الحكاية في بدايتها تبان إنها حكاية عادية، بس لما تمشي مع الأحداث للآخر؛ هتعرف إنها حكاية معقدة جدًا، جايز كمان تكون أكتر حكاية معقدة هتقابلها في حياتك، أصل أي شيء خارج عن المألوف، أو برَّه دايرة التخمينات اللي بتدور جوه عقلك، بيكون شيء معقد، ومش من السهل أبدًا إنك توصل لطرف الخيط اللي يوصلك للمجرم الحقيقي.
أنا بقول الكلام ده وأنا عارف بقول إيه بالظبط، بعد ما كل حاجة انتهت والمجرم اتعرِف خلاص، ودلوقت أنا بأشَّر على صدور إذن ضبط وإحضار من النيابة؛ على شان تطلع قوِّة ضبط وتقبُض على الجاني، حقيقي ملف القضية دي كان من أكتر الملفات اللي أرهقتني، حسستني إني مش أحمد فخر الدين، وكيل النيابة اللي عمر ما في قضية خيِّشت معاه، وخلتني أوصل لمرحلة صعبة من الشك في نفسي، لكن في النهاية كل شيء لازم ينكشف، الحقيقة لازم تبان، والمُجرم لازم ياخد عقابه، والعدالة لازم تاخد مجراها.
وأنا بقى حابب إنكم تعرفوا الحكاية، اللي اتعرفت بقضية المصيدة، ولازم تسمعوا الأحداث بتفاصيلها زي ما أنا سمعتها، أنا أقدر أحكي كل حاجة وكأني عيشت تفاصيل الجريمة، لأني حافظ كل كلمة اتقالت في التحقيقات؛ وده بسبب إني كنت بقرأ ملف القضية كل شوية، على شان أوصل لطرف خيط، وفي مهنتنا دي، بنحب نحط نفسنا مكان كل طرف من أطراف القضية، نفكر بدماغه، ونشوف هو عنده دوافع يرتكب الجريمة ولا لأ، وأنا تقمَّصت الدور كويِّس وفكَّرت بعقل كل واحد كان طرف في الحكاية، وده اللي هيخليني أحكي عن كل واحد فيهم وأنا متقمِّص دوره وشخصيِّته.
*
الحكاية بدأت بمكالمة، لما سيف اتصل بيا في ليلة وقال لي:
-إزيك يا عادل؛ طمني عليك يابني.
-بخير والله يا سيف، أنت اللي دنيتك عاملة إيه؟
-الحمد لله؛ دلوقت إحنا في أجازة نص السنة، وأنا بصراحة مخنوق وعايز أغير جو، ماتيجي نطلع شاليه.
استغربت من اقتراحه؛ لأننا ببساطة في فترة أجازة نص السنة، يعني في عز الشتا، واقتراحه كان عكس اللي توقعته، مين اللي يطلع شاليه في البرد ده؟ وده اللي خلاني أقول له:
-شاليه إيه بس اللي هنطلعه دلوقت! هو أنت دراستك للطب أثرت عليك ولا إيه يا سيف؟
-عادل؛ مش وقت هزار، أنا مخنوق وعايز أغير جو، ومحتاج أقضي كام يوم في مكان بعيد عن الناس، أنا هجهز كل حاجة، هبعت لعم صفوت البواب يجهز الشاليه، وتكون أنت كلِّمت أيمن ووليد، ونروح نقضي هناك كام يوم ونرجع.
استغربت كلام سيف؛ لأن على حد علمي يعني، إن صفوت البواب ده بيشتغل في الشاليه بتاعهم القديم اللي في مطروح، وده خلاني أقول له:
-كده أنت ناوي نطلع مطروح؟
-أكيد، أنا حابب أروح هناك.
ولأني عارف إن عندهم شاليه تاني في العلمين، فسألته:
-طيب ليه ما نروحش العلمين، على الأقل المسافة أقرب والشاليه هناك جديد؟
لقيته بيرد عليا ومصمم على رأيه:
-بقول لك محتاج أقضي كام يوم في مكان بعيد عن الناس، والشاليه هناك في منطقة فاضية دلوقت ومفيش فيها حد، هكون مرتاح هناك أكتر.
