"طشارى" ...
أى شظايا طلقات الرصاص باللهجة العراقية.. مبعثرة على غير هدى وبدون تسلسل أو منطق واضح..على حسب ما موجة الانفجار ترميها..حتترمى...
"طشارى" ...قصة عائلة عراقية...حتى الآن اسمهم عراقيين..لكن الجيل القادم حيبقى "من أصل عراقى" ..ثم لا شىء..ذوبان فى الارض الغريبة و الهوية الجديدة..
عائلة د. ورديه اسكندر... طبيبه نساء عراقيه تخطت الثمانين ..بيختصها "ساركوزى" بالتحيه من وسط اللاجئين العراقيين..وهى لا يعنيها هذا الساركوزى فى شىء..
بنمشى مع مسيرة حياة د.ورديه ... طبيبه من عائله ميسورة الحال...كلدانيين مسيحيين عراقيين..بنشوف العراق وهو بيتغير ...الحياة بتتوحش و اهل العراق وهما بيدفعوا تمن كل القرارات اللى مخدوهاش... والاختيارات اللى مختاروهاش...
بتبدا الرواية بقرار د.ورديه بالهجرة بعد اكتر من نصف قرن من العمل كطبيبه نساء بالعراق...بعد ما "سحبت كل أهل الموصل والديوانية من بطون أمهاتهم" ...بتقرر الهجرة للفرار من الكابوس الملازم لها ..بعد دخول شابه حامل لعيادتها وهى بتترعش..و تنهار على سرير الكشف أمام ورديه ...تميز ورديه بصعوبه كلمات الشابة بين صرير أسنانها "ما بدى موت..ما بدى موتكن ولا بدى موت" ...الشابة الحامل كانت مفخخه غصب عنها ورايحه تفجر عيادة الطبيبة..بتنجو ورديه و مريضاتها ...لكنها بتعجز عن النوم بدون هذا الكابوس...
بتقابل ورديه فى باريس ابن بنت اخوها ..المراهق "اسكندر " ..و تتوطد بينهم صداقه غريبه..بتشفق عليه أمه من الصداقة دى ومن حبه لحكايات ورديه عن عراق لم يعد موجودا...وعن هويه لن يتسبب التمسك بها أى فائدة..
"اسكندر " هو نموذج لمهاجر من الجيل الثانى...يعرف أنه عراقى لكن لا يعرف ما هو العراق..يعرف أن كتير من عيلته يحمل نفس الاسم"اسكندر " لكنه لا يعرف عنهم شىء ..بيجمعهم الفضاء الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي..عارف اسم وصورة ابن عمه ...لكنه ميعرفوش..
نتيجه هذه الصداقة..لتظهر فكرة غريبة..إذا كان الأهل عاجزين عن التجمع أحياء..ليه منجمعهمش موتى؟ و اذا كان دا مستحيل واقعيا..ليه منعملش مقبرة الكترونيه افتراضية لكل العائلة...يبدأ اسكندر تصميم المقبرة ..و يحصل عليها اقبال غير عادى..بيقرر أنه يخليها بس لذوى "الميتات الاستثنائية" عشان يلاقى قصاده سيل من القصص الاستثنائية جدا...العمة سهيله و زوجها إلى. مات فى حرب الكويت ومتعرفش قبره فين...و ابنها رعد اللى اتقتل على ايد عصابات بعد ما اتخطف و دفعت الفديه...كل طموحها أن زوجها وابنها يناموا جنب بعض فى رقدتهم الأخيرة...
بالتوازي و بالفلاش باك ..بنعرف قصة د.ورديه ... الطبيبة الشابة اللى أسست قسم للولاده فى المستشفى..وحاول البعثيين والقوميين استقطابها..لكنها فضلت بعيدة وان كانت معجبه بناصر والقاهرة..و تزوجت من دكتور جرجس ناصرى الهوى...حياتها فى عراق الخمسينات والستينات...لا تمت لعراق العقد الثالث من الألفية الثالثة بشىء...
طبيبه مسيحيه..تعيش بمدينة أغلبها من السنة ...يحبها الجميع و يقفون حين تمر من أمام مقهى...تطلب الدعم من سيدة علويه ذات نفوذ "شذرة" لتنعقد بينهم صداقه قويه..بعد ما اعجبت السيدة و تعاطفت مع الشابة الصغيرة المؤدبه المغتربة...
