الواحد ساعات بيفكّر تفكير مفاجئ، أو بيسأل نفسه سؤال مُش عارف هو ازّاي خطَر على باله، زي دلوقت مثلًا، لقيتني بقول لنَفسي...
-أنا لحد دلوقت مَحَصَلش والموقع خلّاني أطلع رحلة تفسّر أي ظاهرة غامضة في مصر، وكُنت بسأل نفسي إيه السَّبب؟َ
كان كُل اللي في بالي إن السّبب في دَه هو أنا، أنا اللي كان طموحي بعيد، وكُنت ببحث عن الغوامض والماورائيات اللي كُنت بشوف إن فيها تشويق أكتر من الظواهر اللي اتعودنا عليها هنا، عشان كَده كان كل تفكيري بيكون في الظواهر اللي بتحصل في أماكن بعيدة، دا غير إن ربنا ابتلاني بصديق كُل تفكيره برضو زي حالاتي، ولمّا كان بيفتح معايا أي موضوع كان برضو بيكون نقاش حوالين ظاهرة بتحصل في بلد تانية، أنتوا طبعًا عارفينه، "كريم".
دا حتّى الموقع لمّا بدأ ياخدنا في رحلات مفاجأة عشان يفسّرلنا ظواهر أنا مفكّرتش فيها ولا اتكلّمت فيها مع "كريم"؛ كان بياخدنا برضو لأماكن وظواهر بتحصل في بلاد تانية، ويمكن برضو ده يكون سببه إن ده كان تفكيري أو تفكيرنا من الأول، وإن الموقع كان بيبني تصرّفاته بناءً على طريقة تفكيرنا.
***
كافيتيريا الجامعة.. 9:30 صباحًا...
هو الواحد لو فكّر في التَّخاطر برضو الموضوع مُش هيبقى مترتّب كِدَه، أنا يادوب كُنت قاعد بفكّر في الموضوع ده، واللي فجأة خطر على بالي، وبشرب القهوة ومنتظر "كريم" ييجي عشان عندنا محاضرة هتبدأ الساعة 10، ويادوب دقايق ولقيت "كريم" داخل الكافيتيريا، واللي أوّل ما شافني قالّي:
-صباح الخير يا "عصام".
-صباح النور، هو الطريق زحمة يابني؟ كل ده على ما تيجي دا أنت بيتك جنب الجامعة!
-ماهو أنت متعرفش ياصاحبي، أبويا قبل ما أنزل لقيته فتَح معايا موضوع، وهو أوّل مرّة يتكلم معايا في حاجة زي دي.
كلامه كان شادِد انتباهي فلقيتني بقولّه:
-موضوع إيه ده؟!
-بيقولّي إنه قرأ في الأخبار الصبح إن وزارة الآثار بدأت ترمّم قصر البارون اللي اشترته من 2005 عشان تحافظ على قيمته الأثرية.
-طيب وإيه الغريب في كِدَه؟ هو ده الموضوع اللي عطّلك يعني؟!
-لأ ماهو رجع بالذاكرة بقى وفضِل يحكيلي عن جِدي الله يرحمه، وإنه كان بيشتغل في شركة واحات هليوبوليس، اللي البارون أنشأها في مصر ومن خلالها بدأ يبني مدينة هليوبوليس؛ مدينة الشمس، اللي هي مصر الجديدة دلوقت، وكان الاسم اللي اختاروه زمان كان اسمه "مدينة الشمس".
لَحظة؛ أنا ازّاي نسيت إن قصر البارون ده من أشهر الأماكن اللي حواليها جَدَل في مصر، وإنها محسوبة على الأماكن المسكونة، وده بسبب الأصوات اللي الناس بتقول إنها بتسمعها بالليل، وإنهم كمان بيسمعوا أصوات شِجار جوّه القَصر، وبدأوا يفسّروا اللي بيسمعوه بإن دَه صوت روح أخت البارون اللي ماتت في نَفس القَصر!
-أنت سَرَحت في إيه؟!
كان "كريم" بيسألني لمّا لاحظ إني فعلًا كنت سرحان بتفكيري، لكنّي قولتله:
-قصر البارون دَه أكتر حاجة غامضة ومُحيّرة ممكن تسمع عنها في مصر، لكن للأسف مُش قادِر أقتنع بأي سبب من الأسباب اللي بتتقال إنها ورا غموضه.
