أزعم أن نظرتى أو منهجى فى متابعة ما يدور حولنا من معركة ضارية بين الرجال والنساء، ليس أنثويٱ وكذلك ليس ذكوريٱ، وأعتبر نفسى مشاهدٱ للفريقين وخارج المشهد.
أشاهدهم وهم يتراشقون التهم فيما يخص الفشل فى الحياة الزوجية أو العمل أو العلاقات الإجتماعية، وأخص بالذكر العلاقات الزوجية لأنها أكثر العلاقات إستهلاكٱ للوقت والطاقة.
الأزواج يقعون تحت ضغط ليس هينٱ من شعور بالمسئولية تجاه توفير كميات كبيرة من المال لأسرة يأكل أفرادها ويتعلم أطفالها ويلبسون ويستهلكون خدمات بفواتير رهيبة ويتنزهون ويسافرون ويشترون هدايا لأصدقائهم ويشتركون فى النوادى الرياضية والإجتماعية ويبتاعون الهواتف الذكية الحديثة، كما يدفع بعض الأزواج أقساط لسيارة أو شقة جديدة أو أجهزة جديدة ..... إلى آخره.
فهو يذهب إلى عمله الذى فى الكثير من الأحيان يكون غير منضبط المواعيد أو فيه من السفر والتنقل ما يكد البدن ويضغط النفس، كما قد يقابل مواقف محرجة أو صعبة ( ومينفعش يتدلع ).
كما أنه فى الغالب لا يقابل بالشكر أو التقدير، فهو يقوم ب ( واجبه ) فلا فضل له فى شئ، وفى كثير من الأحيان فإنه يقابل بكلام ينم عن أن هذا الدخل لا يكفى إحتياجات هذه الأسرة وأنهم فى حاجة إلى المزيد.
وأضف ضغطٱ جديدٱ وكبيرٱ وهو شعوره الدائم بأنه مصدر للدخل فقط ولا شئ آخر، ففى كثير من الأحيان فإن أفراد الأسرة لا يظهرون له من مشاعر الحب والود الكثير، مما يعزز لديه الشعور بأنه بنكٱ إحتياطيٱ وقت الحاجة إلى المال ولا شئ غير المال.
وهذا أمر ضاغط جدٱ وشعور قاسِ بحق.
وأضف على ذلك مسئوليته تجاه تربية أبنائه وتعليمهم الصلاة وحفظ القرءان وتوجيههم للسلوك القويم، حتى وإن كان عدد من يقوم بذلك من الرجال ليس كبيرٱ وأن معظمهم يقوم بالعمل وكفى.
وأضف على ذلك واجبات إجتماعية حتى وإن كان لا يؤديها، إلا أنها تمثل صغطٱ لمجرد وجودها؛ واجبات نحو أهله وأهل زوجته وجيرانه ومعارفه، تستهلك ذهنه ووقته.
وفى دولنا العربية نضيف ضغطٱ جديدٱ من إنتاجنا يتمثل فى ضغط أصدقاء الزوج وأهله على هذا الزوج لإثبات رجولته وسطوته وسيطرته على البيت من خلال تربية الزوجة ( من أول وجديد )، كيفما يرى هؤلاء الأصدقاء أو الأهل، وسواء إستجاب لهم الزوج أو لا، إلا أن هذا الأمر يشكل ضغطٱ نفسيٱ إضافيٱ عليه.
وأضف ضغوطٱ جديدة من صنع الزوجة فى خضم كل هذه الضغوط فتجد زوجته تواجهه بتهمٱ تبدو له غير حقيقية وليس هذا مكانها ولا وقتها ( وإنه مش ناقص )، تُهَم تقول أنه مغرور ومسيطر، غير متحمل للمسئولية ويتركها تحمل مسئولية البيت من طلبات المنزل وتربية الأبناء وواجبات إجتماعية وصيانة أجهزة المنزل، وأنه يخرج للتنزه والسفر مع أصدقائه ولا يراعيها، وأنه عديم الرومانسية، وأنه خائن وكذاب وأنانى، ويئن من أى دور برد، وفظ وقاسى القلب ...والمزيد والمزيد...
فيشعر الرجل بالظلم ويدخل فى خانة الضحية ولا يرى فى الحياة سوى أن الرجال ضحايا النساء، دون أن يفكر أنه يرى الصورة كلها من جانبه هو، ولكن لو فند ما تقوله الزوجة وسأل نفسه؛ هل أنا بالفعل أتخلى عن بعض مسئولياتى ؟
هل بالفعل كذبت مرة وإثنين وثلاثة وها أنا أكمل ؟
هل خنت هذه الزوجة مرة واثنين ومررت الأمر حتى نسيته كأنى لم أفعله ؟
هل أنا مغرور كما تقول وأتصرف فى البيت وكأننى الفرعون بالفعل ؟
(مجرد أسئلة) عن مدى صحة التهم التى وجهتها زوجته ويعطى نفسه فرصة للتفكير والإجابة.