كلمت باقي الشلة؛ أيمن ووليد، وقُلت لهم على اللي حصل، كانوا مستغربين زي حالاتي من حكاية شاليه مطروح، وسألوني نفس السؤال اللي سألته لسيف، ليه منطلعش شاليه العلمين لو هو مصمم إننا نروح كام يوم الشاليه؟ بس في النهاية رغبته هي اللي هتمشي.
وبالفعل؛ قبل الفجر كان كل واحد مجهز شنطته ومستني، لأن سيف بلغنا إنه هيعدي على كل واحد فينا بالعربية، وبما إننا ساكنين في مناطق قريبة من بعضها، مأخدناش وقت طويل وكنا متجمعين، إحنا التلاتة ركبنا مع سيف بعد ما حطينا شنطنا في شنطة العربية، وبعدها اتحركنا على طول.
على ما وصلنا كان النهار طلع، نزلنا قدام الشاليه وكل واحد أخد شنطته، وبعدها دخلنا؛ كان عم صفوت البواب واقف في انتظارنا، وكان واقف جنبه شاب فيه شبه منه، ولما رمينا السلام، البواب هو اللي رد علينا، واللي بالمناسبة أول ما لمح سيف داخل بشنطته، جري وأخد الشنطة من إيده، أما الشاب فكان مطنشنا على الآخر، دا غير إنه كان بيبص لنا بصة غريبة، زي ما يكون كاره وجودنا، ولما دخلنا الشاليه وحطينا شنطنا، وبعدها سمعنا صوت صفوت البواب وهو بيقول لسيف:
-يلزم أي خدمة تانية يا سيف بيه؟
ساعتها سيف رد عليه وقال له:
-شكرًا، روح أنت يا عم صفوت، ولما أحتاجك هبعت لك.
وبعد ما البواب خرج، لقينا أيمن بيسأل سيف وبيقول له:
-مين الشاب اللي كان واقف جنب البواب ده؟
-دا ابنه.
-أومال مردِّش السلام ليه؟ شكله بيقول إنه كارهنا.
ساعتها سيف ضحك وقال له:
-يابني إحسِن النية، هي كلية حقوق أثرت على تفكيرك ولا إيه؟ الحكاية كلها إن ابنه أخرس ومش بيتكلم.
ضحكنا على تعبيرات وش أيمن لما عرف إن ابن البواب أخرس، وبعدها سيف طلب من كل واحد فينا يختار الأوضة اللي هيقعد فيها، أصل بالمناسبة الشاليه قديم وكبير، وإجنا جينا هنا مرة من زمان، وعارفين إن فيه خمس أوض، وده معناه إن كل واحد فينا إحنا الأربعة هياخد أوضة لواحده.
بدأ كل واحد يروح ينقل شنطته للأوضة اللي اختارها، إلا سيف، لأنه ساب شنطته في الأرض وراح في جنب بعيد، كان معاه مكالمة وتقريبًا مكنش عاوزنا نسمعها، ولما خلصها ورجع، لقينا وليد بيقول له:
-أيوه ياعم، بتتكلم بعيد ومش عايز حد يسمعك، مكالمة غرامية أكيد.
في اللحظة دي سيف حط التليفون على ترابيزة كانت جنبه وقال:
-ولا غرامية ولا حاجة، كل الحكاية إن أبويا بيطمن عليا، وبيشوفنا وصلنا ولا لأ.
ساعتها بقى أنا اللي رديت، وقُلت له:
-حقه يا عم، سيف الدين عبد التواب، ابن الدكتور عبد التواب صاحب مستشفى من أكبر مستشفيات مصر، وآخر سنة له في طب، وبعدها يطلع يمسك المستشفى.
وبعد ما قُلت الكلام ده، كملت وقُلت...