-بُص طالما في أكتر من سبب اعرف إن كُل سبب وارد جدًا يكون خطأ وغيره هو اللي صح.
كان كلام "كريم" صح، وده اللي خلّاني أقولّه:
-وده يخلّيني أقولّك إن وارد جدًا يكون كل الأسباب ورا غموض القَصر تكون خطأ وفي سبب تاني خالص محدّش لسه وصلّه.
-أنت سمعت عن إنهم اكتشفوا إن في مجموعة من عَبَدة الشيطان كانوا بيدخلوا القَصر ويمارسوا فيه طقوس خاصة بعقيدتهم، ليه ما يكونش ده السبب ورا اللعنة اللي حصلت في القَصر؟
-بَس اللي اكتشفوه بعد كِدَه إن دول مش عَبَدة شيطان ولا حاجة، دول كانوا شويّة شباب متحمّس من اللي بيحبوا موسيقى الـ HEAVY METAL والقَصر عشان مهجور كان بالنسبة لهم مكان مميز بيعملوا فيه الحفالات بتاعتهم.
-لكن في سبب تاني وقوي برضو يخلّي القَصر ده يتلعن.
فكّرت لحظة كده وقولتله:
-إيه بقى السبب دَه؟!
-البارون كان له غرفة خاصة، وغالبًا هي الغرفة اللي في برج القَصر، واللي سمعوا إن النار مِسكِت فيها وانطفت لوحدها، بيقولوا إن البارون كان محرّم على أي حد يدخل الغرفة دي، وإنّه كان بيقفل على نفسه فيها وبيمارس طقوس سحريّة مرعبة.
ضِحكت كده وأنا بسمع كلامه وقولتله:
-ولمّا هو محرّم على أي حد يدخل الغرفة؛ عرفوا منين إنه بيمارس فيها طقوس سحرية مرعبة؟!
أنا في الحقيقة كنت متعمّد أَضرب أي سبب النّاس تعرفه وأقول لـ "كريم" إنه سبب مش منطقي، لأن غالبًا تفسيرات الناس للظواهر بتختلف حسب معتقد كل واحد وإيمانه بالظاهرة، وفي مكان زي مصر النّاس بتعشق الخُرافة، هتلاقي مليون سبب لظاهرة واحدة، كل واحد هيقول سبب حسب هو شايف الظاهرة ازّاي.
وهنا لقيت "كريم" بيقولّي:
-ولمّا كل سبب بقوله تقولّي إنه مش صحيح، إيه بقى الصحيح من وجهة نظرك؟
لقيت نفسي برُد على سؤاله من غير ما أفكّر وبقولّه:
-أكيد هييجي وقت ونعرف.
مكَنش في وقت للنقاش أكتر من كِدَه؛ لأن خلاص الساعة بقت 10 والمحاضرة تقريبًا بدأت؛ عشان كده خرجنا من الكافيتيريا وروحنا المدرّج، كان شاغل بالي حاجة غريبة، زي ما قولتلكم في الأوّل، التّخاطر، أنا بمجرّد ما دماغي بدأت تفكّر في الموضوع ولقيت "كريم" جاي يتكلّم فيه، لاحظت التطابق بين اللي بفكّر فيه وبين قصر البارون، مكان غامض، بتحصل فيه ظواهر غامضة زي ما الناس بتقول، وجوّه مصر، وده اللي خلّاني أصادِر على كل آراء "كريم"؛ عشان كنت عارف ومتأكّد إن في رحلة هروحها من خلال الموقع في الليلة دي، وهعرف من خلالها سبب غموض أشهر مكان مرعب في مصر، وده مكنش مجرّد إحساس، دا أنا كان عندي شعور قوي بإن ده هيحصل!
***
الساعة 4:30 مساءً.. في الأوضة بتاعتي.
النهاردة مجاليش نوم لمّا رجعت من الجامعة، يادوب اتغدّيت مع أمي ودخلت أوضتي وقفلت عليّا، ولقيت نفسي بفتح اللاب توب وببحث عن قَصر البارون، مُش عارف ليه كان عندي شَغف أعرف رأي الناس في اللي بيحصل، كُنت بخرج من صفحة وبدخل غيرها، لحد ما لقيت إن المتصفّح بيتقَل منّي، وبعدها لقيته بينقل على صفحة الموقع اللي كانت ظَهرت؛ فاكتشفت إن الوقت خدني والشمس غابت بدون ما احِس.
