أحنُّ إلى خُبز أُمّي
وقَهوةِ أُمّي
ولَمْسةِ أُمي..
وتَكبُر فيَّ الطفولةُ
يومًا على صدر يومِ
وأعشَقُ عمرِي لأنّي
إِذا مُتُّ،
أخجل من دمع أُمي!
تكتسب العديد من الأشياء قيمه من ندرتها أو قدمها ...تكون فريدة من نوعها لأنها "الأخيرة" ... قيمة أعلى بكثير من قيمتها فى ذاتها...
بالأمس..استخدمت آخر كيس من "صلصة الطماطم" التى تعدها لى والدتى منذ زواجى فى محاولة لتسهيل حياتى الجديدة. سبقه آخر مكعب "ثوم مفروم"..وآخر كيس "ملوخيه مخروطه" ..وآخر كيس "بصل مفروم"... وظل كيس الطماطم أمامى..أحاور واناور كى لا استخدمه..فهو يحوى "النفس الأخير" ..مما أكسبه قيمه الندرة وغياب الصانع...أتحدث مع شقيقتاى لأكتشف أن كل منهما يحدث معها نفس الشيء... نوع من الطعام المعد مسبقا فى ثلاجة كل منا تتحاشى استخدامه بشكل ما.. لأنه "الأخير"..
يسخر الرجال من الطبخ ويتخذونه ذريعه للتقليل من شأننا...احتقروه فكرهناه...بينما هو أحد أكبر التعبيرات عن الحب ..."النفس" الذى تمنحه كل منا لطعامها ..يبدو كمفهوم غامض.... بينما هو مكون فى الحقيقة من حب السيدة لأهل بيتها...رغبتها فى اسعادهم....ذائقتها الشخصية التى ستكون ذائقتهم فيما بعد .. فيصبح طعام الأم هو "المسطرة" التى تقاس بها جودة الطعام في أى مكان آخر..يصير هذا الطعام طيبا لأنه يشبه "أكل ماما" ..و نحب تلك السيدة لان أكلها "قريب من أكل ماما" ...
"النفس" هو حب مخلوط بمعرفة السيدة العميقة بأهل بيتها و اهتمامها بهم...أفهم جيدا لما يحن محمود درويش لخبز أمه وقهوة أمه...فهما مصنوعان من أجل "محمود".. وهو لا يحب الخبز طريا...يحب الخبز مقرمشا ومحمصا ...يكره اضافه حبه البركه على وجه العجين ويعشقه مع قليل من الينسون...قهوته داكنه بلا حليب ...و يجب أن لا تفور فتفقد وجهها الرغوى ...تصنع قهوة محمود على مهل ويوضع بها نقطة من زيت جوز الهند في النهاية..
هل يتساوى كل هذا الحب مع آله خبز عملاقة تطبع الأرغفة على سير معدنى؟ مع ماكينه قهوة تلفظ منتجها خارجا لا تعلم إن كان مالك الفنجان محمودا ام حسينا!
تمارس الأمهات والجدات عملية إطعام العشيرة فى استكمال مدهش لعملية التكوين..تداوى صدمه انفصالهم عن رحمها بإطعامهم لاستكمال تكوين اللحم والعظام وهم خارج الرحم...تتمنى أن تستمر في عملية التكوين تلك إلى الأبد...
ما نحن إليه ليس الخبز والقهوة...ما نحن إليه هو الحب الذى نعلم أنه ينتظرنا...نقفز على السلم ونشم رائحة الطعام الذى ينتظرنا ونحن عائدون من السفر...نقفز لنلاقى الحب و "النفس" الجميل...
أعزى نفسى بأن "نفسها" معى فى كل لحظة...كتبى التى تملأ أرففى وعقلى...عيناها السوداوان التى لم أرث من ملامحها إلاها...نصفها الشاعر القارىء النهم... صوتها وهي تشرح لنا "الأطلال" ...آلاف وملايين من التفاصيل المعقدة كتعقيد الحياة تضفر الصلة بينى وبينها ..حديث لا ينقطع و كلام كنت انتظر أن أقوله ولم أحظى بالفرصة...
أمى التى تحب الشعر العربي المقفى الأصيل...و توصينى بإحضار آخر روايات ريم بسيونى و أسامه عبد الرؤوف الشاذلى..وتبحث عن نسخه ورقيه من مسرحيه دماء على ستار الكعبة...وتستعير منى كتبى على وعد إرجاعها...تعشق الإسكندرية فى الشتاء وتتمنى زيارة حديقة انطونيادس فى الربيع ....وتحب فريد الاطرش اكتر من عبد الحليم حافظ...
و أمى...