لعل أعظم ما وصلت إليه فلسفة العلوم الإنسانية حتى يومنا هذا أنها صارت تجعل من الحياد عن المعتاد اختلافا لا يترتب عليه تراتيية في القيمة ولا تمايزا في القوى بأنواعها.. ليكون المريض مختلفا عن الأصحاء لكنه ليس أقل منهم بأي حال من الأحوال، وهم بالتالي ليسوا أفضل منه ولا يملكون عليه سلطة نتيجة لمرضه.. وإن بدا هذا الحديث مستغربا على فكرة المرض عامة فسيقترب من القبول حين نفكر في الأمراض التي تصيب النفس والروح.. لعلنا لا ننظر لمريض القلب أو المعدة على أنه قد فقد قوة إنسانية وتدنى على مدرج القيمة.. لكننا كثيرا ما ننظر لمريض النفس على أنه هكذا.. وأشد.
والأمل كل الأمل لما تتطور هذه الرؤية الأهم وتفرض سطوتها على إدراكنا لذواتنا وللآخرين، أيا كانت مواقعنا في خريطة التشابه والاختلاف، أي حين لا يسلبنا اختلافنا عن العاديين قوتنا ولا قيمتنا.. ساعتها سيكون اختلاف كل مختلف قوة هائلة في حد ذاته، قوة قد تغير عالمه -وعالمنا معه- للأفضل إذا أحسنا فهمها وأجدنا التعامل معها.