لكن لمّا صفحة الموقع ظَهرت كان ظاهِر معاها حاجة مُش فاهمها، كانت بتعرِض صورة واحدة سِت، وكانت في مكان زي غابة ومليان أشجار، كانت ماشية وساحبة وراها جثّتين، وكان باين أوي من شكلهم إنهم اتنين شَباب!
حسّيت إني مُش فاهِم حاجة، إيه علاقة اللي ظاهِر دَه باللي كُنت بتكلّم فيه مع "كريم" الصُّبح؟!
مكَنش في وقت أفكَر في إجابة، لأنّي ببساطة؛ لقيت نفسي هناك!
الجَو كان برد جدًا، وليل، وزي مايكون في ضباب لونه أزرق من حواليّا، أنا في نفس المكان اللي شوفت فيه السّت على صفحة الموقع، بَس اللي متغيّر إنه كان في طريق أسفلت، وكان في شَجر على الجانبين، وقفت وأنا بلتِفت حواليّا لحد ما لَمحت نور كشّافات عربية جاي من أوّل الطريق، فضِلت أبُص للنور لحد ما وصل عندي، انتظرت إن العربية تعدّي من قدّامي وتكمّل طريقها؛ لكن ده محصلش، دي العربية وقفت قبل ما توصل عندي، وساعِتها لمحت الكلام اللي مكتوب على لوحة أرقامها، كانت مكتوبة بالأوردو، وأنا حسب معلوماتي إن دي اللغة المنتشرة في الهِند!
في لحظة سألت نفسي إيه علاقة هِنا باللي بيحصل في قَصر البارون؟! ولا الموقع خلّاني أطلع رحلة تانية مالهاش علاقة بكلامنا الصبح؟!
بَس أنا تَفكيري وَقف لمّا شوفت باب العربية بيتفتح، ونزِل منها واحد كان شباب، ملامحه هندية، وده اللي خلّاني أتأكّد من إن تخميني صح، بَس استغربت هو إيه اللي لَفت انتباهه أو حَصل في العربية يخلّيه يقف في مكان زي ده وينزل، كل حاجة كانت باينة إنها طبيعية، بَس هو نفسه اللي مكَنش طبيعي، لأنه كان نازل بيتلفّت حواليه، زي ما يكون بيدوّر على حاجة!
وفجأة بدأ ينزل من على الطريق ويقرّب من الشَّجر، وساعتها لاحظت إن في بِنت واقفة بين الشَّجر، في المكان اللي هو بيقرّب منه، ومُش عارف ازّاي من المسافة دي شوفت ملامحها واضحة كده، بس طبعًا أكيد السَّبب في دَه هو الموقع.
لمّا قرّب منها كان بيمدّلها إيده، لحد ما بقى واقِف قريّب منها ومكَنش في بينها وبينه أي مسافة، بدأت تملّس على شَعره، وهو برضو بدأ يعمل معاها نَفس الحَركة، بَس اللي كُنت مستغربله هي ازّاي بشرِتها بيضا كِدَه غير الهنود، تِحس إنها أوربيّة، أنا فضِلت واقِف في مكاني أبُص عليهم، لحد ما أخدته من إيده ودخلت بيه وسط الشَّجر واختفوا!
ويادوب دقيقتين، وسمعت صوت الشّاب ده وهو بيصرُخ، لكن الشَّجر كان مخلّيني مش شايف حاجة، بَس الصرخة اللي سمعتها منّه كانت تغني عن إني أشوف اللي بيحصل؛ لأن كان باين فيها الرعب اللي كان الشَّخص ده شايفه وقتها!
