للأسفِ، ابتلانا اللهُ بأنواعٍ من البشرِ، لا يليقُ بهم إلّا وصفُ المرضى النفسيّين. إنَّهم يتخفَّون في ثيابِ الزمالةِ أو الصداقةِ أو الجِيرةِ، وربّما يأتونكَ تحت أيِّ مُسمّى آخر، لكنَّ حقيقتَهم لا تُخفِيها الأسماء.
يتجرَّأون عليك لأنَّك حليمٌ، ويتمادَون لأنَّك كريمُ الخُلقِ رفيعُ الأدب، ولو كنتَ جافّي الطبعِ غليظَ المعشرِ ما تجرَّؤوا على خطوةٍ في سبيل أذاك.
يظنّون صمتَك ضعفًا، وحِلمَك عجزًا، وغضَّ الطرفِ عنهم إذعانًا. وما درَوا أنَّك لو أردتَ لكان أذاك أشدَّ وقعًا من سهامهم، وردُّك أثقلَ وطأةً من جُرحِهم. غيرَ أنَّ ما يمنعُك هو يقينُك بأنَّ للهِ حسابًا لا يُظلَم فيه أحد، وأنَّ للظالمِ يومًا لا مفرَّ له منه.
فإلى هؤلاء أقول: لا تغترّوا بحِلمِ الحليم، ولا تستسهلوا صمتَه، فإنَّ الحليمَ إذا غضِب، كان غضبُه كالعاصفةِ التي تقتلعُ كلَّ ما أمامَها، ولا تُبقي ولا تذر.
وتذكَّروا دائمًا: صبرُ الحليمِ ليس غفلة، وإنّما مهلة… فإذا نفدت، سقطت معها الأقنعة.