كنت مبسوط لمّا لقيت الشغلانة دي؛ خلاص أخيرًا هيكون في دَخل ثابت يخلّيني أعيش مُستقِر، دا غير إنها شُغلانة لا فيها شيل ولا حَط، ولا مشاوير، فَرد أمن على بوابة مصنع؛ هقعُد سُلطان زماني على مكتب جنب البوابة لحد ما النهار يطلع.
نجحت في المُقابلة؛ واستلمت الشُّغل، وعرفت إن معايا ناس تانية في الورديَّة، ماهو مصنع زي ده محتاج أفراد أمن كتير.
لما استلمت الشُّغل، رئيس الوردية قالّي: "محتاجك على بوابة ٣". وشاورلي ناحية البوابة، وبعدها روحت قعدت على مكتب الأمن اللي جنبها، بعد طبعًا ما شرحلي تفاصيل الشُّغل.
الدنيا اسكُت هُس زي ما بيقولوا، منطقة صناعية وليل بقى، وإحساس بإن شُغلانة فرد الأمن دي مالهاش لازمة، واحد قاعد حنب بوابة مقفولة لمدة كام ساعة، يلا مُش مهم، أهم حاجة المُرتَّب.
الساعة ١ صباحًا؛ قاعد في هدوء، وفجأة لقيت فرد أمن جاي ناحيتي وبيجُر كُرسي في إيده، ولما وصل عندي حط الكرسي جنبي وقَعد وقالي: "ازيك يا فتحي".
استغربت هو ازَّاي عرف اسمي، أنا لا شوفته قبل كده، ولا كان ضمن أفراد الأمن لما وصلت، لكن قولت عادي، يمكن وصل متأخر وحد قالّه إني جديد؛ ووصل لاسمي عادي، ماهو اسمي مش سِر حربي يعني، وجاي عشان يتعرَّف عليا، ولقيتني بقولّه: "الحمد لله؛ أنت شغّال معانا هنا؟".
في اللحظة دي قالّي: "أيون، أنا فرد أمن هِنا على بوابة ٣".
ردّه كان غريب، لمّا هو فرد أمن على بوابة ٣؛ أومال أنا بعمل إيه هنا؟!
بصّيتله وقولتله: "معلش بس أنا مستلم البوابة؛ ومحدّش قالّي يعني إن في حد معايا".
رَد على كلامي وقالّي: "مش ضروري حد يقولّك؛ المهم إنك تعرف إني معاك على البوابة".
الغريبة؛ إنه كان بيتعامل عادي، يعني دخل على كاتيل الشاي، حط الفيشة في الكهربا عشان يسخَّن مَيَّه، وجهّز كوبّايتين وحط فيهم شاي؛ وسألني "سُكَّرك إيه؟".
رديت عليه وقولتله: "من غير سُكّر".
ساعتها قفل برطمان السُّكر اللي كان في إيده وقالّي: "خير ما عملت، السُّكر مُضر بالصحة، أنا كمان مبشربش حاجة بسُكر، مُش بعيد كمان تكون نباتي، وساكن في العبور".
ابتسمت وقولتله: "في حد برضه ساكن في العبور هيشتغل فرد أمن؟".
صب كوبايتين الشاي وهو بيقولٍي: "على رأيك".
قعدنا نشرب الشاي، ولقيتني بسأله سؤال اتأخر كتير؛ وقولتله: "بالحق مقولتليش، اسمك إيه؟"
ضحك ضحكة مكنتش عارف إن كانت سخرية، ولا تفسيرها إيه وقالّي: "سؤال متأخر فعلًا، يعني أنا عرفت اسمك من أول ما أنت وصلت، لكن أنا قعدت معاك، وعملتلك شاي وبنشرب، وأنت لسه متعرفش اسمي، التقصير منك أنت على فكرة؛ أنت اللي مسألتش؛ عمومًا ياصاحبي اسمي فؤاد".
استغربت كلامه الكتير وقولتله: "أومال ليه كل البوابات عليها فرد أمن واحد، وبوابة ٣ دي عليها فردين؟".
حط كوباية الشاي اللي في إيده وقالّي: "سؤال في محلّه، بوابة ٣ دي هي بوابة المصنع الخلفية، بتفتح على منطقة مقطوعة، حظك إنك استلمت الشغل وقاعد ورا البوابة من جوَّه، لكن لو فتحناها دلوقت هتشوف صحرا، منطقة مفيش فيها صرِّيخ ابن يومين، عشان كده لازمها تأمين كويس، أي حد يفكر يدخل المصنع بالليل، مش هيفكر غير في البوابة دي، لأن البوابات التانية شغالة ليل نهار، تحميل وتنزيل؛ وناس داخلة وخارجة، البوابة دي للطوارئ فقط، عشان كِدَه مش بتتفتح كتير، وعشان التأمين عليها يكون شديد، لازم يكون عليها فردين، متضمَنش؛ واحد عينه تِغفل، أو يروح الحمام، التاني يبقى موجود؛ خصوصًا بالليل، ياما مصانع اتسرقت من البوابات الخلفية، المصنع ده نفسه؛ اتسرق من كام سنة، ومن البوابة دي، عرفت ليه بوابة ٣ لازم يكون عليها اتنين يا فتحي؟".