ويادوب دقيقتين كمان، وسمعت صوت خطوات بتقرّب، كانت جاية من بين الشَّجر وطالعة ناحية الطريق، وكان واضح جدًا إن ده حد كان جاي بيجري لأنها كانت سريعة، وفجأة لقيت الشّاب اللي دَخل بين الأشجار مع البنت طالع بيجري، بَس كان مش متوازن، وزي ما يكون هَينكِفي على وشّه، بَس أقولّكم، أنا لولا هدومه مكُنتش هعرفه، لأنه كان خارج ووشّه مليان تجاعيد، زي ما يكون كِبر خمسين سنة في الكام دقيقة دول، مكنتش عارف إيه سبب التّحول اللي حصل فجأة دَه، لكن مكَنش دَه اللي شاغِل بالي، اللي شوفته بعد كِدَه هو اللي كان واخد تفكيري، لأني بعدها لمحت البِنت اللي كانت معاه، وبرضو شكلها كان متغيّر، أنا عرفتها برضو من هدومها، لكن ملامحها كانت أقرب للشياطين، عينيها مشقوقة بالطول، لونها أصفر والنّن بتاعها لونه أخضر، نَفس لون عيون الأفاعي تقريبًا، ووشّها كان مشقّق ولها أنياب، وكانت من وقت للتاني بيخرج من بوقّها لسان لونه أسود، وصوابعها كانت فيها مخالب!
ده كان كفاية إنه يخلّيني أعرف الشاب دَه شاف إيه جوّه معاها بين الأشجار، أكيد اللي شافه خلّاه كِبر فجأة وملامحه اتغيّرت كِدَه، لكن لَفَت نَظري إنه وهو بيجري وبعد ما طِلع على الأسفلت ورايح ناحية عربيته وَقف فجأة، وبعدها وقع في الأرض، في اللحظة دي هي بدأت تتحرّك ناحيته، لحد ما وصلت عنده، وبعدها مسكِته من شَعره، وبدأت تسحبه وراها، لحد ما أخدته ودخَلِت به ما بين الشَّجر تاني، واختَفت!
أنا كُنت مُندَهِش من اللي بشوفه، بَس كانت أكتر حاجة بفكّر فيها، هي برضو إيه علاقة اللي بيحصل هنا بقصر البارون، أو قصر مدينة الشمس؟!
***
حادثة من 100 سنة...
اتفاجئت لقيت نفسي في أوضة واسعة، لكن من الفَخامة اللي كانت فيها عرفت إنها مش أوضة عادية، الأوضة دي لا تقل عن إنها تكون موجودة في قَصر، ومش أي قصر كمان.
بمجرد ما الفكرة دي وصلتني جالي إحساس إني في قَصر البارون، برغم إني كُنت بشوف أحداث في مكان بعيد عنّه من لَحظات قبل ما ألاقي نفسي هنا، بَس اللي اتغيّر في الأحداث بقى؛ هو إني لمّا لقيت نفسي هنا كان "كريم" موجود.
طبعًا مُش مستغرب وجوده، هو طالما كان طَرَف في الكلام من الأوّل يبقى أكيد هيظهر في وقت معيّن من الأحداث، أنا اتعوّدت على كِدَه، بَس وجوده كان أكتر حاجة خلّتني أتأكّد إننا في قَصر البارون...
وبمجرّد ما شافني لقيته بيقولّي:
-مُش ملاحظ إن كل ما نتكلّم في موضوع ويحصل إنّي أشوفه في الحِلم بتكون موجود معايا؟!
هو نَصيبي إنّه كل ما يفكّر التفكير دَه وأجاوب عليه بينساه بمجرد ما الرّحلة والأحداث ينتهوا، عشان كِدَه في كل مرّة بجاوبه بنفس الإجابة وأنا عارف إنها هتتمسح من ذاكرته وبقولّه:
-اعتبر إننا حلمنا بنفس الموضوع اللي اتكلّمنا فيه، إيه المشكلة يعني يا صاحبي؟!
-لكن أنا أوّل ما جيت الأوضة هِنا لَمَحت جثّة واحدة سِت!
كلامه كان لفَت نَظري؛ خصوصًا إننا موجودين في الأوضة ومفيش أي حاجة؛ عشان كِدَه سألته:
-وهي فين الجثّة دي؟!
-مُش عارف، هي اختفَت أوّل ما أنت ظَهَرت!
-طيّب ومتعرفش ولا شوفت صاحبة الجثة دي ماتت ازّاي؟
-لا؛ بَس هي كانت مرميّة في الأرض هِنا وميّتة، واحدة سِت كبيرة، كان بايِن على وشّها.
بمجرّد ما سِمعت كلامه؛ كان باب الأوضة بيتفتح، وبتدخل واحدة سِت، مكَنِتش كبيرة في السّن، لكن كان باين عليها إنها متوتّرة من حاجة، وده اللي خلّاها كانت رايحة جايّة مابين السرير والشباك؛ لكن بدأت تظهر حاجة غريبة في الأوضة، كان في خيال ماشي وراها، وكان عندي فضول أعرف الخيال دَه خيال مين؛ لأنه كان باين أوي إنه خيال حاجة تانية غيرها!
