوق كإنه عايز يقول إن الخالق هو كمان اتخلى عنه...

كمل بنبرة واطية وقال:

-أنت لوحدك.... بس في حاجة ممكن تعملها.....

-ايه هي؟

- تجيب عاليها واطيها، لما تقع متقعش لوحدك، هتبلغ عن عدد من أهل القرية، إنهم وزوك على كده، كانوا شايلين من القاضي، هم اللي أقنعوك تقنع أخوك بقتل "رقية"...

"نوفل" في وسط دموعه بتترسم على وشه ابتسامة وعنيه بتلمع...

.................................

"عباد" فضل يراجع كل المناقشات اللي دارت ما بينه وبين السجين، مفيش حاجة كانت عفوية، كلامه كله، نبوءاته، طريقته، كل حرف نطقه، حتى الجريمة اللي ارتكبها، كله كان مخطط عشان يعرف يخترق القرية ويدخل فيها الكدب والدمار، قال إيه أقنعه إن الناس مش مبسوطة، إنها مكبوتة، وإنهم لازم ينفثوا عن التراكمات اللي جواهم، خلق وهم و"عباد" صدقه، عالم كامل ملوش وجود...

استخدمه كإنه دمية من غير روح، وهو استجاب بسهولة، كان الدمية المثالية!

=محتاج أشوف ، أنا لازم أشوف...

"عباد" كلم نفسه بصوت عالي...بعدها حس بإيد خفية على كتفه وصت همس له:

-بص، شوف عمل إيه...

وقتها كان قاعد علة النهر، المشهد اتبدل، مبقاش لوحده، جنبه "رقية" و...نسخة تانية منه، شكلها خايف أوي، السجين بيظهر ورا الشجرة، نسخته بتقوم من جنبها تروح على السجين، بعد الكلام التافه اللي دار ما بينهم السجين بيختفي، للحظات بس، لكن نسخته اتهيألها إنه لسه موجود، منتبهش إن السجين راح على "رقية" و...زقها! بعد ما وقعت في الميه ضغط بكل قوته عليها وهي قاومت، حاولت تخرج لكنه أقوى بكتير منها، شاف على وشه نشوة رهيب وروحها بتنساب وبتخرج منها....

صرخ:

=لا لا لا لا!

شبح السجين ظهر قدامه بملامحه الشاحبة المقبضة، بس، في حاجة تغيرت، شوية شوية ملامحه بقت قبيحة أكتر، بشرته حمرة لون الجمر، عنيه بتطلع شعاع أصفر...

رفع راسه وسأل نسخته القديمة، اللي جت جنبه وبصت على مية النهر:

=مين؟ هو مين؟

-هو مين يا "عباد"؟!

ضحك كإنه بيخترف ورد:

=شيطان، شيطان مبعوت عشان مهمة معينة!

-واللي نشرتوه بين أهل القرية إسمه إيه؟

=إسمه، إسمه، إسمه "الكدب"! دخلنا الكدب في القرية ومن القرية للعالم، دخلنا سيد الفساد، ملك الفواحش، ورأس أفعى الكوارث وهدم الممالك!

.................................

"عباد" مشي من عند النهر، زحف لقلب القرية، كل ما يقرب الفوضى تكتر، أعداد بتجري بهستيريا في اتجاهات مختلفة، صرخات، استغاثة، ناس بتعيط، ناس بتضحك، اتكعبل وكان هيقع، بص تحته لقى أشلاء، دم في كل مكان، الناس بتدبح بعض، وهناك على الشجرة كان فيه حبل بيتهز، جثة بتروح وتيجي، "كنان" صاحبه!

واحد من القرية خبط فيه، قال له بذعر:

-بتعمل إيه هنا؟؟ إهرب!

طلع "جاسم" صديقه المخلص، اللي ياما حذره، وده كان قبل ما سكينة تخترق جنبع ويقع ميت قدامه...

"عباد" بيسيبه ويمشي في طريقه كإنه من غير روح، ده يوم حساب القرية، مفيش فرق، يا إما مقتول يا قاتل فقد عقله، كل القرية بتغرق...

-أنا ممكن أنقذك من كل كده، هنقذك من الموت، كل اللي عليك أنك تركعلي...