-بُص بقى يا سيف، إحنا كده ضامنين إننا لما نتخرج نشتغل، وليد الغلبان ده في صيدلة يشتغل في صيدلية المستشفى، وأيمن لما يخلص حقوق يشتغل في الشئون القانونية في المستشفى، أما أنا بقى يا عم، لما أخلص كلية حاسبات، أمسك السيستم بتاع المستشفى والكاميرات والكلام اللي بالك فيه ده، أهو نستفاد بحاجة ولا إحنا بنروح نتبرع لنبك الدم في المستشفى بتاعتكم لله تعالى؟
ساعتها سيف ضحك على كلامي وقال:
-وممكن أخيب ظنكم وظن أبويا كمان، وأطلع أشتغل في هوايتي، أعمل ماسكات لشخصيات في السينما، يمكن أتشهر ويطلبوني في هوليود ولا حاجة، وأسيب لأبويا الجمل بما حمل.
الكلام قلب بهزار، وبعد ما ضحكنا والدنيا بقت تمام، كل واحد دخل على أوضته، على شان نريح شوية، لكن لما دخلت الأوضة لاحظت حاجة غريبة، الشباك بتاعها كان عليه قضبان حديد من جوه، استغربت من الحكاية وكانت واخدة كل تفكيري، المفروض إن في بواب بيحرس الشاليه، واللي عاوز يأمن المكان ممكن يعمل حديد عادي من اللي بنعمله في شبابيك بيوتنا، إنما حديد غليظ زي القضبان ليه؟
بالمناسبة، لما كنا هنا من كام سنة، مكانش الكلام ده موجود، بس الإرهاق غلبني، دماغي تقلِت ونمت، ومحستش بنفسي غير بعد كام ساعة، قُمت من السرير وخرجت من الأوضة، واتفاجأت إن وليد كان لسه صاحي وخارج من أوضته هو كمان، أول ما شافني بص لي وقال:
-هو لما كنا هنا المرة اللي فاتت كان في قضبان حديد على الشباك؟
استغربت سؤاله، لأني كنت فاكر الموضوع ده في أوضتي بس، وساعتها قُلت له:
-مفتكرش إن الكلام ده كان موجود، أنا كمان أوضتي زي أوضتك بالظبط.
وإحنا واقفين نتكلم، لقينا أيمن خارج من أوضته، وأول ما شافنا قدامه لقيته بيقول لنا:
-واقفين كده بتعملوا إيه؟
ساعتها جاوبنا على سؤاله بسؤال تاني، واتفاجئنا إننا بنقول نفس السؤال في نفس اللحظة:
-أنت أوضتك فيها قضبان حديد على الشباك؟
في اللحظة دي؛ لقينا أيمن بيعصر ذاكرته، زي ما يكون بيتفكر وقال:
-أيون صح في قضبان حديد، بس ليه السؤال ده يعني؟
رديت عليه وقُلت:
-أصل لما كنا هنا المرة اللي فاتت مكنش موجود، ومستغربين من الفكرة نفسها.
لكن من وجهة نظره كشخص بيدرس في حقوق قال:
-لو عايزين رأيي كواحد بيدرس قانون؛ فأحب أقول يعني إن الدنيا معادتش أمان، وده شاليه وفي مكان بيكون فاضي ومقطوع في الشتا، يعني ممكن أي حد يدخل يسرق حاجة، والقضبان من فولاذ صعب تتقطع، زيادة في الأمان يعني، ماهو البواب مش هيقدر يأمن الشاليه من كل الاتجاهات في وقت واحد، الدنيا بقت صعبة والحرامية بقوا كتير.
رأيه إلى حد ما كان مقنع، واللي أكِّد على كلامه، إن سيف لما خرج من أوضته، وعرف إحنا بنتكلم في إيه قال لنا:
-ما أنا كمان أوضتي نفس الحكاية، أصل أبويا الدكتور عبد التواب طلب من عم صفوت البواب يعمل كده، لأن الشاليه اتعرض للسرقة من سنتين، المهم بقى، أنا واقع من الجوع، هبعت عم صفوت يجيب حاجة ناكلها.
في اللحظة دي وليد قال لسيف:
-طيب ما تبعت ابنه، أنت ليه هتتعب الراجل الكبير؟
ساعتها سيف رد عليه وقال له:
-يعني أنت لما تتخرج وربنا يكرمك وتفتح صيدلية، ودخل عليك واحد أخرس هتعرف هو عاوز إيه؟
في الوقت ده وليد رد عليه وقال له:
-أكيد لأ.