مع الوقت الخيال اتحوّل لدخان، وبدأ يخرج من هيئته ويتحوّل لمخلوق متكوّن من دخّان أزرق، وبَعد ما اتجسّد بدأت ملامحه تتشكّل؛ واللي اتضَحلنا بَعد كِدَه إن المخلوق دَه هو البِنت اللي شوفتها من شويّة بتستدرج الشّاب ما بين الشَّجر، الرَّبط اللي حَصل دَه كَفيل إنه يبرجِل دماغ أي حد، خطوط مُتشابكة كتير ومتعقّدة بتتحَل، يعني فعلًا الموضوع له علاقة بالمكان اللي الموقع خَدني عنده في الهِند عشان أشوف اللي حصل!
وأخيرًا؛ السّت اللي شوفناها في الأوضة وَقَفِت عند الشّباك، كانت بتبعِد الستارة وبتبُص برّه، السّما من الشّباك كانت ضَلمة، وفي حاجة برّه كانت شغلاها؛ لأنها كانت منجذبة لحاجة برّه مخلّياها مفصولة عن اللي بيحصل وراها، واللي هي بالتأكيد مُش حاسّة به، المخلوق اللي وراها واللي هو عبارة عن البِنت اللي ملامحها ظهرت تمامًا في شكلها الشيطاني اللي شوفتها فيه آخر مرّة كانت بتقرّب منها، وبتمِد ناحيتها إيدها وهي فاردة مخالبها، وبتمشّيها على ضَهرها زي ما تكون بتستكشف الشَّخص اللي قدّامها، لكن لاحظت إن الحركة دي خلّت السّت اللي واقفة في الشّباك تسيب الحاجة اللي شاغلة انتباهها برّه وتبُص في الأوضة جوّه، لكنها كانت زي المُغيّبة، واللي حسّيته إن لَمسة المخلوق ده لها هي اللي خلّتها متبقاش في وَعيها.
كانت واقفة زي ماتكون في غيبوبة، أو زي ما تكون تَحت تأثير التنويم المغناطيسي، ودي كانت فرصة للمخلوق البَشع دَه إنه يقرّب منها، وبيبدأ يخرّج لسانه الأسود ويحرّكه فوق وشّها، ويمِد إيده المخيفة ناحية رقبتها ويضغط عليها، بَعدها السّت بتبدأ تصرخ صرخة صَعبة ولا إرادية، ومع الصرخة بتبدأ ملامحها تِكبر، التجاعيد بتملا وشّها، وشَعرها بيبدأ يشيب، وفجأة بتِسقَط في الأرض ميّتة، وفي نفس المكان اللي "كريم" كان بيشاور عليه.
زي ما يكون المَوقع كان قاصِد يخلّينا نشوف اللي حَصل بالتفصيل، وطبعًا ده كان لازم؛ عشان المَشهد يكتَمِل قدّامنا، لكن لقيت "كريم" بيلفِت نَظري لحاجة وهو بيقولّي:
-أنت مُش ملاحظ حاجة؟!
لقيتني انتَبهت وقولتله:
-حاجة زي إيه؟!
-زي ما يكون الكائن دَه خَد شَباب السِّت لمّا قرَّب لسانه منها!
كان كلامه منطقي جدًا، وده اللي خلّاني أرجع بذاكرتي للأحداث اللي شوفتها قبل ما آجي هنا، الصّرخة اللي السّت صرختها قدّامنا من شويّة كان فيها نَفس الرّعب اللي في صرخة الشّاب اللي دَخل مع المخلوق دَه بين الأشجار، والنتيجة بعد الصّرخة واحدة، هو إن شَباب الإتنين راح وبعدها ماتوا!
ودَه اللي خلّاني أرد على "كريم" وأقولّه:
-لو زي ما أنا متوقّع؛ مُمكن بتستولى على روحهم كمان!
ومن بَعد اللي شوفناه قدّامنا، لقينا نَفسنا على سلّم البُرج اللي في القَصر، خَرجنا من المَشهد تمامًا، لكن كنّا سامعين صوت ناس بتجري في القَصر، وكان فيه صرخات، وكان أكتر حاجة سامعينها هي:
-البارونة "هيلانة"، ماتِت وبشَكل غريب!