ظهرله السجين وسط الفوضى وهو بيضحك...

"عباد" قرب منه وهو بيمد إيده وبيبتسم وقال:

=آمنت برب العالمين وكفرت بيك!

-ماشي! كده كده أنت نفذت دورك، بيك أنجزت مهمتي، توبتك مش مهمة، قبولها ودخولك النعيم مش مهم، أنت واحد بس وقدامك كتير هيفسد بسبب الداء اللي ساعدتني أنشره.....

=كله بأمر الله!....

ضوافر السجين اتحولت لحوافر وبيها نهش "عباد" وقتله

.................................

السجين دخل على مجلس اجتمع فيه عدد من الكائنات اللي شبهه..

الحاضرين قعدوا في دايرة، جواها كبيرهم..

رئيس المجلس سأل حد فيهم:

-أنت عملت إيه الفترة اللي فاتت؟

-وقعت بين واحد واخوه، خليتهم يقاطعوا بعض...

-لسه مهمتك مخلصتش، لازم تضمن أنهم ميرجعوش يتكلموا تاني، إزرع الغيرة والحقد والمقارنات، متخليهمش يفوقوا...

التفت لواحد تاني وسأل:

-وأنت؟

-خليت جماعة منهم يثقوا فيا، يتواصلوا معايا عشان يفتحوا مقبرة، وعدتهم بكنوز وثروة وسلطة محدش هينافسهم فيها...

وأخيرًا التفت للسجين وسأله:

-وأنت؟

-دخلت الكدب العالم، نشرت الوبا...

ابتسامة الرئيس وسعت، مد دراعه الاتنين بحفاوة كإنه بيحتفل بيه وقال بتحمس:

-أنت....أنت.

"تمت"

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إحصائيات متنوعة مركز التدوين و التوثيق

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↓الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
3↑1الكاتبمدونة محمد شحاتة
4↓-1الكاتبمدونة اشرف الكرم
5↓الكاتبمدونة ياسمين رحمي
6↓الكاتبمدونة حاتم سلامة
7↓الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
8↑1الكاتبمدونة آيه الغمري
9↑1الكاتبمدونة حسن غريب
10↓-2الكاتبمدونة ياسر سلمي
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑31الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني203
2↑22الكاتبمدونة مها اسماعيل 173
3↑14الكاتبمدونة مرتضى اسماعيل (دقاش)205
4↑11الكاتبمدونة منال الشرقاوي193
5↑5الكاتبمدونة كريمان سالم66
6↑5الكاتبمدونة خالد عويس187
7↑4الكاتبمدونة نجلاء لطفي 43
8↑4الكاتبمدونة غازي جابر48
9↑4الكاتبمدونة سحر حسب الله51
10↑4الكاتبمدونة نهلة احمد حسن97
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1079
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب695
4الكاتبمدونة ياسر سلمي655
5الكاتبمدونة اشرف الكرم576
6الكاتبمدونة مريم توركان573
7الكاتبمدونة آيه الغمري501
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني426
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين417
10الكاتبمدونة شادي الربابعة404

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب333840
2الكاتبمدونة نهلة حمودة189709
3الكاتبمدونة ياسر سلمي181357
4الكاتبمدونة زينب حمدي169726
5الكاتبمدونة اشرف الكرم130949
6الكاتبمدونة مني امين116770
7الكاتبمدونة سمير حماد 107768
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي97846
9الكاتبمدونة مني العقدة94970
10الكاتبمدونة حنان صلاح الدين91620

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة رهام معلا2025-06-29
2الكاتبمدونة حسين درمشاكي2025-06-28
3الكاتبمدونة طه عبد الوهاب2025-06-27
4الكاتبمدونة امل محمود2025-06-22
5الكاتبمدونة شرف الدين محمد 2025-06-21
6الكاتبمدونة اسماعيل محسن2025-06-18
7الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني2025-06-17
8الكاتبمدونة عبد الكريم موسى2025-06-15
9الكاتبمدونة عزة الأمير2025-06-14
10الكاتبمدونة محمد بوعمامه2025-06-12

المتواجدون حالياً

958 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع