دمعت عيناه فرحا حين بُشر بميلادها، فهي المكملة لأخواتها ليصبحن أربع بنات. حملها على راحة كفيه والفرحة تغمره وهو يشكر الواهب. رفعها لتقترب من فيه، قبلها على جبينها، أعادها إلى أمها بعد أن أطلق عليها اسم فاطمة.
كانت فاطمة كلما جاء أبوها من الخارج تجري نحوه هي وأخواتها، فيجثو على ركبتيه فاتحا لهنّ كلتا يديه ليضمهنّ بحضنه مقبلاً كلّاً منهن، إما على جبين هذه، وإما على وجنتي تلك، والأخرى على رأسها، وهن يتسارعن لعناقه، بينما تقف الأم تغمرها السعادة برؤية هذا المشهد الأخاذ للقلوب.
فالأب للأبناء وخاصة للبنات هو الأمان والحنان والاحتواء، فإن لم تجد الفتاة الدلال والحنان والتقدير من والدها فمِمَّن تستمده إذن!؟ فلا تتركْها كالأرض العطشى، بل اروها حتى الثمالة كي لا تضطر أن تروي عطشها بماء فاسد.
كانت البنات فرحة أبيهن بخلاف ما كان يحدث في هذا العصر من وأد للبنات، أو إذلال للمرأة، فكلما تغدو أمامه بناته أو تروح يلعب معهن، ويبتسم في وجههن حتى وإن كان مشغولا أو متعبا .
وفي بعض الأيام كان يتركهن ليذهب يتعبد، ويتأمل في غار في الجبل، وكانت الزوجة تثني على هذا الفعل أمام بناتها، بل تعينه على ذلك أيضا رغم كبر عمرها إلا أنها كانت تصعد الجبل حاملة له الزاد المادي والزاد المعنوي.
فتكثر من الثناء على فعله، وتعبر عن إعجابها بذلك أمام نفسها، أو أمام أولادها، فالزوجة التي تحترم زوجها وتقدره أمام الأبناء وأمام الآخرين تجد مردود ذلك في علاقاتها معه ومع أولادها .
وكانت تحكي لأولادها عن صدقه وأمانته وحسن خلقه؛ لأن الزوجة هي أكثر الناس معرفة بالزوج، فإن شكرت الزوجة زوجها فاعلم أنه حسن الخلق معها ومع الآخرين.
لم تبخل عليه بمالها، ولم تَمُنَّ عليه يوما بهذا المال، بل كان أمراً طبيعيا أن تعطيه إياه دون أن يطلب هو؛ لأن الزوجة عندما تشعر بالأمان والاحترام من قبل زوجها تعطيه كل ما تملك عن طيب نفس، بل تريد أن تفديه بروحها دون طلب منه.