وهِنا لقيت "كريم" بيبُص ناحيتي وبيقولّي:
-يعني اللي شوفناها دي هي أخت البارون؟!
أنا علطول تذكّرت معلومات قديمة عندي وقولتله:
-البارون مالوش أخت، دي المفروض زوجته، جريدة الديلي ميل البريطانية كانت نشرت عن إن البارون مالوش أخوات، وإن دي زوجته اللي اتجوّزها بعد ما خلّف منها ابنه، البارون التاني، وبعدها ماتت؛ واللي منتشر إنها وقعت من الشّباك وكل اللي حكى عنها قال إنها انتحرت؛ لكن إحنا دلوقت شوفناها بتموت بطريقة تانية خالص!
***
في الهِند، قبل كام سنة من بناء القَصر...
الوَقت كان بالليل، ولاحظت إني لوحدي، يعني "كريم" مُش معايا، ومُش عارف إيه الحِكمة ورا إن الموقع يفصِله عن الأحداث اللي بتحصل برّه مصر؛ لكن دي مُش مشكلة، أنا مُمكن أبقى أربُطلُه مابين الأحداث، لو لزم الأمر يعني.
المرّة دي؛ لاحِظت إن البارون أوّل مرّة يِظهر في الأحداث، كان قاعِد في المكتب الخاص به، وكان مشغول في أوراق قدّامه وفي إيده الغليون وبيدخّن بطريقة صعبة، طبعًا شخصيّة زي دي معروف إن دماغها علطول بتفكّر، وده طبيعي عشان هو شَخص عنده كمّية مشاريع واستثمارات رهيبة.
وفجأة باب المكتب بتاعه بيخبّط، وبيدخل عليه زي مايكون خادِم، كان باين من هدومه، وطبعًا ملامحه كانت معروفة، وعرفت منها إن أنا دلوقت في مكان إقامة البارون في الهِند، وبالمناسبة، هو كان في الهِند أصلًا قبل ما يقرّر ييجي مصر ويبني محل إقامته فيها، قصر البارون، أو قصر مدينة الشمس.
لكن الخادِم كان بيستأذن إنه يدخل عشان يقولّه:
-المُهندس اللي حضرتك اختارته بيستأذن يدخل.
وساعتها البارون شاوِر بإيده بالموافقة، وعلطول الخادِم خرج من المكتب، ومفيش ثواني كان داخل شَخص وفي إيده ورق طويل وملفوف، واللي فِهمت من شَكله إنها خرايط، وطبعًا لمّا دَخل استأذن إنه يقعد، والبارون عطاه الإذن، ولمّا قعد بدأ يِفرد الأوراق اللي معاه على المكتب، واللي فِهمت منها إنها مجموعة تصميمات، وبعدَها دار بينهم الحوار دَه لمّا البارون بدأ يتكلّم ويقول:
-تصميمات عظيمة، لكن أنا هختار التّصميم دَه، أنا بَحِب المعمار الهِندي، ولازِم في مَدينة الشَّمس مكان إقامتي يكون على الطّراز الهندوسي.
وبمجرّد ما البارون قال الكلام دَه، المهندس علطول قفل كل التصميمات اللي معَجَبِتش البارون، وساب قدّامه ورقة التصميم اللي اختارها، واللي بدأت أركّز مع شكلها، كان فعلًا الشكل اللي فيها هو قَصر البارون اللي عندنا في مصر.
وهنا البارون بدأ يكمّل ملاحظاته للمهندس...
-أنا عاجبني فكرة البُرج؛ المنحوتات الهندوسية متوزّعة بطريقة ممتازة؛ أنت أبدَعت يا "الكسندر أوغست"؛ لكن عندي سؤال؛ إيه المَمر دَه؟
-دا السرداب اللي هيربط ما بين الغرفة الوردية اللي جنابك أمرت بها وبين كنيسة البازيليك، التصميم بالظبط زي ما اتفقنا.
في اللحظة دي، كان البارون بيعطي أوامره للمهندس بالتنفيذ، واللي سأله المدة اللي هيحتاجها المشروع، وساعتها قال إنها ممكن تكون من 3 ل 5 سنوات.
