اليوم اكتشفت أنه صار بوسعي أن أسرد تلك الأحداث التي هتكت ذات أمانٍ واطمئنان عرض براءتي وحسن ظني بالناس..
صار بوسعي أن أحكي ما أصاب قلبي على أيديهم وكأنه قصة لا تعنيني.. وكأنني لست بطلتها.. ومن اغتيلت بين مشاهدها روحها..
استوقفني الأمر بينما أسرد وأسرد وقلبي يتقلب ما بين طيات الأمواج.. تتقاذفه موجة ألم.. وموجة حنين.. وموجة أنين.. وأخرى وأخرى..
وما بينهم يلتهب جسمي بقشعريرة لا خلاص منها.. خلفت رجفة.. جعلته يصرخ:
"أحتاج لعناق الآن.. أتمزق وتتمزق أوصالي.. أرتجف وترتجف روحي.. أحتاج أن أغمض عيني وأستكين"
تلك الصرخة جعلتني أتساءل:
" ترى.. هل تجاوزت الأمر حقًا؟"
بالطبع لا..
قد تكون طوته الأيام.. ولكن ما زال جزء من قلبي عالقًا هناك.. عند هذا اليوم.. وفي هذه اللحظة.. وعند هذه الكلمة الحارقة التي لن أنساها ولن أتجاوزها أبدًا..
ولن ينسى وقعها قلبي البريء..
الفرق فقط هو أنني صرت قادرة على مواجهة هذه الذكريات.. وتفنيدها.. والاعتراف بخطأي.. وإنساب خطأ الآخرين إليهم دون رمي كل الأخطاء على عاتقي وجلد نفسي وحدي كما اعتدت..
لم أعد أخشى حضورهم.. ولم تعد تخنق أنفاسي صورهم وأصواتهم.. باتوا والعدم سيان..
الحقيقة أننا قد نسامح.. وقد نغفر..
ولكننا لن ننسى ما فعلوه وما ألحقوه بأرواحنا مهما حاولنا.. لذا فالأسلم والأرحم بالقلوب ألا نهلكها بمحاولة النسيان..
فنسيان الصدمات لن يبددها..
مهما حاولنا ستبقى في قرار الصدر.. تموج وتغلي يومًا وراء يوم.. كالبركان..
إما يظل خامدًا.. وإما قد يقدر له أن يثور..
ستظل شوكة في الحلق تتغذى على أسى الأيام اللا نهائي..
حتى تذوب مع مرارة الوقت ندوبها وتصير ممرًا عابرًا للوصول إلى مرحلة جديدة من النضج وتغيير التفكير وردود الأفعال إزاء الأشخاص المحيطين والمواقف المختلفة..
حينها سيخبو الألم رويدًا رويدًا..
وتتبدل الشفقة على النفس إلى اعتدادٍ بها..
وستجف الدموع الغزيرة وتصير آبارًا جوفية كامنة تسقي حسب الحاجة وفي هدوء.. وتروي جفاف الروح دون جلبة ولفت انتباه..
سترتسم من بعد قسمات الحزن والعبوس والوهن ابتسامة هادئة زجاجية فاترة.. لا تعج بأملٍ زائف لا تمنحه هذه الحياة..
حينما تصل إلى هذه الحالة ستوقن تمام اليقين أنك قد اجتزت تلك المرحلة أخيرًا..
وطويت صفحتها إلى الأبد وبكل "ما ومن" فيها..