لم أتخيل يومًا أن أشفق على أي كلب فأنا اعاني من خوفي منهم بشكل هيستيري بسبب عضة كلب في الطفولة عانيت بعدها من العلاج. لكني اليوم أشفق على تايجر كلب جارنا الذي طالما كرهتهما معًا، فجارنا ذلك السبعيني المتجهم الذي يعتزل الجميع وينظر إلينا ونحن أقرب جيرانه بتعالٍ بغيض ولا يرد حتى التحية. منذ أن تزوجت أنا وزياد وسكننا تلك الشقة وحاولنا التودد لجارنا الوحيد الأستاذ عادل ولكنه أبدى عجرفة واستياء وأخبر زوجي بمنتهى الصفاقة أنه يحب العزلة ويكره التواصل مع الجيران. احترمنا رغبته واكتشفنا فيما بعد أنه يعيش وحيدًا مع كلبه تايجر ويخرجان معًا للتمشية مرتين في اليوم صباحًا ومساءً في موعدين محددين.
عرفت فيما بعد من البواب أنه كان مدير لأحد البنوك ولديه ولد وبنت وقد تزوجا وسافرت ابنته مع زوجها للخليج، وهاجر ابنه لكندا، وبمجرد إحالته للمعاش توفيت زوجته فحزن عليها كثيرًا. بعد ان كان بيته يستقبل الضيوف والزوار باستمرار أصبح مهجورًا ولا يتذكره او يطرق بابه أحد فقرر اعتزال الناس. ذات يوم وجد كلب صغير حديث الولادة يئن من الجوع والألم فأشفق عليه وأخذه وعالجه وأصبح رفيقه في وحدته. من يومها لم يفترقا وكم كان يزعجنا ذلك التايجر بنباحه وخاصة أثناء الليل فكان زوجي يشتكي للأستاذ عادل أنه ينبح ليلًا فيوقظني مرعوبة وانتقل رعبي وفزعي لابنتي رنا فكانت ترتعب لمجرد سماع نباح تايجر.
رغم تجهم الأستاذ عادل إلا أنه كان مُتفهمًا لخوفنا فكان يحرص إن تصادفنا على الباب على إمساك تايجر جيدًا وإبعاده عن طريقنا. كنت أتعجب كيف لم يتزوج بعد وفاة زوجته من تؤنس وحدته رغم حالته المادية المتيسرة وصحته الجيدة وتساءلت أهو وفاء لشريكة العمر أم عزوف عن النساء وكل البشر؟
كانت مواعيد خروجه اليومية ثابتة لا تتغير حتى فوجئنا يومًا بتأخره عن الخروج وكان يوم أجازة زوجي فأخبرني أنه ربما مريض، لكن مازاد قلقنا أن تايجر لم يكف عن النباح بشكل غريب. استدعى زوجي البواب وظلا يقرعان الباب بلا مجيب سوى نباح تايجر فأصر زوجي على إبلاغ الشرطة. عندما جاء ضابط القسم وأمر البواب بكسر الباب فوجئنا بسقوط الأستاذ عادل في وسط غرفته وتايجر يجلس بجواره ينبح بشدة لعل أحدًا ينقذ صديقه لكن فات الأوان وفارق الأستاذ عادل الحياة. لم نكن نعرف بمن نتصل لنخبرهم بوفاته فيحث الضابط عن هاتفه واتصل بأخر الأرقام ولحسن الحظ كان أحد أقاربه الذي قام بكل الإجراءات وبعد الحصول على تقرير الطبيب قام بدفنه في مقابر الأسرة في غياب ابنه وابنته.
رغم أننا لم نكن على صلة به لكننا شعرنا بالحزن لوفاة جار لم يؤذِ أحد يومًا، وبعد أن أفقنا بحثنا عن تايجر فلم نجده فقد اختفى مع خروج جنازة الأستاذ عادل. نسينا أمره وعاد ابن الأستاذ عادل بعد نحو أسبوعين ليعرض شقته للبيع بأثاثها وعرض عليه زوجي أن يشتريها لتكون عيادة له فوافق وباعها بنصف ثمنها لأنه كان يتعجل من أجل السفر حتى أنه لم يفكر في زيارة قبر والده.
شعرت بالحزن على غدر الأبناء وجحود بعضهم تجاه آباءهم فقررت أن أذهب مع زوجي لزيارة ذلك الرجل الوحيد في دنياه وحتى في موته.بمجرد وصولنا أمام القبر أصابتنا الصدمة عندما وجدنا تايجؤ نائمًا أمام القبر فقد قرر ان يرافق صديقه ولا يتركه بمفرده كما رفض الأستاذ عادل من قبل أن يتركه. بمجرد أن رآنا نبح بضعف وكأنه يبكي صاحبه الذي فارقه وأخبرنا حارس المقابر أنه منذ دفن الأستاذ عادل والكلب يرفض أن يبرح مكانه سوى لوقت بسيط يبحث فيه عن طعامه ثم يعود بسرعة حتى أشفق عليه الحارس بسبب الوهن الذي أصابه فصار يطعمه ويسقيه فلم يعد تايجر يغادر مكانه بجوار صاحبه، وقال الحارس أنه رأى من الكلب وفاءً لم يره من البشر فمعظمهم يدفنون أحبتهم ويغادرون وينسونهم ولا يتذكرونهم إلا قليلًا بعكس ذلك المخلص لصاحبه ذو الوفاء النادر.
تمت