وبَعد كِدَه المُهندس اختفى فجأة من المَشهد، وبدأت أسمع دوشة وفوضى في المكان، وساعتها اتنقلت لمكان تاني، لكن اللي أخدت بالي منّه بعدين إنه في نفس مكان إقامة البارون برضو، وكان الموضوع يخُص واحدة من الخَدَم اللي في المكان، من شَكلها اللي كانت ظاهرة به إنها حامِل، واللي الأحداث أظهرته بعد كِدَه إن جوزها برضو بيشتغل في نفس المكان.
كان جوزها بيجري حوالين نَفسه، عشان كان واضِح إنها خلاص هتولِد، والخَبر وَصَل للبارون، واللي أعطى تعليماته بإنهم يطلبوا دكتور، ويادوب فات وقت قليّل والدكتور وصَل، وبعدها المَشهد كان كالتالي، باب أوضة مقفول وقدّامه كان واقف جوزها وباقي الخَدَم، وكان في واحدة مابين وقت للتاني بتدخل وبتخرج من الأوضة ومعاها مَايّه الدكتور بيطلبها تقريبًا، أو أي حاجة تانية كانت بتنطلب، الجَو كان متوتّر ودَه كان واضح على ملامح كل اللي واقفين، وشوية وسمِعت صوت الطَفل اللي اتولد، كان بيصرخ زيّه زي أي طفل لسه مولود، وبعدها باب الأوضة اتفَتح، وخرجت منّه السّت اللي كانت كل شويّة داخلة خارجة من الأوضة، وراحت ناحية أبو الطفل وقالتله:
-مبروك؛ بِنت جَميلة.
وبمجرّد ما أبوها سِمع خبر إنّها بِنت وزي ما يكون نِزِل على وشّه غضب ربّنا، دا حتّى صَرخ فيها وقالّها تبلّغ زوجته إنه مُش عاوزها لا هي ولا بنتها!
وهِنا لقيت السّت بتقولّه حاجة غريبة:
-مراتَك مُش بخير؛ لو جرالها حاجة هتطولَك لَعنة الشوريل!
أنا يادوب سِمعت الكلمة وانفصَلت عن كُل حاجة، عشان أشوف أحداث زي اللي أنا فيها دِلوقت؛ لكن في مكان تاني خالِص.
كان برضو باب أوضة مقفول، وكان طالع منّها صوت واحدة بتصرخ من الألم، وبعدها صوت طفل بيبكي، ولمّا خرَجِت واحدة من الأوضة وبلّغت الأب إن المولود بِنت صرَخ فيها وهَجر الأم وبنته، ومن هِنا حسّيت إن المكان بقى ضلمة حوالين منّي، ولقيت هاجس جوّايا، زي ما يكون حد بيهمِس في وِدني بكلام، كان ده دور الموقع إنّه يفهمّني يعني إيه لعنة الشوريل، وهِنا فهِمت إن دي لعنة الأم المنتقمة، وإنها في الأساطير الهندية، أي أم بتفقد روحها وهي بتولّد وبتتعرّض لظلم، روحها بتتجسّد في هيئة مخلوق شيطاني، وبترجع تنتَقم من اللي ظَلمها، أو من أي رَجُل عمومًا، لأن في الأسطورة الهندية، الشّوريل بتعتبر كل الرّجالة يستحقوا نَفس المصير؛ لمجرد إن شَخص واحِد بَس منهم اقتَرَف نفس الخطأ!
أنا بَعد ماعرِفت يعني إيه لعنة الشّوريل؛ رجعت تاني للمكان، كان أبو الطفلة برضو رافِض البِنت، ورافِض مراته، لكن في اللحظة دي، كان الدكتور خارج من الأوضة، وكان بيعزّيهم في الأم اللي ماتت من لحظات!
مُش عارف إيه اللي جَرَى لأبو الطفلة لمّا سِمع الخَبر، بدأ يتصرّف تصرّفات غريبة، كان بيخبّط في كُل حاجة حواليه، أنا من ساعة ما حضرت في المَشهد دَه وملامح أبو الطفلة مكَنِتش ظاهرة قدّامي، لكن لمّا قرّر إنه يمشي من المكان ووشّه جِه ناحيتي؛ اندَهشت من الربط الغريب اللي بيحصل للمرة التانية في الأحداث، دا نَفس الشّاب اللي شوفته نازِل من العربية على الطريق، والمخلوق الشيطاني بيستدرِجه بين الأشجار!