ولكنه فى الغالب لن يدع ذلك يحدث إلا إذا خرج من خانة الضحية التى إستراح للدخول فيها.
والزوجة منذ أن تزوجت وحملت طفلها الأول لمدة تسعة أشهر، وهذا وقت طويل للإرتباط بشئ، تعمل حسابه ويشاركك نومك وصحوك وحركتك ونزهك وكل العقاقير والأدوية التى تمتنع عنها حتى وإن كانت حالتها الصحية تستدعى أدوية، وأضف على ذلك قلقها من أن يولد طفلها غير طبيعيٱ أو مشوهٱ أو به أى قصور، ثم تنتهى معاناة حملها بهرمونات هذا الحمل كلها، إلى ولادة ترى فيها الموت بعينها، ثم تذهب إلى رحلة رضاعة كل ساعتين، تصور معى أن هناك شخص ما يقوم بمهمة ما كل ساعتين فى أثناء الإستيقاظ والنوم والتواجد فى البيت أو خارجه.
وفى خضم ذلك فالناس يرونها فى رغد من العيش ويباركون لها على مولودها ويغفلون تمامٱ المعاناة التى تراها فى كل الإتجاهات.
ثم تدخل فى أفلام التربية والجرى وراء هذا منذ الاستيقاظ صباحٱ وحتى النوم ليلٱ، إما للإطعام أو الإستحمام أو تحفيظ القرءان الكريم أو كلمات عربية أو أجنبية وقبلها تعليمه المشى....وغيرها.
وإنتبه أنها بدورها لا تلقى أى تقدير من أى نوع، فهى تؤدِ دورها وواجبها فلا فضل لها فى شئ.
وما أن تبدأ فى فطام هذا الطفل حتى يتم التخطيط لإحضار طفل جديد.
ألا يستهلكها كل هذا ذهنيٱ وبدنيٱ ؟
ويجعلها تخرج بعد هذه التجارب إنسانٱ غير الذى دخلها ؟
وهذا فيما يخص الزوجات اللاتى لا تعملن خارج المنزل فما بالك بمن تعمل خارجه ؟
وأضف على ذلك القيام بأعمال الصيانة والسباكة والنجارة ...إلى آخره.
وأضف على ذلك أدائها للأعمال المنزلية من تنظيف وطهى وغسيل .. إلى آخره.
وفى معظم دولنا العربية يحمل الزوجة أصدقائها أو أهلها ضغطٱ جديدٱ يتمثل فى محاولة جمع أكبر قدر ممكن من الأموال والذهب والباقوت والمرجان والألماظ من الزوج وإلا فهى ( عبيطة ) و ( خدت إيه من الجوازة ؟ ).
وفى خضم هذه الضغوط تجد زوجها يتهمها بتهمٱ تراها بالطبع محض إفتراء وعدم تقدير، يقول أنها مهملة له ولمظهرها، وزائدة فى الوزن وثرثارة وتافهة وطماعة وساذجة وسفيهة ولا تنمى عقلها ولا تتابع أخبار العالم ولا تطيعه حق الطاعة ولا تعمل على راحته ....
فتدخل بدورها نفس خانة الضحية التى دخلها الرجل وتقنع نفسها أن النساء ضحايا الرجال.
دون أن تفسح سبيلٱ لتسأل نفسها مجرد أسئلة؛ هل أنا بالفعل زائدة فى الوزن، هل أنا بالفعل تافهة وساذجة ولا أنمى عقلى ؟
هل أنا طماعة ؟
وتترك لنفسها الفرصة للبحث عن إجابات حقيقية تمثل واقعها.
فلو خرج كلٱ منهما من دور الضحية لرأى مدى أهمية دور الآخر ولتذكر مزايا شريكه من خفة دم، طيبة، كرم، أنوثة أو شهامة، شعور بالأمان، إتزان فى إتخاذ القرارات، طموح، طعام لذيذ.... إلى آخر مزايا الطرفين، ولكنهما إستسهلا الشعور بالقهر ( وقفلوا الموضوع على كدا ).
ستظل قضية الرجل والمرأة أبد الدهر، إلا إذا طبقنا حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فى الحياة الزوجية وفى كل العلاقات":والله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ".
لو نظرت صديقى القارئ نظرة شاملة للمعسكرين، نظرة مجردة تمامٱ من أى أهواء لأشفقت على كليهما، كما أشفق أنا فأنا أزعم أن نظرتى حيادية وموضوعية قدر الإمكان.
وأجد نفسى فيما يخص مأساة الرجال والنساء؛ لست مع هؤلاء ولا مع أولئك.