يكفى اننا نعرف أن ابنه ورديه البكريه "هنده" امها بالرضاعه سيدة سنيه...نذرت أن تخدم الطبيبة بعد ما عالجتها من الإجهاض المتكرر...و ابنها "براق" الجميل... الرضيع ذو الشعر الذهبى ...اول ما نساء الديوانية شافوه وهما بيباركوا لامه..شهقوا من شدة جماله...وتصاعدت صلواتهم بلغات مختلفة ولهجات مختلفة...."تدق باب السماء بقبضة واحدة" طلبا للبركة والحمايه للصغير..بركة تحققت بفضل الأولياء والقديسين سويا...و بنفس العراق...اتصور براق وهو صغير فى مسيرات عاشوراء وسط الشيعة كصديق .....
فى زمن كانت فيه ورديه تدعى إلى البكائيات ...و يسير السنه والشيعة فى مواكب العذراء ...
لحد ما انفجار ورا التانى...بعثيين..قوميين...صدام..حرب الخليج الأولى والثانية..حصار لبلد تعمد الشياطين إعادته للقرن قبل الماضى...بتتفجر الطائفية...يتحول العراق لمكان مرعب..اسمع فيه زراغيط فى بيت الجيران يوم ما يلاقوا جثة ابنهم فى مقبرة جماعية..عرفوا مكان قبره من لوحة السيارة المثبته كشاهد قبر...بيتهدد فيه بيت ورديه إذا لم تسلم ابنتها لأمير جماعه التكفيريين فى المنطقة بالقتل ....بتهرب البنت و تتجوز قريب لها متعرفش عنه اى شىء الا انه اكيد افضل من أمير الجماعة..تستنجد ورديه بالشيخ السنى بالمدينة..يحاول مساعدتها و يذهب للشرطة ويعود محبط إلى أقصى درجة...وحدة الشرطة معندهاش ورق وحبر تكتب بيه المحضر!
بتعيش مع أهل ورديه وهما بيتفرقوا بين بلاد الله..بنت اخوها الكبير سليمان..اللى كان خايف لو سمح بسفر بنته للدراسة فى لندن أنها مترجعش...و بيشاء القدر أنها تنزح إلى لندن وماهو ابعد...ابنه ورديه الأخرى...و زوجها المهندس اللى رجع من الكويت زاحف على بطنه..بيسمع أغنيات النصر في الراديو و يضرب الحائط بيده كل يوم...يقرر الفرار إلى الأردن..ثم إلى كندا.....
الطشارى...هم أهل ورديه.. متفرقين بين بلاد الله...لا بيجمعهم عرس ولا جنازة... بيجمعهم الحنين فى قلب ورديه لهم جميعا...وتبدو فكرة المقبرة الجماعية الالكترونيه سخيه جدا..جايز تجمعهم فى الآخرة بدل ما اتكتب عليهم الشتات فى الدنيا والحنين الدائم...
الرواية جميلة من كل الزوايا...تضفير العام والخاص فيها سلس تماما... الشخوص مرسومه باليد... الأحداث تلقائيه وغير مفتعله....
الرواية هى تانى لقاء ليا مع "انعام كجه چى" ...اللقاء الأول كان رواية "النبيذة" ومحبيتهاش خالص...نفس اسطنبه المرأة الغوايه بقى و كل التاريخ عدى عليها وهى قدام التاريخ مش بتعرف تحتفظ بهدومها كتير..مشيها قدام التاريخ..
بينما ورديه واهلها عاديين جدا.. عاديين اوى... و مع كل سنه بتعدى من تاريخ هذه الرقعة من العالم..كل ما انواع ال "طشارى" بتتغير وتزيد...طشارى سوريه..طشارى ليبيه.. طشارى سودانيه..تفجرهم و تبعترهم الحرب والطائفية والصراعات أو الاقتصاد و نظرياته وتطبيقاتها...
و يفضل الحلم أن أهل الدم الواحد يتجمعوا...أن مكنش فى الدنيا يبقى في الآخرة..وان مكنش فى الواقع يبقى في الخيال..