أجمل ما ورد في وفاة هشام سليم هي الحكايات الإنسانية المشبعة بالرقي التي حُكيت عنه، حتى لتظن لو أنك حديث العهد بالميديا أنه رجل ناشط اجتماعيا، أو صاحب تجربة أبوية هي وحدها ما صنع شهرته، أو حتى رجل أعمال من محبي فعل الخير في السر!
لقد طغى لطف حكايات هشام سليم الإنسانية على حكايات فنه! وهذا أمر رائع حقا.. ذلك أن حكايات فنه ستظل وتبقى، وسيأتي من يؤرخ لها تأريخا هادئا لا يغفل له عملا ولا تأثيرا.. كما أن جميع من ذكروا مآثره الإنسانية يعرفون ما قدم للفن بالتأكيد ويحبونه، لكن أفعاله الحقيقية كانت أكبر أثرا في نفوسهم فذكروا الحقيقة من عزم الحزن على موته قبل أن يهدؤوا بعد حين ويتذكروا التشخيص والأدوار الملعوبة باحتراف.
لعل هشام سليم أجاد صُنع معادلته، وتمكن من ضبطها.. ولعل كونه سليل بيت أصيل سهل عليه أن يكون إنسانا بحق دون ادعاء ولا بروباجاندا.
ستعرف وأنت تشاهد منشورات الناس عنه كم كان إنسانا.. وستتذكر مواقف له لا يستطيع كثيرون فعلها.. وستنتبه الي نموذجه الأبوي الساحر.. لتدرك كم تحبه أنت أيضا لأسباب ليست كلها واضحة في خيالك.
ثم بعد حين.. ستتذكر رقي وألمعية عادل البدري في ليالي الحلمية، وعذوبة وطيش هشام في الراية البيضا، واندفاع واستبصار حسني النعماني في أرابيسك، وقوة وحزم العمدة في المصراوية.. ستتذكر رقصاته الرشيقة على المسرح بجوار عفريت المسرح شريهان.. وتتذكر حيرة عينيه أمام ماجدة الرومي وهي تقول له "إيه العمل في الوقت دا يا صديق؟".. وتتذكر بكل تأكيد إخفاءه السجائر عن عين أمه فاتن حمامة التي كشفته رغم ذلك.. وستدرك محاولاته المستمرة لترك عمل فني سينمائي يذكره التاريخ.
ثم ستنظر في صورته فترى هنداما مبهرا وتواضعا يكمل الإبهار.. وسترى صدقا في عينيه لا محل لإنكاره.. واستقرار نفس يوجب الحسد.
هشام سليم الهادئ اللطيف الصادق الراقي
حتى في مرضه كان ابن أصول.. سكت وتقبل.. فأحسن الله إليه ولم يطل به أمد العذاب.. وسيعامله يقينا بلطفه ورحمته.