كلامه كان مقنع، ومنطقي، قولت بالمرَّة أهو حد يسلِّيني، لأن البوابة طلعت مبتتفتحش خالص، إلا في حالة الطوارئ، ولا في حد بيدخل ويخرج منها، يعني هقعد أكلِّم نفسي طول الوردية.
فضلت أتكلِّم معاه؛ حكالي تاريخ المصنع، وحكالي عن جريمة السرقة اللي حصلت من بوابة رقم ٣، كان بيحكي التفاصيل كأنه لسه شايفها من ٥ دقايق، وعلى ما خلَّص كلامه، كان النهار قرَّب يشقشق، لسه فاضل ساعة والوردية تخلص، في اللحظة دي شوفت مسؤول أفراد الأمن بيقرَّب من البوابة، نده عليَّا؛ فقومت من مكاني وروحتله، وسيبت فؤاد قاعد على الكرسي في مكانه، سلطان زمانه ولا كأن المسؤول موجود، قولت الأقدمية في الشغل لها دور برضه، ولما روحت للمسؤول قالّي: "إيه الأخبار يا فتحي؟".
رديت وقولتله: "الحمد لله؛ كله تمام".
كان بيبُص لملامحي وبيقولي: "مش عاوزك تزعل إنك على البوابة الخلفية، عاوز أقولك إن دي أهم بوابة في المصنع، وأنا لما شوفتك في بداية الوردية، قولت مش هينفع للبوابة رقم ٣ غيرك".
استغربت إنه بيكلمني لوحدي؛ مجابش سيرة فؤاد اللي سايبه قاعد على الكرسي وأنا قايم، بصيت ناحيته عشان أقول للمسؤول إني معايا فؤاد زميلي على البوابة، لكن لا لقيت فؤاد؛ ولا لقيت الكرسي اللي كان قاعد عليه، ولا لقيت كوبايات الشاي الفاضية، وقفت متنَّح والكلام ضايع من على لساني، لدرجة إن المسؤول قالي: "مالك يا فتحي، شكلك اتغيَّر فجأة ليه؟".
حاولت أجمَّع كلامي وقولتله: "مفيش؛ بس...".
قاطعني وقالّي: "بس إيه؟ لأ؛ مش عاوز وردية بالليل تأثر عليك، البوابة دي عايزة حد مصحصح، قلبه جامد، أصل حصلت سرقها للمصنع منها قبل كده، وراح ضحية السرقة دي فرد أمن اسمه فؤاد؛ الله يرحمك يا فؤش، كان صديقي، الحكاية دي من ١٠ سنين، بالك لو كان عايش، كان يأمّن البوابة دي بصابع رجليه الصغيّر، بس البركة فيك بقى، أنت قدَّها وقدود، كلها ساعة وزميلك هيستلم منَّك".
بعد ما سابني ومشي، وقفت وأنا مش مستوعب اللي حصل، يعني طول الليل وأنا قاعد جنب شبح فؤاد؟! اللي أكيد ساكن في مكان موته، لأ وبيشتغل ورديته عادي وكأنه عايش!
حاولت مصدَّقش اللي حصل، لكن كل حاجة حواليا بتقولي صدَّق، الكوبايات اللي شربنا فيها موجودة في مكانها ونضيفة، الكرسي اللي كان قاعد عليه مش موجود، حتى الكاتيل؛ اللي كان محطوط على قعدته وفيشته في الكهربا، كان موجود في مكانه زي ما استلمته، وفيشته ملفوفة جنبه، هو في إيه؟
في عز تفكري، لمحت فرد الأمن اللي هيستلم منّي وردية النهار، خبط على كتفي لمّا لقاني سرحان وقالّي: "أنت مطوِّل ولا إيه؟ لسه جديد والحماسة وخداك، هتاخد ورديتك ووردية غيرك، بكره تزهق واجي ألاقيك مستني على الباب؛ وتخلع بمجرَّد ما أوصل، أصل البوابة رقم ٣ دي جوَّها مش كويس بالليل، من ساعة ما حصلت عليها حادثة سرقة وفرد الأمن اتقتل جنبها، كل اللي مسك وردية بالليل عليها قال كده، لكن أنا مشوفتش حاجة بنفسي يعني".
لما خلَّص كلامه، سيبته ومشيت من غير ما أرُد، حتى هو استغرب من سكوتي، كنت بفكر أمشي مرجعش الشغلانة دي تاني، بس قولت المرتّب، أنا ما صدَّقت لقيت وظيفة، حتى لو مؤقتًا لحد ما ألاقي حاجة تانية، عملت محاولات كتير عشان أغيّر البوابة، لكن محدّش كان موافق يسيب مكانه، عشان كِدَه؛ فضلت على بوابة ٣، وبدأت أتعوِّد على فؤاد، اللي كان بيظهر كل ليلة في نفس التوقيت؛ الساعة ١ صباحًا، ويختفي بمجرد ما الوردية تخلص، ومحدّش كان بيشوفه غيري، لكن عشان كلام الناس اللي اشتغلوا قبلي، أقدر أقول إن محدش كان بيشوفه؛ غير اللي مسؤول عن تأمين بوابة ٣.
تمّت...