كل مرّة الموقع بيخلّيني أندَهِش أكتر من الأوّل، دا حتّى لمّا خرج من المكان لقيت نفسي برّه عشان أشوفه هيتصرّف ازّاي، لقيته بيفتَح باب عربية من اللي واقفين، وتقريبًا هو ممكن يكون سوّاق لأن كان في إيده مفاتيح عربيات مش مفتاح واحد، لكن أقرب عربية منّه واللي رِكبها ومِشي، كانت هي العربية اللي شوفته نازِل منها على الطريق وهو مُش في وعيه، قبل ما يحصلّه اللي حَصَل!
يعني هو اتعرّض لانتقام الشّوريل بالسّرعة دي؟
السؤال دَه جه في بالي، ومكُنتش محتاج إجابة عليه، لأن من المؤكّد إنه لمّا خرج من المكان، حَصل معاه اللي أنا قولتلكم عليه في أوّل الحكاية.
أنا في المكان من تاني، بَس كان البارون موجود؛ لأن لمّا خبر وفاة الخادِمة وصلّه ساب شُغله وتواجَد في مكان الحادثة، واللي لقيته بيعطي أوامر غريبة، منها إنهم ميدفنوش الخادِمة، وإنّه أمر بإن اللي يتم معاها هو التَّرميد، واللي حَسب معلوماتي، إن التَّرميد هو حَرق موتى الهندوس!
كان واضِح جدًا إن البارون متأثّر بالهندوسية، يعني اختياره للقَصر، هو اختار التصميم الهندوسي، حتّى دَه كان ظاهِر برضو في اختياره للتّرميد بشأن الخادِمة، واللي كان واضح إن كلّهم كانوا بيعارضوا رأي البارون؛ لأن عند الهندوس اللي بتموت في الحالَة دي، مينفعش يتطبّق عليها التَّرميد، وإلا لعنة الشوريل هتطول اللي عَمَل كِدَه، لكن في النهاية، قرار البارون هو اللي اتنفّذ، والعملية كلّها تمّت في الحديقة الخاصة بِمكان إقامة البارون! لأنه كان بيعتبر اللي بيسمعه منهم عبارة عن شويّة تخاريف!
***
قَصر البارون في مصر...
كانت أوّل مرّة البارون يدخل فيها القَصر بعد ما اتبَنى وبقى جاهِز، وكان معاه زوجته، أو صاحبته واللّي اتجوّزها بعد ما خلّف منها البارون التاني، لكن المَشهد اللي مكَنش غريب وكُنت متوقّع إنه يحصل، إنهم وهما داخلين، كان في شبّاك القَصر ظاهر المخلوق الشيطاني إيّاه، واللي بدون ما أفكّر، عرفت إنها لعنة الشّوريل اللي بَقِت بتطارِد البارون بسبب تصرّفه الأخير قبل ما ييجي مصر!
في الأيّام الأولى، الدُّنيا كانت لطيفة، الحياة حلوة والبَهجة كانت باينة عليهم؛ خصوصًا إن البارون كان مقرّر يعيش باقي حياته في مصر؛ لأنه انبَهر بِها.
لكن "كريم" بدأ يِظهر معايا في الأحداث من تاني، إحنا كنا واقفين برّه القَصر، وكان المخلوق دَه أو اللي هو لعنة الشوريل كان ظاهر من شبّاك غرفة البُرج، واتفاجأت لقيت "كريم" بيسألني:
-هي إيه قصّة المخلوق دَه؟ أنا مُش فاهم هو بيظهر ليه!
وزي ما توقّعت، أنا كُنت حلقة الرّبط بين الأحداث وبين "كريم"، لكن أنا لما حكيتله فهّمته إنه مجرّد تخمين واجتهاد منّي، عشان ميقولش أنا جايب المعلومات دي منين وإيه خلّاني متأكّد من كلامي، هو مهما كان ميعرفش حاجة عن الموقع زي ما أنتم عارفين، وبيعتبر الأحداث دي كلها عبارة عن حِلم هو شافه في النهاية وأغلبها بيتحذف من ذاكرته.
لكن المكان بيتغيّر بنا فجأة، ولقينا نفسنا في أوضة، وبعدها لقينا الباب بيتفتح وبيدخل منّه البارون، واللي كان بيعطي أوامره وهو داخل بإن محدّش يدخل الأوضة أو حتّى يقرّب من الباب، ويمكن دَه السَّبب اللي خلّى الناس تقول