-يبقى إزاي ربيع الأخرس ابن عم صفوت البواب هيروح مطعم ويطلب الأكل؟
قلبناها هزار وكنا هنقع في الأرض من الضحك، وبعدها الوقت فات والأكل كان وصل، أكلنا وكل واحد دخل أوضته شوية، ده طبعًا بعد ما اتفقنا إننا هنتقابل في ريسيبشن الشاليه بعد المغرب، على شان نطلع نتمشى على البحر.
لما نزلنا واحد ورا التاني على الميعاد، إتفاجئنا إن وليد منزلش، في اللحظة دي طلبت من أيمن إنه يطلع يستعجله، يعني يصحيه لو كان راحت عليه نومة، بس لما أيمن طلع، سمعناه بيندَه علينا وبيصرخ وهو بيقول:
-وليد مش موجود!
أخدنا بعضنا وطلعنا على فوق، لقينا الأوضة متبهدلة، زي ما يكون في اتنين كانوا بيتخانقوا فيها، ملاية السرير واقعة والمخدات مش في مكانها، استغربنا الحكاية، نزلنا نجري على تحت، خرجنا من الشاليه وجرينا ناحية أوضة البواب، اللي لما خبطنا عليها فتح لنا ابنه ربيع، ولما شافنا كان بيبص لنا نفس البصة، لكن مفيش ثواني وخرج عم صفوت، وساعتها أيمن سأله:
-مشوفتش وليد؟
-لأ مشوفتوش، هي إيه الحكاية؟
-أوضته متبهدلة ومش عارفين هو فين؟
-لأ والله أنا دماغي تقلِت وغفلت ساعة، بس البوابة مفتوحة، يمكن خرج وراجع تاني.
ساعتها أخدنا بعضنا ودخلنا الشاليه، أسئلة كتير كانت بتدور في دماغنا.
الليل دخل ووليد مرجعش، حاولنا نكلمه لكن تليفونه كان مقفول، ويمكن ده اللي خلى الأمور تتعقد أكتر، قولنا نطلع أوضته تاني، جايز لما ندوَّر فيها نوصل لحاجة.
بالفعل طلعنا، وبدأنا ندوَّر في الأوضة، لكن ملقناش أي حاجة تخلينا نعرف وليد راح فين، ولا إيه سبب إن الأوضة تتبهدل بالطريقة دي، لكن أيمن سأل سيف سؤال وقال له:
-مش لو كان في كاميرات كنا عرفنا إيه اللي حصل؟ على الأقل كنا شُفناه وهو خارج أو نقدر نوصل لمكانه.
في اللحظة دي سيف رد عليه وقال له:
-ما الشاليه اتسرق وكانت الكاميرات راكبة، سهل أوي إن حد يتلثم ويدخل يسرق، هي يعني الكاميرات هتشوف اللي ورا اللثام؟ ومن بعد حادثة السرقة أبويا شال الكاميرات وعمل قضبان الحديد لأن الكاميرات مقدرتش تمنع السرقة.
مكناش عارفين نرد على كلامه، بس لما شافنا ساكتين قال لأيمن...
-إحنا نروح نعمل محضر اختفاء.
ساعتها أيمن رد عليه وقال له:
-هنروح نقول إيه في المحضر؟ نمنا شوية بعد الأكل وصحينا لقينا صاحبنا مش موجود؟ ده مش اختفاء ولا حاجة، وأبسط رد هتسمعه إنه زمانه خرج هنا ولا هنا وراجع، دا غير إن الاختفاء معدَّاش عليه 48 ساعة، يعني لسه الأمور طبيعية.
في اللحظة دي سيبتهم وطلعت أوضة وليد، بدأت أدوَّر تاني يمكن ألاقي حاجة إحنا مكناش واخدين بالنا منها، وافتكرت إننا لما دورنا مبصيناش تحت السرير، وده اللي خلاني أبُص تحته، وساعتها قلبي اتقبض ولساني تقِل، لأني شُفت حاجة غريبة خلتني أتصدِم.